في حديثه مع إذاعة أس بي أس عربي، يكشف طعامنة سرّ البوح في هذا الكتاب الذي يمتد على 112 صفحة، توزّعت على 17 فصلًا، تتبع فيها مسار رحلة طويلة تبدأ من شرارة الفكرة وموقف الأهل من قرار الهجرة، مرورًا بتفاصيل يومية غامرة بالتناقض، وصولًا إلى قرار الرحيل وما حمله من وعود مؤجلة وخيبات متكررة.
ويكتب طعامنة في المقدمة: "هذه الصفحات ليست حكاية، ولا حِكَمًا، ولا أدبًا منظومًا، بل هي حديث إنسان مع قلبه، جلس على رصيف الغربة يتأمل الذاهبين والعائدين، ويكتب لأنه لا يعرف كيف يصرخ. فإن وجدتَ هنا شيئًا من وجعك أو ومضة من حنينك، فلا تدهش... لقد كتبتُ لا لأُحدّثك، بل لأسمعك في صمت يشبه الصلاة".
إنها لغة اعتراف حميمية مع القارئ، يضع فيها الكاتب وجعًا قديمًا لم يندمل بعد. فهو يرى في الغربة بحثًا متواصلًا عن وطن داخلي، وطن يظل بعيدًا مهما تغيّرت الأمكنة.
بين الفصول، يرسم طعامنة صورًا متباينة لشخصيات الغربة: منها من ظل وفيًّا لجذوره، ومنها من بدّدته الهجرة وأحالته إلى كائن أناني لا يعرف سوى مصلحته. ومن بين هذه الشخصيات، تطل شخصية "الضاوي"، التي وصفها الكاتب قائلًا:
ذاك الثعلب، حسم أمره منذ زمن، وأحرق من خلفه سفن العودة. لا يعرف طقوس الشوق ولا يؤمن بخرافات الأمل. يرتدي النجاح كجلدٍ له، ويزرع فقط ليقطف سريعًا، حتى لو لم تينع الزهرة بعد.
ورغم أن رامي طعامنة رجل أعمال حاصل على بكالوريوس في الهندسة المدنية، ودراسات عليا في إدارة الأعمال والتمويل، ويتنقل بين أستراليا، إندونيسيا، ودبي، فإن نصوصه تكشف جانبًا آخر، هشًّا وعميقًا، يفضح جراح الروح أكثر مما يسرد إنجازات الجسد. كلماته تبدو كشمعة أشعلها في عتمة الطريق، لا ليطرد ظلامه وحده، بل ليضيء دروب الآخرين أيضًا.
إن الغربة، كما يصفها الطعامنة، ليست نهايات المطارات ولا بدايات المدن الجديدة، بل ندبة خفية في القلب، تذكّرنا بأن الوطن الحقيقي قد لا يكون أرضًا تحتضننا، بل روحًا نتلمسها في أعماقنا كلما ضاقت بنا المنافي.

الإصدار الأول للمهاجر الأردني الأسترالي رامي طعامنة
كأن الكتاب يهمس في أذن قارئه:
الغربة ليست مسافة تُقاس بالأميال،
بل وجعٌ يقيم في صدرك كضيف لا يرحل.
قد يهاجر الجسد بعيدًا،
لكن الروح تظل معلّقة بخيط رفيع من الحنين،
تشدّنا إلى أرضٍ لا تغيب مهما ابتعدنا،
إلى وطنٍ يسكننا أكثر مما نسكنه.
استمعوا للمزيد من بوح رامي الطعامنة، بالضغط على الزر الصوتي في الأعلى.