بدأ العراق هذا الأسبوع عملية التصويت الخاص لأفراد القوات الأمنية والنازحين، تمهيداً لإجراء الانتخابات العامة المقررة يوم الثلاثاء 11 تشرين الثاني/نوفمبر، لاختيار 329 نائباً في مجلس النواب. وتأتي هذه الانتخابات في مرحلة حرجة ليس فقط لمستقبل البلاد، بل أيضاً لتوازن القوى في المنطقة، وسط مخاوف من توترات متصاعدة بين إسرائيل وإيران، واحتمال تنفيذ ضربات ضد فصائل مسلحة مرتبطة بطهران داخل الأراضي العراقية.
تسعى بغداد للحفاظ على توازن دقيق بين علاقاتها مع واشنطن وطهران، في وقت تواجه فيه ضغوطاً متزايدة بسبب النفوذ المتنامي للفصائل المسلحة. ورغم تراجع العنف الطائفي مقارنة بفترة ما بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، تبقى التحديات الاقتصادية والاجتماعية حاضرة بقوة، من البطالة المتفشية إلى ضعف الخدمات العامة وانقطاع الكهرباء المستمر، رغم الثروة النفطية الكبيرة.
وقد شهدت نسب الإقبال على التصويت تراجعاً ملحوظاً في السنوات الماضية، ففي انتخابات 2021 وصلت المشاركة إلى نحو 41% فقط، وهي الأدنى منذ التغيير السياسي في العراق. هذا العام، سجلت المفوضية العليا للانتخابات أكثر من 21 مليون ناخب مسجل من أصل نحو 32 مليون مؤهل، وسط مخاوف من أن تكون المشاركة محدودة مجدداً، ما قد يعكس تراجع الثقة بالعملية السياسية.
وفي تعليق على الإحصاءات الرسمية، قال عضو مجلس المفوضين السابق في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، حازم الرديني: "الانتخابات هذه الدورة وفق البطاقة البيومترية فقط. 21 مليون و400 ألف قاموا بتحديث بياناتهم. هناك أكثر من مليون شاركوا في الاقتراع الخاص."
وأضاف الرديني:
المؤهلون للتصويت 29 مليون ولكن هناك 9 ملايين تنازلوا عن حقهم بالتصويت. هذا الترتيب جاء وفق القانون وليس من اختصاص عمل المفوضية
وتشارك معظم الكتل السياسية التقليدية — الشيعية والسنية والكردية — عبر تحالفات متعددة، بينما يغيب التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر عن السباق بعد انسحابه من العملية السياسية، على الرغم من فوزه بأكبر عدد من المقاعد في انتخابات 2021. في المقابل، تحاول حركات شبابية وإصلاحية انبثقت عن احتجاجات تشرين 2019 فرض وجودها رغم انقساماتها وضعف مواردها.
وتوقع الرديني أيضاً أن تكون نسب المشاركة متفاوتة بين المحافظات:
نتوقع أن تكون نسبة المشاركة متفاوتة من محافظة لأخرى. ستصل ل70% في دهوك وشمال العراق وتنخفض لـ40% في محافظات أخرى.
وأشار إلى التحديات المرتبطة بكثرة المرشحين: "عدد المرشحين الإجمالي وصل إلى 7700 في 18 محافظة، منهم 2300 مرشح في بغداد والعدد الأقل في دهوك 59 مرشحاً. العدد الكبير أدى لعشوائية في الحملات الانتخابية وأرباك وتشويش على الفضائيات، وأيضاً الجانب الإيجابي هو إعطاء الناخب فرصة ليصوت للمرشح الذي يؤاتي طموحاته."
على الجانب الآخر، أعرب الناشط العراقي الأسترالي قاسم عبود عن انتقاده للعملية الانتخابية قائلاً: "كان ممكن لهذه الانتخابات أن تشكل نقلة نوعية إذا لم يسمح للأحزاب التي لديها فصائل مسلحة بالمشاركة وإذا وضعت ضوابط لاستغلال المال العام. هذه الانتخابات لن تقدم شيئاً للعراقيين لأن النتيجة معروفة سلفاً."
وسط هذه الخلفية، تبدو الانتخابات العراقية الحالية اختباراً حقيقياً لمصداقية العملية الديمقراطية في البلاد، ولمستوى قدرة الحكومة على تلبية تطلعات المواطنين، في وقت تتشابك فيه الأبعاد الداخلية مع التحديات الإقليمية الكبرى
هل أعجبكم المقال؟ استمعوا لبرنامج "Good Morning Australia" من الاثنين إلى الجمعة من الساعة السادسة إلى التاسعة صباحا بتوقيت الساحل الشرقي لأستراليا عبر الراديو الرقمي وتطبيق SBS Audio المتاح مجاناً على أبل و أندرويد وعلى SBS On Demand.




