سنستعرض قراءة سيكولوجية معمّقة لعلاقتنا بالمال في أوقات الضيق، برفقة الأخصائي النفسي في العلاج السلوكي المعرفي رمزي الجلدة، الذي يضع بين أيدينا مفاتيح لفهم أنفسنا وإدارة ضغوطنا.
المال شعور داخلي قبل أن يكون ورقاً
يكفي أن ندخل متجراً لنشتري شيئاً بسيطاً، فنقابل بائعاً عابساً أو موظفاً متوتراً. قد نظنها مشكلة شخصية، لكنها في الحقيقة انعكاس لضغط اقتصادي عميق يتسرّب إلى تفاصيل الحياة اليومية. يقول رمزي الجلدة: "المال ليس مجرد ورق أو أرقام في حساب بنكي. هو شعور داخلي بالأمان. وعندما يتزعزع هذا الأمان، ينعكس فوراً على تعاملاتنا اليومية حتى في أبسط المواقف."
القلق الجماعي العدوى الصامتة
المجتمع الأسترالي – الذي عُرف بالهدوء والاحترام – يبدو اليوم أكثر عصبية وسرعة في ردود الأفعال. وهنا يوضح الجلدة:
"عندما يغمرنا سيل الأخبار السلبية – من ارتفاع الأسعار إلى الحروب – فإننا نعيش حالة من القلق الجماعي. هذا القلق يصبح عدوى تنتقل من شخص لآخر، إذا لم ننتبه لإدارته."
إنها صورة جديدة للمجتمع، حيث تتداخل الضغوط الفردية لتتحول إلى طاقة جماعية مشحونة بالقلق والتوتر.
الضغط المالي أخطر أنواع الضغوط
من منظور علم النفس، يُعتبر الضغط المالي من أخطر أشكال الضغوط لأنه يمس الاحتياجات الأساسية: السكن، الطعام، الأمان.
يشرح رمزي الجلدة ذلك بقوله:
"حين يشعر الإنسان أن أساسيات حياته مهددة، يظهر الخوف. وهذا الخوف قد يتحول إلى ما يسمى بالإزاحة – أي توجيه الغضب لشخص بريء بدلاً من مواجهة مصدر التوتر الحقيقي."
وهنا تتضح خطورة الأزمة: ليست فقط في الأسعار، بل في الانهيارات الصغيرة التي تحدث داخل النفوس.
ما الذي يمكن فعله؟
الحلول السحرية غير موجودة. لكن المهارات النفسية هي السلاح الأنجع. يوضح الجلدة: "قد لا نغير أسعار العقارات أو القرارات السياسية، لكننا قادرون أن نغيّر طريقة استجابتنا. السيطرة تبدأ من الداخل، من لحظة وعي نختار فيها الهدوء بدلاً من الانفعال."
الوعي هو الخطوة الأولى، يليه خلق لحظات راحة صغيرة في حياتنا اليومية: استراحة قصيرة، تنفس عميق، أو حتى كلمة طيبة.
رأس المال الإنساني
التعاطف – كما يقول الجلدة – هو الاستثمار النفسي الأهم في الأزمات: "كل كلمة طيبة نقولها، وكل لحظة نكبح فيها غضبنا، هي استثمار نفسي. هي رأس مال إنساني يحفظ المجتمع من الانهيار." وحين ندرك أن الجيران والزملاء يمرون بالضغوط نفسها، يصبح التعاطف دواءً مشتركاً يعيد التوازن للمجتمع.
أعظم ربح في زمن الأزمات
قد لا نستطيع تغيير أسعار العقارات ولا التحكم في فواتير الكهرباء، لكننا نملك شيئاً أثمن: أن نشتري راحتنا الداخلية.
وكما يلخص رمزي الجلدة بحكمة:
"مالك نفسه خير من مالك مدينة. فلنحافظ على هدوئنا، فهذا أعظم ربح في زمن الأزمات
استمعوا لتفاصيل اللقاء بالضغط على زر الصوت في الأعلى.