جوليان أسانج - اسم ارتبط بجدل عالمي حول السرية والأمن وحقنا كأشخاص عاديين في معرفة الحقيقة.
يراه البعض بطلا ويراه آخرون مذنبا. فهل هو باحث عن الحقيقة أم مجرم سرب معلومات عرضت أمن أشخاص ودول للخطر أم هو مزيج بين هذا وذاك؟
ولد أسانج في 3 يوليو 1971 في تاونسفيل، كوينزلاند، أستراليا، ولم تكن حياة أسانج المبكرة عادية على الإطلاق. كانت والدته كريستين فنانة وناشطة، وكان زوج والدته يعمل في المسرح.
عرّضت هذه التنشئة جوليان لعالم من الأفكار والمثل العليا منذ صغره. عاشت العائلة أسلوب حياة يتميز بالترحال، وكانت تتنقل بشكل متكرر عبر أستراليا، مما غرس في أسانج شعورًا بالاستقلال والقدرة على التكيف.
كان جوليان طالبًا مجتهدا، وكان مهتمًا بشكل خاص بالعلوم والرياضيات. وقد كان اكتشافه لسحر أجهزة الكمبيوتر هو ما مهد الطريق لمساعيه المستقبلية. مع بلوغه سن السادسة عشرة، انغمس أسانج في عالم القرصنة، متخذًا لقب "مينداكس" - وهو اسم يعني "الكذاب النبيل".
كانت محاولاته المبكرة في مجال القرصنة مدفوعة بالفضول والإيمان بأهمية المشاركة الحرة للمعلومات.
شارك أسانج في تأسيس مجموعة قرصنة عرفت باسم "International Subversives"، وقام من خلالها بصقل مهاراته واخترق شبكات متنوعة، بما في ذلك شبكات المؤسسات التعليمية وحتى الوكالات الحكومية. كانت هذه الفترة بمثابة بداية رحلة أسانج في عالم القرصنة.
لكن الأمر لم يتوقف عند ذلك.
في عام 2006، أنشأ اسانج ويكيليكس، وهي منظمة غير ربحية مكرسة لنشر المعلومات السرية أو الخاضعة للرقابة ذات الأهمية السياسية والأخلاقية والتاريخية. كان الدافع وراء ويكيليكس بسيطا ولكنه عميق: تسليط الضوء على المكائد الخفية للكيانات القوية ومحاسبتها.
في عام 2010، أصدرت ويكيليكس سلسلة من التسريبات كشفتها تشيلسي مانينغ، محللة استخبارات في الجيش الأمريكي. وكان أبرزها مقطع فيديو عسكري أمريكي سري، أطلق عليه اسم "القتل الجانبي"، يُظهر هجومًا بطائرة هليكوبتر عام 2007 في بغداد أدى إلى مقتل عدة أشخاص، من بينهم صحفيان من رويترز.
أدى هذا الإصدار، إلى جانب تسريبات لاحقة لبرقيات دبلوماسية ووثائق عسكرية، إلى دفع أسانج إلى دائرة الضوء العالمية وأثار غضب الحكومة الأمريكية.
وسرعان ما تبع ذلك اتهامات ومعارك قانونية. وفي عام 2010، أصدرت السويد مذكرة اعتقال بحق أسانج بتهمة التحرش الجنسي، وهو ما نفاه، مدعيًا وجود دوافع سياسية وراء الاتهام.
لتجنب تسليمه إلى السويد - وربما إلى الولايات المتحدة - طلب أسانج اللجوء في سفارة الإكوادور في لندن في عام 2012، حيث مكث لمدة سبع سنوات في حالة حبس اختياري. بعدها اعتقل أسانج وقضى خمس سنوات في سجن بلمارش في لندن.
لكن قصة أسانج التي تحبس الأنفاس لم تنتهي هنا.
في عام 2021، بينما كان أسانج لا يزال في سجن بلمارش، تزوج من ستيلا موريس، محاميته السابقة، وأنجب منها طفلين. وقد ظلت الولايات المتحدة تطالب بتسليم أسانج بتهم تتعلق بنشر مواد سرية.

Stella Assange speaks at a press conference in Parliament House following WikiLeaks founder Julian Assange's arrival back to Australia, in Canberra, Thursday, June 27, 2024. Source: AP / Rick Rycroft/AP
ولكن كيف انتهت ملحمة أو مأساة جوليان أسانج التي شغلت العالم لعقود؟
في يناير/كانون الثاني 2021، منعت محكمة بريطانية تسليمه إلى الولايات المتحدة لأسباب تتعلق بالصحة العقلية، خشية أن ينتحر إذا تم تسليمه. لكن ذلك القرار لم يمنحه الحرية.
لفترة طويلة ظلت عودة أسانج إلى وطنه أستراليا محفوفة بعلامات الاستفهام. وأشارت الحكومة الأسترالية إلى أنها لن تتدخل، مما ترك مستقبل أسانج في مهب الريح.
ولكن ما لم يكن يتوقعه الكثيرون هو أن أسانج سيحصل على حريته بشكل مفاجيء في يونيو 2024.
توصل أسانج إلى اتفاق أقر بموجبه بأنه مذنب في تهمة واحدة تتعلق بانتهاك قانون التجسس الأمريكي مع المدعين العامين الأمريكيين.
وفي 26 يونيو 2024 خرج جوليان أسانج من مبنى المحكمة الفيدرالية في سايبان في جزر ماريانا الشمالية، رجلاً حراً ليبدأ فصلا مهما في حياته يسمح له بلم الشمل مع عائلته والعودة إلى حياة شبه طبيعية بعد سنوات من الاضطراب.
ومع قبول المحكمة لعقوبته البالغة 62 شهرًا التي قضاها بالفعل في سجن بيلمارش كعقوبة كافية، لم يعد لدى أسانج المزيد من الأحكام ليقضيها.
وصل أسانج إلى كانبيرا بعد أكثر من 15 عاما قضاها بعيدا عن وطنه ورغم أن القصة الرئيسية اليوم هي حصول مؤسس ويكيليكس على حرية بحث عنها لعقود إلا أن قضية جوليان أسانج تركت وراءها سلسلة من الأسئلة القانونية والأخلاقية التي لم تتم الإجابة عليها بعد حول حرية التعبير والشفافية والأمن وسرية المعلومات والأثر العميق الذي قد يتركه بحث رجل واحد عن الحقيقة.