منذ ثمانين عاما وفي الثاني عشر من تموز يوليو 1941 تحررت بيروت من قبضة حكومة فيشي الفرنسية التي كانت تدعم قوات المحور وألمانيا النازية، وكان ذلك بفضل قوّات الحلفاء بقيادة الفرقة السابعة في الجيش الأسترالي.
ففي 12 تموز 1941، استسلمت قوات فيشي الفرنسية للجنرال الأسترالي الذي كان يقود الغزو، السير جون لافاراك، ولغيره من قادة الحلفاء.
سبق ذلك هجمات شنتها قوات الحلفاء في 8 حزيران 1941 على أربعة محاور.
وبينما تقدّمت قوات أخرى نحو سوريا، اختارت الفرقة الأسترالية السابعة التقدّم من فلسطين باتجاه لبنان على محورين؛ أي على طول الطريق الساحلي المؤدّي إلى بيروت وعبر الجبال. وخاض الأستراليّون معارك ضارية أثناء تقدُّمهم عند نهر الليطاني (9 حزيران) وفي جزين (13 حزيران) ومرجعيون (19-24 حزيران) والدامور (5-9 تموز).

Syrian border. Group photo of members of the 2/6th Australian field company, Sergeant Raymond Alexander OGG is first on the left in the front row. Source: Australian War Memorial
ويقول الدكتور علي يوسف حجازي، ابن قرية دبين الجنوبية ومؤلف كتاب "كشكول دبين" إن المعركة التي جرت في الثامن من حزيران كانت من أهم المعارك.
المعارك شهدت كرا وفرا كما يقول الدكتور علي يوسف حجازي الذي أشاد بأخلاق الجنود الأستراليين الذين عاملوا الناس معاملة إنسانية بعدما كانوا تعرضوا للتنكيل من قبل الألمان. ويعتبر الدكتور علي يوسف حجازي فترة تواجد القوات الأسترالية في منطقة الجنوب اللبناني فترة ذهبية.

An inscription cut into a cliff to record the capture of Damour by the Australians. Source: Australian War Memorial
وبينما كان الأستراليّون على وشك الدخول إلى بيروت في شهر تموز، توصل المتحاربون إلى اتفاق هدنة في 12 تموز 1941.
وفي 15 تموز، دخل جنود أستراليّون إلى بيروت، برفقة قوات الحلفاء في احتفال مهيب وظلّت القوات الأسترالية، إلى جانب وحدات الكومنولث البريطانية، مُرابِطة في بيروت لعدة أشهر بعد استسلام القوات المؤيدة لفيتشي لتتّخذ من هذه المدينة معقلاً لها لما تبقّى من الحرب العالمية الثانية.
كما وتوزعت القوات الاسترالية في مراكز وقواعد في برمّانا وعاليه وعين صوفر وعمشيت وطرابلس.
سفيرة أستراليا لدى لبنان السيدة رابيكا غريندلاي تقول إنه تقليد سنوي أن يقام حفل تذكاري للأنزاكز في لبنان حيث يرقد 320 من الجنود الأستراليين ومنهم نيكولاس خوري وهو أول جندي سقط هناك في الحرب العالمية الثانية وكان أستراليا من أصل لبناني.
ومن أعمال البناء التي قام بها الأستراليون في لبنان كان بناء جسر نهر الكلب الذي بني خلال إنشاء خط السكة الحديد بين بيروت وطرابلس.

Graves of Commonwealth soldiers at the Beirut War Cemetery, 25 April 2018. Source: Photo provided by the Australian Embassy, Beirut
سفيرة أستراليا لدى لبنان السيدة رابيكا غريندلاي تقول إن القوات الأسترالية لم تأت غازية بل محررة، وأن بناء الجسر لهو دليل أنها كانت أيضا تعمل على البناء والتطوير.
وتقول سفيرة أستراليا في لبنان إن الشعور عند إقامة احتفال الفجر في بيروت مختلف عن غيره من البلدان "فهناك رهبة خاصة لأنك مقبرة الكومنولث حيث يرقد الجنود الأستراليين تتوسط المدينة حيث يمكن سماع أصوات المدينة تستفيق في الصباح، كما وأن الحرب التي عاشها اللبنانيون تجعل الشعور بالتضحيات أكثر عمقا".
ولا يزال لبنان يحتضن آثاراً تشهد على وجود القوات الأسترالية على أراضيه، ولعلّ أهمّ هذه المعالم خط سكة الحديد المُهمَل حالياً بين بيروت وطرابلس. ولا يزال العديد من الجسور المتهاوية والركائز يحمل شعار القوات الإمبريالية الأسترالية (التي تحوّل اسمها لاحقاً إلى قوات الدفاع الأسترالية) ووحدات الهندسة التي أشرفت على إنشاء سكة الحديد عقب تحرير بيروت في العام 1941.

Australian Ambassador Rebekah Grindlay delivers an ANZAC Day address at dawn on 25 April 2019, Beirut War Cemetery. Source: Australian Embassy, Beirut
ومن أعمال البناء التي قام بها الأستراليون في لبنان كان بناء جسر نهر الكلب الذي بني خلال إنشاء خط السكة الحديد بين بيروت وطرابلس.
سفيرة أستراليا لدى لبنان السيدة رابيكا غريندلاي تقول إن القوات الأسترالية لم تأت غازية بل محررة، وأن بناء الجسر لهو دليل أنها كانت أيضا تعمل على البناء والتطوير.
ويتوافق رأي الدكتور علي يوسف حجازي مع ما قالته سفيرة استراليا في لبنان إذ يقول إن الأستراليين لم يأتوا كمحتلين بل جاءوا للتحرير ولم يكن لديهم مآرب أو مطامع فيه.
وفي جولة على منطقة جنوب لبنان يأخذنا الدكتورعلي يوسف حجازي في جولة ميدانية يدلنا فيها على منشآت وآثار مهمة تشهد على عمل وجهد القوات الاسترالية في لبنان خلال الحرب العالمية الثانية. ولهذه الآثار حكاية ليس مع التراب فحسب، بل مع الناس أيضا.

The bridge over Dog River. Source: Australian War Memorial
ويقف الدكتور علي يوسف حجازي على مفترق طرق في منطقة دبين ، مشيرا إلى التلال المجاورة واصفا التحصينات التي بناها الجنود الأستراليون هناك.
وفي هذه التحصينات والخنادق تكاتفت جهود الجنود الأستراليين مع جهود الأهالي، ولم يبخل الأستراليون بدفع أجورهم كما قال الدكتور علي يوسف حجازي.
ويقول الدكتور علي يوسف حجازي إن الأستراليين بنوا مستشفى تحت الأرض مكون من غرف عديدة ومحصن بطبقة من التراب لتحميه من القصف الجوي.
ولافت للنظر التقنية والهندسة المتقدمة التي استخدمت في بناء هذا المستشفى العسكري فالمداخل الخمسة كانت لتأمين مداخل ومخارج بديلة في حال سُد مدخل ما، وقد بني على عمق ستة أمتار تحت تحت الأرض مما جعله يصمد رغم مرور السنين، ورغم تعرضه للقصف خلال الحروب التي شهدها لبنان لاحقا. 

Dr Ali Yousuf Hijazi standing alongside what remains of a structure he believes was built by Australian soldiers. Source: SBS Arabic24 (Iman Riman)

Part of a WWII hospital structure Dr Hijazi believes was built by Australian forces. Source: SBS Arabic24 (Iman Riman)

Part of an entrance to a WWII hospital Dr Hijazi believes was built by Australian forces. Source: SBS Arabic24 (Iman Riman)
وننتقل من المستشفى إلى ناحية مجاورة، نسير على دروب رصفها الأستراليون بالحجارة تمتد بين بساتين التين والزيتون وتوصل إلى عين ماء، تعرف بالعين المقبية، ولهذه العين قصة كما يرويها الدكتور علي يوسف حجازي.
ويقول الدكتور علي يوسف حجازي إن المطار الموجود في مرج الخيام، بني على وجه السرعة لتأمين نزول طائرات الحلفاء لكنه لم يستخدم بعد ذلك.
إن كان الأثر الذي تركه الجنود الأستراليون في لبنان خالدا في الحجر فإن أثرهم في نفوس وقلوب البشر يبقى أكثر خلودا كما يقول الدكتور علي يوسف حجازي.
استمعوا إلى التقرير الصوتي في أعلى الصفحة.

Trenches built by Australian soldiers in Southern Lebanon during WWII. Source: SBS Arabic24 (Iman Riman)

Dr Hijazi stands at what he believes was once the site of an Australian-built airport in Southern Lebanon. Source: SBS Arabic24 (Iman Riman)

The WWII shrine in the village of Debbin. Source: SBS Arabic24 (Iman Riman)