في حديثه لـ"أس بي أس عربي"، فتح كيطان دفاتر الشعر وسطورها، متأملا الغربة كمرآة للذات، وسيدني كمسرح لحياة جديدة.
وحين سألناه عن اللحظة الأولى لوصوله إلى أستراليا لاجئًا عام 2002، ابتسم وقال: "غير الحقيبة، كنت أحمل رأسي، وفيه دهشة طفل لا يعرف ما ينتظره".
اكتشفت في استراليا بلدا يختصر العالم وفيه تعلمت التسامح
تلك الدهشة بدأت في مطار ادلايد ، يقول عبد الخالق كيطان، وحين رأى لأول مرة وجوها من كل الأعراق والملامح "كانت صدمة مبهجة" مضيفا انه "بلدٌ يختصر العالم وفيه تعلمت التسامح،. ومنذ تلك اللحظة، بدأت أفكّر في معنى التعدد، في بلدٍ يحتضن مئات الجنسيات ومن هنا بدأت رحلتي في التأمل بأستراليا التي أصبحت وطني".
الكتابة فعل نجاة من ان تكون مألوفا ومكررا
واكد كيطان ان الكتابة لديه فعلٌ شخصيّ مطلق "وهي فعل نجاة من الاعتيادية والتكرار، من أن تكون مألوفا ومكررا، ماضيا الى القول " أن تكتب قصيدتك يعني أن تحلق في سماواتك وحدك، وأن تنجو من الرداءة ، لهذا أكتب، لا لأحاكي أحدا، بل لأتخلّص من خوفي من الاعتياد".
عبد الخالق الذي كتب مجموعته الأولى "نازحون" على وقع الهروب من البلاد وهي المجموعة التي فازت بجائزة الشاعر العربي عبد الوهاب البياتي، يعترف أن الشعر تغيّر معه، وتوسّعت أفاقه وهو يكتبه من سيدني مؤكدا ان "القصيدة تخلّصت من ظرفها المكاني، أصبحت أكثر حرية".
وبعد أكثر من عشرين عاما في أستراليا، لم يتخلَّ كيطان عن لغته الأم ، وقال "ما زلت أكتب باللغة العربية، وهذا بحد ذاته دليل على أن جذوري ما زالت في مكانها"، لكنه يعترف بأن اللغة الإنجليزية تسللت إلى قاموسه الشعري ، وغيّرت شيئًا في نَفَسه الشعري، من حيث الصورة الإيقاع وبنية الجملة.
ويصف هذا التأثير بأنه "إضافة خلاقة، لا مسخا"، مؤكدا أن الهجرة تُثري اللغة ولا تُضعفها .
وفي أحياء غرب سيدني، حيث تتجاور الطقوس واللغات والذاكرة، يعيش الشاعر عبد الخالق كيطان منذ نحو عقدين، يحمل في قلبه ظلّ العراق، وفي قصيدته أصداء تأمل وسخرية نبيلة.
وقال إن "العيش في أحياء غرب سيدني، بين مهاجرين من الصين والهند وأوروبا وأفريقيا، منحه درسا نادرا " مبينا ان "ذلك علمني تأمّل الآخر دون خوف وأن أرى الناس يبنون حياتهم دون ضجيج، كلٌّ بلغته، كلٌّ بحلمه".
كتاب شارع دجلة .. شهادة دونت تحت لهب أحداث لم تزل إيقاعاتها في الذاكرة العراقية
وبشان كتاب شارع دجلة قال عبد الخالق كيطان "هو جزء من ثلاثية السيرة والتي تناولت ثلاث محطات هي ميسان وبغداد وعمان والحدث الاساس فيها هي انتفاضة اذار عام 1991 ، انه شهادة ثقافية صافية دونت تحت لهب أحداث لم تزل إيقاعاتها في الذاكرة العراقية".
واضاف "يليه كتاب سيصدر قريبا عن دار الشؤون الثقافية في بغداد اسميته البجع المذبوح وبينهما هو كتاب حديقة الوهم".
واشار الى ان عنوان كتابه "النوم في محطة الباص" كان استعارة تلخص " ربما اننا نعيش في محطة، ننتظر حافلة لا نعرف متى تأتي لتأخذنا صوب وجهة لا عودة منها".
عبد الخالق كيطان الذي كتب عن النزوح والانتظار والمحطات والغربة ، لخص تلك الرحلة بالقول " أن تقول إنك وصلت .. يعني أنك انتهيت" .
واختار كيطان جملة واحدة يمكن ان يخطها في محطة الباص الاخيرة ، لتختزل حياته وقال "ساكتب ..أحدهم مر من هنا".

الشاعر عبد الخالق كيطان خلال قراءة في مهرجان الجواهري بمدينة سيدني
حمل لغته كجمر لا ينطفئ، وجعل من القصيدة مرآةً لا تلمّع الوجع، بل تفضحه برهافة.
قصائده تخطّت الجغرافيا لكنها لم تفقد لهجتها الأولى ، وتُرجمت أعماله إلى الإنجليزية والإسبانية والفرنسية، وظهرت في أنطولوجيات ومجلات عربية وعالمية.
استمعوا لتفاصيل اللقاء مع الشاعر عبد الخالق كيطان ، بالضغط على الرابط الصوتي في الأعلى.