بعدما غادر معظم الصحفيين والمراسلين من غزة في أواخر 2019، حزم المصور الأسترالي داريان تراينور كاميراته وعدساته وأقدم على رحلة إلى قطاع غزة. لم تكن أحداث "مسيرة العودة الكبرى" قد انتهت بعد في ذلك الوقت،كما لم تكن أسبابها وأبعادها الشغل الشاغل له، إذ كان قد وضع نصبُ عينيه هدفاً واضحاً: تصوير آثار الرصاص الاسرائيلي على أجساد المتظاهرين الفلسطينيين.
المثير للاهتمام أن داريان لم يُكلَف بمهمة صحفية رسمية من قبل أي جريدة أو مؤسسة اعلامية في أستراليا. ليس لداريان أي أصول عربية وليس له أي صلة بقطاع غزة. فكما يعرف عن نفسه في لقاء حصري مع أس بي أس عربي24: "أنا أستراليٌ أبيض العرق، وأدرك تماماً ما يعنيه هذا من "امتيازات العرق الأبيض" التي أتمتع بها."
لماذا فلسطين؟
عن هذا السؤال يجيب داريان إنه يتذكر جيداً لحظة اهتمامه الأولى بالشأن الفلسطيني. عندما كان طالباً في المرحلة الثانوية في العام 1993، احتوت احدى الكتب المدرسية على الصورة التاريخية الشهيرة للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وهو يصافح رئيس وزراء اسرائيل آنذاك إسحاق رابين في الحديقة الأمامية للبيت الأبيض بحضور الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون. ويعترف داريان أنه لم يعرف في ذلك الوقت أي شئ عن فلسطين أو اسرائيل أو الصراع الدائر بينهما. ولكن لسببٍ ما، جذبت انتباهه هيئة ياسر عرفات وملابسه وكوفيته الشهيرة التي لم يألفها من قبل. وجعلته يتساءل، من هذا الرجل غريب الملابس وكيف انتهى به الأمر في البيت الأبيض؟
أراد داريان أن يركز على الجانب الإنساني للصراع، فقرر تصوير جراح المصابين برصاص الجيش الاسرائيلي، ليعرف كيف أصبحت حياتهم بعد الأحداث. يقول داريان إن معظم المصابين من الشباب صغار السن، ووصف إصاباتهم بالمروعة.
بجانب الأطراف المبتورة والعاهات المستديمة، لاحظ داريان من خلال حديثه مع أطباء تابعين للأمم المتحدة ومنظمة "أطباء بلا حدود" ممن يعالجون المصابين في غزة، أن العديد من الإصابات تدل على استخدام ذخيرة متفجرة. وهي نوع من الرصاص يتفتت ويتناثر داخل الأعضاء والأوعية الدموية بعد اختراقها للجلد. إلا أنه أضاف أنه لم يتمكن من الحصول على تصريح رسمي بذلك.
التقطت عدسة داريان الصورة تلو الأخرى، وعند انتهاء رحلته جمعها في ألبومٍ اسماه "أعمق من سطح الجلد". ويعتقد داريان أن الجراح الجسدية البليغة وأثرها على حياة حامليها، ليست أقسى ما سيعانون منه طوال حياتهم. محنتهم الحقيقية أكثر عمقاً وإيلاماً إذ تكمن في جراحهم النفسية والعاطفية. يتساءل داريان، كيف يمكن لشاب في السابعة عشرة من عمره، فقد أحد أطرافه، ألا يشعر بالظلم والحقد تجاه من تسببوا في عاهته؟
لم يزر داريان الجانب الإسرائيلي، لاعتقاده بأن الرواية الاسرائيلية معروفة و متأصلة في الإعلام الغربي، وتحديداً الأسترالي. وعلى النقيض، لا يرى تمثيلاً كافياً للجانب الفلسطيني. ويقول إنه لذلك شعر بأن واجبه الصحفي ألزمه بتصوير الأوضاع في غزة، ليساهم في ترجيح كفة الميزان. ويرى داريان أن عدم التكافؤ بين الرد الاسرائيلي وما يقوم به المتظاهرون الفلسطينيون، يعد سبباً آخراً استدعى تصوير الأحداث في غزة.
أما عن انطباعه عن أهل غزة فيقول داريان أنهم من ألطف من قابل في العالم. أبهرته ضيافتهم وحسن استقبالهم له. يتمنى داريان أن ينقل هذا الانطباع إلى أستراليا، نظراً لما وصفه بتشويه سمعة الفلسطينيين والعرب والمسلمين بشكلٍ عام في الغرب. فبحسب داريان، استهداف منظمة حماس للمدنيين في اسرائيل أساء لقضية الفلسطينيين ورسم صورة غير دقيقة عنهم. كما أكد أن إسرائيل لديها الحق في الدفاع عن نفسها، ولكن قوة الرد غير متناسبة مع حجم الخطر الذي شكلته حجارة المتظاهرين.
في سياقٍ آخر، يرى داريان رابطا قوياً بين القضية الفلسطينية على بعد آلاف الكيلومترات ومعاناة السكان الأصليين هنا في أستراليا. فكونه يتمتع بما أسماه "امتياز العرق الأبيض"، يعني بالنسبة له، أنه يتحمل مسؤولية استغلال هذه الميزة لصالح التغيير. ويقول إن معظم الأستراليين لا يلاحظون هذا الامتياز ويرددون معتقدات يعتبرها خاطئة، من قبيل "لستُ مسؤولاً عما اقترفته الأجيال السابقة من أخطاء". فبحسب داريان: "ربما لم تكن مسؤولاً ولكنك بالتأكيد مستفيد مما اقترفه الأجيال السابقة"، ويرى أن مسؤولية التغيير تقع على عاتق المستفيدين اليوم من أخطاء الأمس. 

GAZA. 3rd March 2020. Mahmoud Salah Shaban goes to the MSF clinic three times a week for treatment. Source: Supplied: Darrian Traynor

GAZA. 3rd March 2020. He and his friends say the depression of life has driven them to this and the small chance to create change is enoughto return once again. Source: Supplied: Darrian Traynor

GAZA. 3rd March 2020. Nasser Kheel has his Ilizarov apparatus and wound cleaned at the MSF Clinic in Gaza Source: Supplied: Darrian Traynor

GAZA. 3rd March 2020. 17-year-old Nasser Kheel was injured on 14th January 2019. Source: Supplied: Darrian Traynor

GAZA. 4th March 2020. Surgeons prepare to operate on Ismail Abu Wared. Patients suffering from osteomyelitis are kept in isolation rooms to treat infection. Source: Supplied: Darrian Traynor

GAZA. 3rd March 2020. Despite everything he has been through so far he has hope that his life is going to be better. Source: Supplied: Darrian Traynor

GAZA. 3rd March 2020. Mohammed Abu Jarad was shot through the leg in December 2017 while protesting the U.S. announcement to move its embassy to Jerusalem. Source: Supplied: Darrian Traynor