في لقاء رسمي طال انتظاره بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الأسترالي أنطوني ألبانيزي، بدا أن السياسة غلبت على الكيمياء الشخصية. فقد حرص ترامب خلال المؤتمر الصحفي الذي استمر لأكثر من نصف ساعة في البيت الأبيض على التأكيد بأن "لدينا أفضل الغواصات في العالم، ونعمل حالياً على بناء المزيد، وقد بدأنا بالفعل بالتعاون مع ألبانيزي، الأمور تسير بسرعة وبشكل جيد للغاية".
هذا التصريح جاء في سياق تأكيده على التزام الولايات المتحدة باتفاقية "أوكوس" النووية، التي تسعى أستراليا من خلالها للحصول على غواصات تعمل بالطاقة النووية بتكلفة تقارب 368 مليار دولار.
لكن، وكما هي الحال غالباً مع ترامب، لم تخلُ الزيارة من الجدل. فحين تم التطرق لتعليقات سابقة للسفير الأسترالي في واشنطن، كيفين راد، قال ترامب: "لا أحبك"، ما استدعى اعتذاراً علنياً من راد، في مشهد عكس الطبيعة المتقلبة لشخصية ترامب وأسلوبه في إدارة العلاقات الدبلوماسية.
من الناحية الاقتصادية، وقع الطرفان اتفاقية بمليارات الدولارات لتزويد الولايات المتحدة بالمعادن الحيوية، في خطوة تُعد جزءاً من مواجهة متزايدة مع الصين، التي تهدد بقطع إمداداتها من المعادن النادرة.
وبموجب الاتفاق، سيتعاون البلدان على تطوير مشاريع تعدين ومعالجة المعادن، وستُقدم الحكومتان ضمانات مالية واستثمارات مباشرة لدعم هذه المشاريع، إلى جانب آليات لمراقبة مبيعات الأصول الحساسة لأسباب تتعلق بالأمن القومي.
ورغم الأجواء الإيجابية، أشار أنور حرب، رئيس تحرير صحيفة "النهار" الصادرة في أستراليا، إلى فجوة واضحة بين الرجلين. وقال في تصريح لأس بس أس عربي:
ليس هناك توافق بين شخصيتي ألبانيزي وترامب.. الرئيس الأمريكي لديه عقلية رجل الأعمال الليبرالي بينما يبقى ألبانيزي ميالاً للسياسات الاشتراكية.
وأضاف حرب: "بشكل عام، يبقى حزب العمال الأسترالي ميالاً لتوثيق أواصر التعاون مع الشرق والصين تحديداً. بالنسبة لاتفاقية أوكوس، ترامب يضع في المقام الأول المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة."
وحول تقييمه للزيارة، قال:
لم أتأمل كثيراً من هذه الزيارة وترامب رجل لا يحب المواقف الرمادية، إن لم تكن معه فأنت ضده، هكذا يفكر.
وبالنظر إلى السياق الدولي، يبدو أن الاتفاقات الموقعة بين البلدين تحمل بعداً استراتيجياً يتجاوز العلاقات الثنائية. فالاتفاق على تأمين المعادن الحيوية وتوسيع التعاون الدفاعي يوجه رسالة مباشرة إلى بكين، مفادها أن المحور الأمريكي-الأسترالي بات أكثر تماسُكاً في مواجهة النفوذ الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وفي الوقت ذاته، فإن امتناع ترامب عن التعهد برفع الرسوم الجمركية على الصادرات الأسترالية، يبرز واقعاً جديداً: المصالح أولاً، حتى مع "أفضل الأصدقاء".