يتعرض الناس منذ القدم لحوادث وتجارب مؤلمة، تشكل بمرارتها جزءاً من تاريخ الإنسان وشخصيته.
وتتفاوت ردود الفعل وتداعيات الصدمات بين شخص وآخر، وما لا يحتمله البعض قد يكسر البعض الآخر.
والشخص نفسه قد يكون قادراً على التعامل مع أزمات كبيرة وتخطي تحديات صعبة حيناً أو التعرض لتجربة مؤلمة عابرة يكون تأثيرها عليه شديداً.
ومهما تباينت جراح الماضي واختلفت ندوبها، الثقة بغد أفضل والأمل هما خير علاج. وفي أستراليا تحديداً، يتوفر الدعم النفسي بأساليب متعددة.
تحدثت المستشارة النفسية هند صعب مع أس بي أس عربي24 عن اضطراب ما بعد الصدمة Posttraumatic stress disorder المعروف اختصارا بـ PTSD وهو يدل على المعاناة النفسية التي يختبرها من مرّ بظروف صعبة للغاية أو حوادث قاسية: "الصدمة النفسية غير محددة وتضم تحت مظلّتها خبرات مختلفة".
"نحن معرضون كل يوم لتجربة مخيفة خارجة عن سيطرتنا يمكن ان تسبب لنا قلقاً وتوتراً".
وأضافت السيدة صعب أن آثار الصدمة قد تأتي نتيجة خبرة شخصية مباشرة أو تنتج عن معاناة أحد الأعزاء من أفراد عائلة ومقربين وأصدقاء: "قد نشاهد أحدهم يتعرض لعذاب أو ظلم ما، أو نتأثر بخبرات أليمة أصابت أفراد العائلة أو أحد الأصدقاء، هذا أيضاً يمكن أن يسبب لنا صدمة".
"من الممكن أن تنتج آثار الصدمة عن الحروب المستمرة التى عانى منها الوطن العربي لأجيال، وقد تكون نتيجة حادث سيارة أو مرض، فالأسباب عديدة ومختلفة".
وأشارت السيدة صعب إلى أن قدرة الاحتمال تختلف من شخص لآخر، كما أنها تختلف مع اختلاف المراحل العمرية والظروف التي يعيشها الشخص نفسه: "ليس بالسهولة تحديد الصدمة وتبعاتها فهي قد تؤثر على أحدهم بطريقة مختلفة عما قد تحدثه في نفس شخص آخر".
"الأمور تختلف ويتباين تأثير الصدمات على الأشخاص ليس بحجم الصدمات ولكن بوقعها على الأنفس، حيث نرى أشخاصاً تعرضوا لأزمات كبيرة ولم يتوقفوا عندها واستمروا في حياتهم إلى أن رزحوا تحت وطأة مشاكل أخرى أنهكتهم رغم صغرها".
والجدير بالذكر أن الاضطراب النفسي هو وضع صحي قد يستدعي العلاج الطبي كما هي الحال بالنسبة للصحة الجسدية والبدنية.
ولا خجل في طلب الدعم والمساعدة وهي متوفرة على عدة أصعدة في أستراليا وقد يكون لا بد منها في مسيرة الشفاء من جراح الماضي.
من جهة أخرى، أشارت السيدة صعب إلى أن الأزمات والخبرات المؤلمة التي يتعرض لها الأطفال قد تكون أكثر حساسية وأشد وقعاً.
النبتة اليافعة أكثر عرضة لآثار الكدمات
واعتبرت السيدة صعب أن لعامل الوقت أهمية خاصة، وقد تستغرق عملية الشفاء فترات زمنية طويلة: "هناك من يعاودون عيش صدمات الماضي، لا بل يتفاعلون وينفعلون مع ذكرياتهم تماماً كما لو كانت في الوقت الحاضر."
"حين يعود البعض بالذاكرة إلى جراح الماضي ويستعيدون التجارب المؤلمة، تكون ردة الفعل الجسدية والنفسية قوية."
"من يعيش خبرات الماضي كل يوم حين تتبادر لذهنه صدمة عاشها منذ 20 أو 30 سنة".
وأوصت السيدة صعب بالمعاملة الحسنة والتصرف برأفة مع النفس والآخرين وشددت على أن المصالحة تبدأ مع الذات داعية إلى الصبر وطول الأناة والتفكير بإيجابية وطلب المساعدة عند الحاجة: "يجب ان نتخلص من وصمة العار، الصحة النفسية مهمة وهي جزء لا يتجزأ من الصحة العامة".
كما نبّهت لضرورة حسن اختيار الكلمات والعبارات في محادثاتنا العرضية واليومية مع الآخرين، فالتعليقات التي لا تُنطق بحكمة قد تحدث مفعولاً سلبياً.
التعليقات الجارحة التي تأتي بغير مكانها تسبب الإحباط
وأشارت السيدة صعب إلى ضرورة مراعاة مشاعر وأحاسيس الناس وظروفهم النفسية بالرغم من ظهور البسمة على الوجه: "من لا يتأثر هم من أصحاب المناعة الزائدة ولكن المحظوظون الذين لا يتأثرون هم قلة".
كلنا معرضون مهما كان شأننا ومهما اختلفت أوضاعنا
وأضافت: "أغلب الناس ينطوون على أنفسهم حين لا يجدون الدعم للتخلص من الألم الذي يرافقهم ليل نهار".
وفي الختام ذكرت السيدة صعب أن المساعدة متاحة ويجب أن نتخلص من ربط الوصمة التقليدية بالحالات النفسية: "يجب أن نعطي أنفسنا الوقت الكافي لنشفى نفسياً ونطلب المساعدة والدعم الذي نحتاجه والعلاج اللازم لنعيش حياتنا بأمان وطمأنينة".
اذا كنتم بحاجة لدعم نفسي، يمكنكم الحصول على المساعدة عبر الاتصال بالرقم 131114
