Analysis

ملايين تُهدَر تحت اسم "الأداء": من يُحاسب الرؤساء التنفيذيين في أستراليا؟

في مشهد يعكس التناقض بين القيم والممارسات، يتقاضى كبار الرؤساء التنفيذيين في أستراليا مكافآت مجزية تحت مسمى "مكافآت الأداء" رغم المؤشرات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية التي لا تسرّ.

رجل أعمال يمرر رزمة من الأوراق النقدية الأسترالية إلى أخرى بخلفية غير واضحة لمبنى المكاتب

وفقًا للبيانات الجديدة الصادرة عن المجلس الأسترالي لمستثمري المعاشات التقاعدية، حصل 91 في المائة من كبار الرؤساء التنفيذيين في أستراليا على شكل من أشكال مكافأة الأداء العام الماضي. Source: Getty / Suriyapong Thongsawang

للاستماع إلى أحدث التقارير الصوتية والبودكاست، اضغطوا على الرابط التالي.

رغم التباطؤ الملحوظ في الإنتاجية في أستراليا، والارتفاع المقلق في انبعاثات الكربون، واتساع الفجوة بين الطبقات، وتراجع الإنفاق الحكومي على البحث والتطوير إلى مراتب متأخرة عالميًا، لا تزال رواتب قادة كبرى الشركات تتضخم.

وتشير بيانات مجلس المستثمرين في صناديق التقاعد الأسترالية إلى أن 91% من كبار التنفيذيين حصلوا على نوع من مكافآت الأداء العام الماضي، ما جعل مداخيلهم النهائية تقفز إلى ما يفوق بكثير رواتبهم الأساسية، والتي تتجاوز أصلاً عتبة المليون دولار سنويًا. فيما خمسة فقط من أصل 142 مديرًا مؤهلًا لم يتلقوا هذه المكافآت.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل حقق 91% من هؤلاء المدراء نجاحات نوعية تُبرر تلك العوائد الخيالية؟ أم أن "التقيُّد" و"الاستقرار المؤسسي" باتا يُكافَآن أكثر من المغامرة والابتكار؟
وفق تقارير، فقد لا يبدو أن هذه المكافآت تُمنَح مقابل مخاطرات استراتيجية أو رهانات مهنية عالية المستوى. بل إن أرباح الشركات في كثير من الأحيان ترتفع، لأن عدد السكان يزداد، والأسعار ترتفع بوتيرة أسرع من تكاليف الإنتاج. وهذا يعني أن الأرباح تنمو تلقائيًا، دون حاجة إلى رؤية أو ابتكار.

الطاقة المتجددة بلا بحث ولا تطوير

ولعل قطاع الكهرباء يُجسد هذا التناقض بوضوح. ففي وقت يُفترض فيه أن يكون هذا القطاع في قلب التحول نحو الطاقة المتجددة، تُظهر بيانات مكتب الإحصاءات الأسترالي أن هذا القطاع لا يخصص سوى 0.24% من مبيعاته للبحث والتطوير؛ أي نصف المعدل العام في الاقتصاد الوطني.

ومع ذلك، لا يبدو أن قادة هذه الشركات يُسائلون على أساس الإبداع أو التجديد. على سبيل المثال، دعا مارك كوليت، المدير التنفيذي لشركة "إنرجي أستراليا" الذي يحصل على راتب أساسي يفوق المليون دولار، نظراءه خلال مؤتمر "أسبوع الطاقة الأسترالي" إلى تكرار سؤال بسيط: "كيف نجعل الطاقة أرخص؟"

لكن الواقع يظهر خلاف ذلك. فقد اضطرت الشركة مؤخرًا إلى الاعتراف بتضليل عملائها حين زعمت أن الكهرباء التي تولّدها باستخدام الفحم والغاز "محايدة كربونيًا"، اعتمادًا على شرائها لتعويضات كربونية. وفي بيان اعتذارها، أقرت الشركة بأن هذه التعويضات "لا تمنع ولا تمحو الأضرار الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري". ورغم هذا التضليل العلني، لا يُعرف بعد ما إذا كانت الشركة ستُكافئ قيادتها بـ “مكافأة أداء".
ماذا عن قطاع التعليم العالي؟

يعتبر رؤساء الجامعات الأسترالية من بين الأعلى أجرًا عالميًا، إذ يتقاضى أكثر من اثني عشر نائبًا لرئيس جامعة رواتب تفوق ما يتقاضاه رئيس جامعة كامبريدج العريقة. لكن هذه الرواتب المرتفعة لا تقابلها قفزات نوعية في الأداء الأكاديمي أو في مستوى رضا الطلاب. بل إن الجامعات الأسترالية تنزلق تدريجيًا في التصنيفات العالمية، في وقت تتضخم فيه رواتب القادة وتتقلص فيه أعداد الأكاديميين بالنسبة للطلبة.

الهوّة تتسع والعدالة تغيب

وفي الوقت الذي تُسكب فيه المكافآت على قادة الشركات والجامعات، يُطلب من الموظفين العاديين أن "يقدموا المزيد بموارد أقل"، بينما تتآكل أجورهم تحت وطأة التضخم. فقد اتسعت الهوة بين أجور المحاضرين ورؤساء الجامعات بشكل حاد، دون أن يقابلها تحسّن في جودة التعليم أو البحث. وفي مقابل ذلك، لم تؤدِّ الرواتب الفلكية ولا المكافآت السخية إلى أي تحسن يُذكر في الإنتاجية الوطنية أو الابتكار أو الأداء الأكاديمي.
البيانات تشير إلى أن رواتب المديرين التنفيذيين اليوم تفوق متوسط رواتب العاملين العاديين بـ 55 ضعفًا، ما يعمّق أزمة التفاوت في الدخل، ويدفع بالمجتمع نحو مزيد من الانقسام الطبقي. ورغم أن قياس أداء الرؤساء التنفيذيين قد يكون أمرًا معقدًا. لكن، الجميع يتسائلون: أليس من الصعب أيضًا قياس رعاية مربية الأطفال، أو تعاطف ممرضة المسنين، أو اجتهاد الموظف في مركز الاتصالات، أو حماسة محاضر جامعي؟

رغم ذلك، لا أحد يُطالب بمنح هؤلاء العاملين بمكافآت ضخمة لتحفيزهم على العمل. في حين تُعدّ مطالبة المدراء التنفيذيين بالتحلي بالإخلاص دون مكافأة ضخمة ضربًا من الكفر الإداري. إنها ليست مسألة رواتب فقط، بل قضية قيم وتوقعات. فنحن نطالب من في القاعدة بالعمل بصمت وإخلاص بينما نُكافئ من في القمة على مجرد أداء واجبهم.

للاستماع إلى أحدث التقارير الصوتية والبودكاست، اضغطوا على الرابط التالي.

أكملوا الحوار على حساباتنا على فيسبوك و انستغرام.

اشتركوا في قناة SBS Arabic على YouTube لتشاهدوا أحدث القصص والأخبار الأسترالية.

شارك

نشر في:

By Richard Denniss
تقديم: Ala'a Al Tamimi
المصدر: The Conversation

تحديثات بالبريد الإلكتروني من أس بي أس عربي

.سجل بريدك الإلكتروني الآن لتصلك الأخبار من أس بي أس عربي باللغة العربية

باشتراكك في هذه الخدمة، أنت توافق على شروط الخدمة وسياسة الخصوصية الخاصة بـ "SBS" بما في ذلك تلقي تحديثات عبر البريد الإلكتروني من SBS

Download our apps
SBS Audio
SBS On Demand

Listen to our podcasts
Independent news and stories connecting you to life in Australia and Arabic-speaking Australians.
Personal journeys of Arab-Australian migrants.
Get the latest with our exclusive in-language podcasts on your favourite podcast apps.

Watch on SBS
Arabic Collection

Arabic Collection

Watch SBS On Demand
ملايين تُهدَر تحت اسم "الأداء": من يُحاسب الرؤساء التنفيذيين في أستراليا؟ | SBS Arabic