بالنسبة للأستراليين، تشكّل ثقافة القهوة مصدر فخر وطني، جُلبت إلى البلاد بعد الحرب العالمية الثانية على يد المهاجرين اليونانيين والإيطاليين، وصيغت بأسلوب أسترالي خاص. وما زالت القهوة بالنسبة لمعظم الأستراليين طقساً صباحياً، حيث يُستهلك 24 في المئة من إجمالي القهوة بين السابعة والثامنة صباحاً.
أما بالنسبة ليوسف عطا الله، فالقهوة كانت دائماً شيئاً أبطأ وأكثر تأملاً، وسيلة لجمع الناس لا لبدء يوم مزدحم.
يقول عطا الله "في لبنان، القهوة هي المركز لكل من يجتمعون. فالكحول أقل شيوعاً من القهوة، وأعتقد أن القهوة أكثر انتشاراً ، في أي لقاء، لا بد أن يكون هناك فنجان أو اثنان من القهوة، وهذا يحدث كثيراً".
وُلد عطا الله في لبنان ووصل إلى أستراليا في الثانية عشرة من عمره، فشبّ بين عالمين مختلفين تماماً في القهوة. ففي الشرق الأوسط، تُعدّ القهوة كثيفة وغير مفلترة، تُغلى ببطء على الموقد وتُقدَّم في فناجين صغيرة. أما في أستراليا، فتسود القهوة المعتمدة على الإسبريسو في الثقافة اليومية.
اختراعه، آلة لامعة ومصقولة تُدعى "زوزو" Zou Zou، تُحضّر القهوة التركية والعربية بضغطة زر واحدة، يمثّل طريقته في الجمع بين طقس العالم الأول وراحة العالم الآخر.

Source: Getty / Alexander Spatari/Getty Images
في حين يُحضّر الإسبريسو بضغط الماء عبر القهوة، فإن القهوة التركية تُصنع بغلي القهوة والماء معاً من درجة حرارة الغرفة.
وعند تحضير القهوة التركية، لا يُزال البن المطحون الناعم او تصفية القهوة، وهي سمة من مميزة للتقاليد وأحد أكبر التحديات الهندسية التي واجهها عطا الله أثناء تكييف طرق التحضير التقليدية لآلة حديثة.
وقد استغرق الأمر منه سنوات من التجربة والخطأ لإيجاد طريقة لضخّ القهوة الساخنة غير المفلترة دون انسداد النظام.
ويستعيد عطا الله تلك التجربة قائلاً "استغرق الأمر ست أو سبع سنوات" ، مشيرا الى ان "معظم المضخات لا يمكنها التعامل مع الجزيئات الصغيرة الموجودة فيها، كان بإمكاننا الانتقال إلى القهوة المفلترة وإزالة البُن، لكن عندها لن تكون تلك قهوة تركية".

ويقول عطا الله "بعض الناس يغلونها ويقلبونها أكثر من مرة لأنهم يعتقدون أن ذلك يُخرج نكهة القهوة أكثر في الماء، البعض يفضل الكريما أو ما يمسى الوجه والبعض لا ، لذا كان علينا أن نرضي الطرفين".
تتيح آلة "زوزو" Zou Zou الخيارين معاً إعداد غليٍ واحد لطيف، أو تكرار العملية للحصول على نكهة أعمق وأكثر كثافة.
قدرة عطا الله على ترجمة عادات تمتد لقرون إلى آلة حديثة تعود جزئياً إلى خلفيته في علوم الأغذية والكيمياء العضوية، فبعد دراسته في جامعة نيو ساوث ويلز، أمضى سنوات يجرب النكهات، بدءاً بالشوكولاتة قبل أن ينتقل إلى القهوة.
يقول "عندما يتعلق الأمر بأي طعام، فالأمر كله كيمياء، بدأتُ بالشوكولاتة لأننا كنا نحصل على شوكولاتة عادية جداً في ذلك الوقت، وكنت أعلم أن هناك ما هو أفضل".
بدأ عطا الله لاحقاً بتقديم دروس في صناعة الشوكولاتة والعطور قبل أن يوجّه اهتمامه نحو القهوة.
ويضيف"عندما أصبح لدي الوقت الكافي، أدركت أنه لا توجد آلات قهوة تركية تجارية للمطاعم أو المقاهي، لذا بدأتُ العمل على ذلك، وبعد سبع سنوات أصبح لدينا المنتج".
لا ينبغي أن تشرب القهوة وحيداً، ولا أن تكتفي بفنجانٍ واحد فقطجوزيف عطا الله
تقدّم "زوزو" للجاليات المهاجرة وسيلةً للاتصال بالوطن، وفي الوقت نفسه تعرّف جمهوراً أوسع على غنى هذا التقليد، أما الاسم نفسه فهو إشارة إلى جذوره.
ويقول يوسف عطا الله "في لبنان كل يوف وهم كثيرون ، يُلقب بزوزو. في كل عائلة هناك ابن أو أخ أو عم اسمه زوزو دائما".
ويأمل عطا الله أن يرى آلة "زوزو" على طاولات المقاهي ومطابخ المنازل في كل أنحاء البلاد، في أي مكان يجتمع فيه الناس لتبادل القصص على فنجان قهوة.
شارك


