مع استمرار الحرب في غزة وازدياد أعداد الضحايا المدنيين، تتسارع وتيرة التحولات في المواقف السياسية الدولية، ويبرز ملف الاعتراف بدولة فلسطين إلى الواجهة مجددًا.
خلال الشهور الأخيرة، أعلنت عدة دول أوروبية — منها فرنسا، إسبانيا، إيرلندا، النرويج، وكندا — عن نيتها الاعتراف رسميًا بدولة فلسطين، أو شرعت بالفعل في اتخاذ خطوات دبلوماسية نحو ذلك. ما كان في السابق يُعتبر "خطًا أحمر" أصبح اليوم ردًّا مباشرًا على تصاعد الانتهاكات بحق المدنيين الفلسطينيين، وخاصة في قطاع غزة.
هذا التحول قوبل برفض صريح من إسرائيل، التي وصفت الاعتراف بدولة فلسطين في هذا التوقيت بأنه "مكافأة للإرهاب". وفي الوقت ذاته، استخدمت الولايات المتحدة، في موقف يعكس ازدواجية واضحة حسب بعض المراقبين، حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن في أبريل الماضي لتعطيل مشروع قرار يمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
مع ذلك، أقر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بوجود "مجاعة حقيقية" في غزة، في تناقض صارخ مع تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي ينكر الأزمة الإنسانية رغم المشاهد المؤلمة للأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد.
في أستراليا، عبرت حكومة أنطوني ألبانيزي عن نيتها الاعتراف بفلسطين، لكن هذا الاعتراف ما زال مشروطًا بسلسلة متطلبات، أبرزها نزع سلاح حماس وإجراء انتخابات فلسطينية، ما دفع بعض المراقبين لوصف موقف الحكومة بأنه متردّد ولا يرتقي إلى حجم الكارثة الإنسانية.
على الأرض، يزداد التعبير الشعبي الأسترالي عن الغضب. ففي سيدني، شهدنا مسيرة حاشدة رفع فيها المتظاهرون شعارات تطالب بالاعتراف الفوري بدولة فلسطين، ووقف جميع أشكال الدعم العسكري لإسرائيل، وفتح المعابر لإدخال الغذاء والدواء إلى غزة.
وسط هذا المشهد المعقد — بين الضغوط الدولية، والمواقف السياسية، والكوارث الإنسانية المتفاقمة — تبرز تساؤلات جوهرية:
- ماذا يعني اعتراف أستراليا بدولة فلسطين عمليًا؟
- هل هو مجرد خطوة رمزية، أم نقطة تحوّل في مسار النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي؟
- وماذا تقول البعثة الفلسطينية في أستراليا حول هذه التطورات؟
للإجابة على هذه الأسئلة، التقت SBS Arabic بالسيدة نورا صالح، المستشار الأول والقائمة بالأعمال في السفارة الفلسطينية في أستراليا.
أكدت نورا صالح على أهمية هذه المواقف الدولية التي تشكل "زخمًا دوليًا متزايدًا"، مشبهةً إياها بـ"كرة ثلج" قد تساعد في إنقاذ حل الدولتين. وأضافت:
"نحن أمام لحظة حاسمة، وإذا لم يتم التدخل السياسي والسلمي الآن، فسنشهد كارثة تشمل كامل الشرق الأوسط."وأشارت إلى أن إسرائيل تواجه عزلة دولية متزايدة بسبب سياساتها التي تسببت في قتل وتجويع المدنيين. وعن تصريحات بعض الوزراء الأستراليين بأن "الاعتراف مسألة وقت فقط"، قالت نورا:
الحكومة والشعب الأستراليان يدعمان حق الفلسطينيين في دولتهم، ويؤمنون بحل الدولتين للعيش جنبًا إلى جنب في سلام. الشعب الأسترالي بكل مكوناته خرج مطالبًا بوقف الحرب وتحقيق العدالة وحق تقرير المصير.
أما بالنسبة للشروط التي تضعها الحكومة الأسترالية، مثل نزع سلاح حماس، أوضحت نورا:
نحن نتجاوب مع مطالب المجتمع الدولي كي نحمى المواطنين الفلسطينيين الأعزل من المخاطر. الحكومة الفلسطينية مستعدة للدخول إلى غزة وإدارة الوضع، وهي لم تترك القطاع بل تواصل التفاوض.
كما ذكرت أن اتصالًا ناجحًا جرى بين رئيس الوزراء ألبانيزي والرئيس الفلسطيني محمود عباس تناول فرص إحلال السلام وتجديد حل الدولتين، ما يدل على مشاركة أستراليا في الضغط الدولي على إسرائيل.
ورداً على رد الفعل الإسرائيلي الغاضب من اعتراف بعض الدول الأوروبية، قالت:
التعنت الإسرائيلي يدفع المجتمع الدولي للمطالبة بحل سلمي. قد يثني هذا التصعيد دولًا أخرى عن التحرك، لكنه في الوقت نفسه دعوة للضرورة.
وعن موقف الولايات المتحدة، رغم تعاطف بعض الأصوات فيها، لا تزال تستخدم حق الفيتو ضد تقدم فلسطين في الأمم المتحدة. وأوضحت نورا أن اعتراف فرنسا ودول أخرى سيزيد الضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل للإذعان.
بالنسبة للوضع الإنساني في غزة، أكدت:
ما يراه الناس على التلفاز حقيقي؛ سكان غزة ليسوا جوعى بل مجوعون فعلاً. لا تبرير يمكن أن يصمد أمام صور الأطفال والمسنين الذين يعانون من الحرمان الشديد.
وأشارت إلى أن أستراليا تعهدت بدعم مالي قدره 20 مليون دولار لفلسطين، لكنها شددت على أن هذا الدعم يجب أن يقترن بدعم سياسي وإلا فسيكون بلا جدوى.
أما عن حماس، فقالت:
مع الضغوط الدولية، ستنسحب حماس. الحكومة الفلسطينية جاهزة لتولي المسؤولية في غزة، وهي لم تترك القطاع، بل تفاوضت وتتفاوض.
هل أعجبكم المقال؟ استمعوا لبرنامج "Good Morning Australia" من الاثنين إلى الجمعة من الساعة السادسة إلى التاسعة صباحا بتوقيت الساحل الشرقي لأستراليا عبر الراديو الرقمي وتطبيق SBS Audio المتاح مجاناً على أبل و أندرويد وعلى SBS On Demand.