ظن 73 شخصاً ممن تقطعت بهم السبل في لبنان، أن حلم الوصول إلى أوروبا وتحديداً إلى قبرص القريبة من السواحل اللبنانية، أمر ممكن لعلهم يعثرون هناك على عمل يجنبهم مآسي الضغوط المعيشية التي لم يعد يقوَ اللبنانيون والسوريون المقيمون في لبنان على تحملها.
شادي رمضان (سوري الجنسية) هو واحد من هؤلاء الذين استقلوا "قارب الموت" أملاً في تأمين قوت عائلته الصغيرة المكونة من زوجته سعاد (لبنانية الجنسية) وطفلتين. وفي حديث لأس بي أس عربي24 قالت سعاد إن تردي الأوضاع الاقتصادية هو ما دفع زوجها لركوب المجهول: "صرلنا 9 شهور مكسور علينا اجار البيت، شادي معه سكري وعنده طفلين صغار. كل ما يشتغل شغلة اكتر اجر طلعه 20 الف ليرة باليوم. بهالأوضاع (الزفت) أرخص كيس حفاضات ب 33 ألف ليرة."
انهيار الليرة اللبنانية وانخفاض سعر صرفها أمام الدولار، يعني أن شادي لم يكن يحصّل أكثر من 3 دولارات أسترالية يومياً. وشرحت سعاد أن فكرة اللجوء إلى قبرص راقت لشادي عندما سمع من أصدقائه أن من يعملون هناك في قطاف الثمار يتقاضون 40 يورو يومياً.
مهربو البشر الذين اعتادوا المتاجرة بأحلام البسطاء وبيعهم الأوهام بأثمان باهظة لتأمين حيز صغير على متن قارب متهالك، لم يرحموا شادي الذي اضطر لبيع كل ما يملك: "قلي لو بعنا أثاث البيت، وانتقلتي للعيش مع أهلك مع الأطفال لحد ما اروح ونزبط وضعنا لانه صاحب البيت رافع علينا دعوة."

خلدون محمد يعرض صوره لابنه الذي فُقد أيضاً على متن القارب المتوجه إلى قبرص Source: AP
الاتصال الأخير
روت سعاد أن المرة الأخيرة التي تحدثت فيها مع زوجها المفقود كانت في تمام الثانية عشرة وعشر دقائق بعد منتصف ليل الاثنين الماضي. وكانت ابنته في ذلك الوقت مريضة لذا ظل الأب قلقاً على عائلته حتى اللحظات الأخيرة.
سألناها: عندك أمل يرجع شادي؟ فأجابت: "شادي وقت اللي نط من القارب كانت حرارته 40 وهابط معه السكري، صار يترجى حدا معه تمرة او حبة حلوى."
وأضاف: "الثلاثاء الصبح كان المفروض يوصلوا، حكينا مع اللي طلعهم قال وصلوا وكل اشي تمام". ولكن بمرور الساعات بدأ القلق يعتري سعاد التي رافق زوجها في الرحلة المشؤومة آخرين من عائلته من بينهم ابني عمتها وأطفالهما.
وبعد ذلك، عثرت قوة من اليونيفيل على القارب وكان على متنه 36 شخصاً وآخر متوف في المياه الدولية قبالة الشواطئ اللبنانية. وتوزّع الركاب بين 25 سورياً وثمانية لبنانيين وثلاثة من جنسيات أخرى بحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

ابراهيم لاشين (22 عاماً) هو أحد الناجين من رحلة القارب Source: AP
وعندا علمت سعاد بالكارثة، تكشفت المزيد من التفاصيل المروعة التي عاشها ركاب القارب: "انقطعوا من المازوت والمهربين تركوا الماء والطعام في قارب آخر. طلعوا مافية كبيرة."
واقع معيشي صعب
ووجهت سعاد اللوم للسلطة السياسية التي وصفتها بالـ "فاسدة" لأن الناس على وصفها باتت "تموت من الجوع" وخير دليل على ذلك هؤلاء الذين ألقوا بأنفسهم إلى التهلكة لتأمين قوت عائلاتهم. واستطردت سعاد قائلة: "هناك أطفال تموت على أبواب المستشفيات. ابن خالي مات على باب مستشفى طرابلس الحكومي."
واضطرت سعاد للانتقال إلى منزل عائلتها ولا تزال تنتظر حتى لحظات كتابة هذه السطور خبر عن زوجها الذي لم تظهر جثته بعد.
استمعوا إلى المقابلة مع سعاد محمد - زوجة شادي رمضان - في الملف الصوتي المرفق بالصورة أعلاه.





