اللافت في هذه النتائج ليس فقط النسبة المرتفعة، بل التناقض الواضح الذي يطرحه التقرير؛ فبينما يشير إلى انخفاضٍ في عدد الأشخاص الذين يمارسون المقامرة بشكل عام، فإن نسبة الذين يغامرون بصحتهم المالية والنفسية قد تضاعفت. ما الذي يدفع قلةً من الناس للمخاطرة أكثر، في وقت يتراجع فيه الإقبال الكلي على المقامرة؟
توضح الدكتورة آينو سومي، الباحثة الرئيسية في الدراسة، أن التحول الكبير نحو المقامرة الإلكترونية هو العامل الأبرز وراء هذه الظاهرة. فاليوم، تتم أكثر من نصف أنشطة المقامرة في البلاد عبر الإنترنت، وغالبًا من داخل المنازل، بعيدًا عن الأعين والرقابة الاجتماعية.
في هذا السياق، يروي ليث (اسم مستعار)، وهو أحد أفراد الجالية العربية في أستراليا، قصته مع المقامرة، حيث كان يمتلك محل سوبرماركت ولكن سرعان ما بدأ ينزلق نحو المقامرة وبات مدمناً عليها.
لم ينتبه إلى التحول التدريجي في سلوكه، وأصبحت المراهنة اليومية وسيلته للهروب من ضغوط الحياة، إلى أن خسر عائلته وبات مشرداً لا يمتلك شيئاً.
وقال الدكتور حشمت شهيد، الخبير في علاج إدمان المقامرة، في حديث لأس بي لأس عربي أن تجربة ليث ليست استثنائية، بل تعكس نمطًا شائعًا بين الكثيرين ممن يلجؤون للمقامرة: "قد يبدأ الأمر رغبة في التسلية وقضاء الوقت ولكن سرعان ما يجد الشخص نفسه عالقاً في دوامة لا يستطيع الخروج منها. الجيد في قصة ليث أنه مدرك بأنه يعاني من مشكلة ويطلب المساعدة وهذه أول خطوة على طريق الحل. يجب أن تتوفر لدى المدمن على المقامرة الرغبة الجدية بالتغيير."
ويشير الدكتور حشمت إلى أن الفئات العمرية الأصغر، خصوصًا من هم في العشرينات والثلاثينات، هم الأكثر عرضة للمقامرة الإلكترونية، نظرًا لسهولة الوصول إلى التطبيقات والمنصات الرقمية، إضافة إلى هشاشة البنية النفسية في هذه المراحل العمرية، حيث تكون الضغوط النفسية والمجتمعية في ذروتها.
أما عن العلامات التي تنذر بأن الشخص دخل "منطقة الخطر"، فهي غالبًا ما تبدأ بشكل خفي، مثل تكرار المحاولات لتعويض الخسائر، إخفاء سلوك المقامرة عن الأهل أو الأصدقاء، وتزايد الاعتماد على المال المقترض أو بطاقات الائتمان للتمويل. في هذه المرحلة، كما يقول الدكتور حشمت، يكون التدخل العلاجي أمرًا بالغ الأهمية.
وحول سبل العلاج، يشير إلى أن أفضل النتائج تتحقق عندما يجمع التدخل بين الدعم النفسي السلوكي والعلاج الجماعي، إلى جانب استراتيجيات لإدارة الضغوط والتعامل مع المحفزات.
ويضيف: "رغم أن الأساليب الأساسية للعلاج لا تختلف كثيرًا بين المقامرة الإلكترونية والتقليدية، إلا أن خصوصية البيئة الرقمية تتطلب أدوات إضافية، مثل الحد من الوصول إلى المنصات الإلكترونية أو استخدام تطبيقات الرقابة الذاتية."
هل أعجبكم المقال؟ استمعوا لبرنامج "Good Morning Australia" من الاثنين إلى الجمعة من الساعة السادسة إلى التاسعة صباحا بتوقيت الساحل الشرقي لأستراليا عبر الراديو الرقمي وتطبيق SBS Audio المتاح مجاناً على أبل و أندرويد وعلى SBS On Demand.