تلك الدعوة البسيطة التي بدأت منذ تسع سنوات كنذرٍ صغير من الطفل، ابن التسعة أعوام، تحولت اليوم إلى تقليد روحي جامع، حيث يتحول يوم عيد القديسة ريتا إلى مهرجان إيمان يضم عائلات من خلفيات ثقافية ودينية متعددة، تجتمع تحت خيمة واحدة متحدّية المطر والبرد، حاملة صلواتها وأمنياتها، وسط أجواء يغمرها الصفاء والسلام.
من نذر بسيط إلى رسالة جامعة
ريتشارد وجوانا عنداري، مؤسسا هذا الحدث الروحي، تحدثا عن بدايات المبادرة التي انطلقت من إيمان عميق بشفاعة القديسة ريتا، قائلَين: "بدأنا هذه المسيرة في بريما بعد أن لاحظنا غياب مزار مخصص للقديسة ريتا في سيدني. أردنا أن نخلق مساحة إيمانية متواضعة، لا لجمع التبرعات ولا للمظاهر، بل فقط لنصلي معاً كعائلة واحدة."
وأكدت جوانا أن الهدف الأساسي كان دائمًا أن يشعر الناس بالانتماء إلى مجتمع إيماني متكامل، مضيفةً: "العائلة هي الأساس، وكلما صلت العائلة معاً، كلما بقيت متماسكة."

حضور لافت ومشاركة من الجاليات
الحدث استقطب هذا العام آلاف المشاركين، بعضهم قدم من مناطق بعيدة رغم سوء الأحوال الجوية. حضور لافت للمغتربين اللبنانيين، إلى جانب مشاركين من جنسيات متعددة، ما أعطى الاحتفال طابعاً عالمياً ومميزاً.
السفير اللبناني في كانبرا، ميلاد رعد، الذي حضر برفقة عائلته، قال في تصريح خاص: "هذا الحدث يجمع بين الروحانية والعائلة والوطن. نأتي ليس فقط لأننا نؤمن بشفاعة القديسة ريتا، بل لأننا نرى فيها رمزاً للأمل والمصالحة."

القديسة ريتا... مدرسة الرجاء للنساء والعائلات
القديسة ريتا، التي وُلدت في إيطاليا وأصبحت رمزاً للصبر والإيمان، تُعتبر اليوم ملاذاً للنساء والعائلات التي تمر بتجارب مؤلمة. جوانا عنداري أوضحت أن ما يميز هذه القديسة هو "قدرتها على لمس قلوب النساء والرجال على حد سواء، لأنها عاشت الألم وفهمت وجعه، وهذا ما يجعل الناس يتعلقون بها."
الفن في خدمة الإيمان
من أبرز محطات الاحتفال هذا العام، كانت لوحة فنية أيقونية رسمتها دانييلا، شقيقة جوانا، والتي حملت صورة القديسة ريتا بتفاصيل مفعمة بالحياة والرهبة. اللوحة وُضعت في المزار كتعبير عن الامتنان للقديسة، وعلّقت دانييلا بالقول: "كل تفصيل في وجه القديسة ريتا هو صلاة، هو شكر، وهو إيمان."

مزار باريما... نقطة وصل روحية بين السماء والأرض
يمرّ الحجاج قبل وصولهم إلى مزار القديسة ريتا في بريما بعدد من الكنائس الصغيرة التي تمثل مختلف دول العالم، ما يضيف بعدًا عالمياً على هذا التجمع الماروني المهيب. ورغم بساطة التنظيم، يصف الزوار التجربة بأنها حجٌ حقيقيّ يلامس أرواحهم ويجدد إيمانهم.
السيد رولاند، أحد الزائرين الدائمين، قال: "جبل باريما لم يعد مجرد موقع جغرافي، بل صار جبلًا للصلاة والإيمان والانتماء. كل عام أرى المعجزة تتكرر، ومع كل صلاة أشعر أن القديسة ريتا ما تزال تصنع الفرق."

رسالة إلى لبنان وأستراليا والعالم
في ختام اللقاء، عبّر القنصل العام اللبناني في سيدني، شربل معكرون، عن أمنيته بأن يعم السلام في لبنان وأستراليا، قائلاً: "نصلي اليوم لأن ينعم وطننا بالاستقرار والازدهار، وأن تبقى هذه التجمعات شاهدة على أن الإيمان يوحّد الشعوب مهما اختلفت خلفياتهم."
