في ظل أزمة الوباء والحروب واللجوء والنزوح حول العالم، قد يشعر البعض بالإحباط من عدم القدرة على تحقيق أهدافهم والصعوبة في تخيل المستقبل وما يحمله من مفاجآت. لذلك نحن في أمس الحاجة لسماع قصص ملهمة من أستراليا وحول العالم أيضا، لتدفعنا قدما نحو تحقيق أحلامنا وطموحاتنا.
التقت أس بي أس عربي24 مع السيد مصطفى سلامة وهو أول عربي يكمل تحدي "إكسبلوريرز غراند سلام" الذي يتضمن تسلق قمم العالم السبع، بما فيها جبل إيفرست، والوصول إلى القطبين الشمالي والجنوبي، لتصبح حياته الاستثنائية موضوع كتاب عالمي، ومن ثم فيلما على منصة Netflix الشهيرة قريبا.
قال سلامة: "لقد زرت كل القارات ما عدا قارة أستراليا. وأتمنى زيارتها قريبا واكتشاف الطبيعة فيها والتحدث في ندوات عدة عن مغامراتي وكتبي بما فيها أحلام لاجئ، رحلة الصعود والارتقاء، ايفيرست تحقيق الحلم للأطفال وكتابي الأخير المتوقع صدوره في بداية العام المقبل عن كليمنجارو قصص للأطفال أيضا".
"في عام 1993 عندما كنت أحاول تعلم الإنجليزية، كنت أتابع المسلسلات الأسترالية الشهيرة، Home away وNeighbours وأرى أستراليا عبرهما. وأنوي تسلق جبل كوسيوسكو في نيو ساوث ويلز".
وكانت أقرب محطة أو مغامرة له من أستراليا في 16 نوفمبر/تشرين الثاني في عام 2012، عندما تسلق أعلى نقطة في منطقة المحيط الهادئ، بالقرب من بابوا نيو جيني، وهي هرم كارستينز.

مصطفى سلامة في سن الطفولة مع والديه. Source: Mostafa Salameh
من هو مصطفى سلامة؟
ولد سلامة لوالدين فلسطينيين في الكويت، وتربى مع أخوته التسعة في مخيم الوحدات للاجئين في الأردن والتحق بالمدارس الحكومية هناك والمعروفة بمدارس الوكالة. بعد ساعات الدوام المدرسية كان يأخذ صينية حلاوة تعدها أمه في المنزل ويبيعها ليساعد في إعالة الأسرة.
بعد تخرجه من الثانوية العامة كان يحلم بأن يتابع دراسته الجامعية، ولكن الظروف المعيشية المتعثرة أجبرته على العمل بدلا عن ذلك نادلا في مطعم في العاصمة عمان، واستمر على هذه الحال لثلاث سنوات.
شكّل عام 1992 نقطة التحول في حياته، إذ التقى سلامة شقيق السفير الأردني في إنجلترا آنذاك، في المطعم الذي كان يعمل به، ليعرض عليه الأخير وظيفة في مطبخ السفير في لندن.
وهكذا حلق سلامة الشاب إلى المملكة المتحدة على أمل أن يؤمن المزيد من المال لعائلته الفقيرة ويضمن لإخوته متابعة تعليمهم.

ختم مغامرته هذه برحلة على الأقدام إلى القطبين الشمالي والجنوبي، والتي يصفها بأنها كانت من أصعب التجارب في حياته، حتى أنها تخطت في صعوبتها تسلق جبل إيفرست. Source: Mostafa Salameh Facebook
الحلم الأول 1998
عمل سلامة لمدة عام كامل مع السفير الأردني في لندن، ومن ثم انتقل للعمل في مطاعم أخرى في غسل الأطباق والتنظيف والضيافة لبضع سنوات.
"كنت أرسل 50% من دخلي إلى عائلتي في عمان، وأعيش بـ25% منه، وأدخر المتبقي منه لاستكمال دراستي الجامعية".
وبدأ يحلم بأن يصبح مديرا عاما لفندق خمس نجوم. فاتخذ أول خطوة لتحقيق هذا الحلم بسفره إلى اسكتلندا حيث انكب على دراسة إدارة الفنادق في جامعة كوين مارغريت، ليصبح بعد ذلك مدير الأغذية والمشروبات في فندق من فئة خمس نجوم هناك.
"كنت أتوقع وصولي إلى الإدارة العامة بعد عامين أو ثلاثة، ولكن في 2004 انقلبت حياتي تماما".
الحلم الثاني 2004
في ليلة من ليالي شهر نيسان/ابريل عام 2004، وكان سلامة يبلغ من العمر 34 عاما، راوده حلم وهو نائم فقلب حياته رأسا على عقب.
"استيقظت الساعة الثانية بعد منتصف الليل وأنا أتصبب عرقا من حلمي وأنا أرى نفسي أقف على أعلى قمة جبل في العالم وأنا أؤذن وأصلي. لم يكن ذلك مجرد حلما عابرا بل رؤية واضحة المعالم".
"سارعت إللا الكومبيوتر لأبحث عن أعلى قمة جبل في العالم، لأنني لم أكن أعرف ما هي. وجدت أنها قمة إيفرست وكنت أعتقد أنها تقع في أمريكا".
وأضاف سلامة أنه لم يكن وقتها قد قام بتسلق أي جبل ولم يكن قد نام في خيمة طيلة حياته. فهو كان بعيدا كل البعد عن أسلوب الحياة الصحية، ولم يكن حتى يتمتع بلياقة بدنية، وكان يدخن علبتين من السجائر يوميا.
وفي ذات العام وبعد شهر من الحلم "الرؤيا" اتخذ القرار الكبير بأن يغير أسلوب حياته ويصبح شخصا جديدا.

مصطفى سلامة هو أول أردني من أصول فلسطينية يكمل تحدي "إكسبلوريرز غراند سلام" والذي يتضمن تسلق قمم العالم السبع، بما فيها جبل إيفرست Source: Mostafa Salameh Facebook
تحقيق المستحيل 2016
شهد عام 2016 نقلة نوعية غير متوقعة في حياة مصطفى سلامة.
"أصبحت واحدا من 13 شخصا آنذاك في العالم الذين تسلقوا أعلى قمم جبال العالم ومشوا القطب الجنوبي والشمالي. وصرت أول عربي مسلم ينضم إلى 16 شخصا فقط حول العالم الذين أتموا هذه المهمة".
وكان سلامة قد واجه العديد من التحديات في إيجاد تمويل لمغامرت تسلقه هذه الجبال.
"كان أبي أول من دعمني نفسيا. ولكن واجهت الكثير من الانتقادات من الأشخاص الذين اعتقدوا أن ما أخطط بالقيام به في البداية يعتبر جنونا".
ولكن، بعد جهد طويل استطاع سلامة أن يؤمن دعماً استثنائيا، إذ بعد نشر مقالة في صحيفة أدنبرة عن رحلة بحثه عن ممول في بلاده، تلقى سلامة دعوة إلى الأردن للقاء ممثلي الملك عبد الله الثاني بن الحسين من أجل مشروعه.
"الملك عبدالله دعمني وآمن بي وكان يرغب أن يرى اسما عربيا يشارك في بطولات إكسبلوريرز غراند سلام".
ويُوضح سلامة أنه تمكن من الحصول على ميزانية كبيرة تتراوح بين 200 و250 ألف دولار أمريكي، تسمح له بالتدرب في النيبال، والتبت، وأمريكا الشمالية، لتسلق دينالي وإيفرست.
بعد ثلاث سنوات من التدريبات الشاقة، نجح سلامة بعد محاولتين فاشلتين بتسلق إيفرست في رحلة صعبة دامت 72 يوما، ليصبح في العام 2008، أول أردني يصل إلى القمة الأعلى في العالم، تصادفاً مع يوم استقلال الأردن في 25 مايو/أيار.

التقت أس بي أس عربي24 مع السيد مصطفى سلامة وهو أول عربي يكمل تحدي "إكسبلوريرز غراند سلام" الذي يتضمن تسلق قمم العالم السبع Source: Mostafa Salameh Facebook
بين محاولاته الثلاث لتسلق إيفرست، استطاع سلامة أيضاً أن يصل إلى قمم العالم الأخرى، منها جبل البروس الروسي، وجبل كيليمنجارو في تنزانيا، وجبل أكونكاغوا في الأرجنتين، وهرم كارستنز في اندونيسيا.
ثم ختم مغامراته هذه برحلة مشيا على الأقدام إلى القطبين الشمالي والجنوبي، والتي يصفها بأنها كانت من أصعب التجارب في حياته، حتى أنها تخطت في صعوبتها تسلق جبل إيفرست.
وقد حقق سلامة حلمه في الوصول إلى القطب الشمالي في أبريل/نيسان من العام 2014، ومن ثم إلى القطب الجنوبي في يناير/كانون الثاني من العام 2016.

متسلق الجبال مصطفى سلامة Source: Mostafa Salameh Facebook
"لا أطمح للمجد والشهرة"
شبه سلامة هدف وحلم تسلقه الجبال بأهداف وأحلام الآخرين التي يحلمون بالوصول إليها واعتلائها في أي مجال كانت.
"إذا كان الهدف من تحقيق هذا الحلم هو شخصي لمجد أو شهرة، سينتهي الأمر عند ذلك. لكن عندما يكون الشخص يحمل رسالة إنسانية وهدفا نبيلا ستبقى انجازاته خالدة فوق القمة وان غاب بالجسد عنها".
ويضيف أن هدف أحلامه الأولى كان دائما دعم أفراد أسرته ماديا. أما حلم تسلق جبل إيفيريست بالتحديد فكان من أجل أن يصلي ويؤذن على هذه القمة. وهذا بالفعل ما قام به عندما بلغ قمة إيفريست لأول مرة. وهي لحظة لن ينساها كل حياته.
"مع الوقت ازدادت القيمة الانسانية وراء تسلقي أعلى جبال العالم. فأصبحت أتسلق من أجل دعم مرضى وأبحاث السرطان ومن أجل دعم القضية الفلسطينية وهي المحورية في حياتي الآن".
"أشعر بفخر كبير أني استطعت أن أجمع أكثر من خمسة ملاين وثمانمائة ألف دولار لمركز الحسين لمرضى السرطان، وللأونروا، ولجمعية المكفوفين وغيرهم من المنظمات الغير ربحية والغير حكومية حول العالم".
ويضيف سلامة أيضا أن أكبر إنجازاته تتضمن اصطحاب رجل مقعد وآخر ضرير في مغامرة تسلق قمة جبل كليمنجارو.