نالت الصيدلانية سارة مردوك جائزة "صيدلانية العام في أستراليا"، بعد أشهر من تتويجها بلقب "صيدلانية العام في ولاية فيكتوريا"، تقديراً لجهودها في تعزيز الرعاية الصحية المجتمعية، ومبادراتها التي لامست الفئات الضعيفة وكبار السن والاطفال.
في هذا اللقاء الخاص مع "أس بي أس عربي"، فتحت الهاشمي دفاتر رحلتها الشخصية والمهنية، واستعادت لحظات التهجير الأولى، وتحدثت عن التكريم، والتحديات، والمبادرات التي خاضتها، والرسالة التي حملتها في قلبها مذ كانت طفلة لاجئة تحمل في حقيبتها الصغيرة، احلاما كبيرة ، تاركة وراءها دخان الحروب.
واستهلت سارة مردوك حديثها بالإشارة إلى لحظة التكريم بجائزة "الصيدلانية المجتمعية المتميزة لعام 2025 في أستراليا"، ضمن حفل The Patients Australia Awards Gala، وهي من أبرز الجوائز التي تُمنح سنويًا لتكريم جهود الصيادلة في خدمة المجتمع، مؤكدة أن الجائزة تمثّل مصدر فخر وامتنان، لكنها رأت أن النجاح الحقيقي يكمن في "أثر ما نقدّمه في حياة الناس وما نحدثه من فرق في حياة انسان".
واضافت " اعتز بالشهادتين، والاثنتان ، صيدلانية العام في ولاية فيكتوريا وصيدلانية العام في استراليا هما مصدر فخر بالنسبة لي " .
وقالت: "هذه الجائزة لكل صيدلاني وصيدلانية يعملون من أجل خدمة المجتمع. أقدّمها لوالديّ اللذين ضحّيا بكل شيء ليصنعوا لنا مستقبلاً آمناً، ولأولادي الذين رافقوني في العمل وحتى المؤتمرات وكانوا جزءاً من رحلتي".

سارة مردوك تحمل شهادة التميز في الصيدلة المجتمعية في استراليا
وتُمنح هذه الجائزة سنويا لأخصائيي الرعاية الأولية الذين يُحدثون فرقًا ملموسا في حياة المرضى، من خلال التزامهم بالرعاية المجتمعية الشاملة والنهج المرتكز على المريض.
وقد أُقيم الحفل في مدينة ملبورن بحضور نخبة من قادة القطاع الصحي، لتكريم المبادرات والأفراد الذين يقودون التغيير نحو نظام صحي أكثر عدالة وفاعلية في أستراليا.
وكانت سارة مردوك قد نالت سابقاً تكريم "صيدلانية العام في ولاية فيكتوريا" من جمعية الصيدلة الأسترالية (PSA)، تقديراً لدورها الريادي في تطوير خدمات الصيدلة المجتمعية.

أمام لوحة التاريخ وتحت أضواء التقدير.. سارة مردوك تُكرّم كأبرز صيدلانية مجتمعية في فيكتوريا
سارة مردوك : صورة الهروب عبر الحدود من العراق وانا طفلة لا تفارقني وهي الدافع الأساس وراء نجاحي
وعند سؤالها عن اللحظة التي استحضرت فيها طفولتها أثناء الصعود إلى المنصة، استذكرت سارة تلك الرحلة الأولى، قائلة: "تذكّرت صورة الطفلة التي تم تهريبها عبر الحدود وكيف تركنا كل شيء بالعراق ، هذه الصورة هي الدافع الحقيقي، لأنها تمثل التضحية التي قدّمها أهلي، وهي التي أوصلتني إلى ما أنا عليه اليوم".
واستعادت الهاشمي لحظة وصولها إلى أستراليا عام 1995، وقالت إنها لم تكن تتخيل يوما أن يتم تكريمها بهذه الصورة، لكنها كانت تؤمن بأنها ستنجح.
وذكرت: "قلت لوالدي في المطار: لا أستطيع التحدث مع هؤلاء الناس، لم أكن أعرف الإنجليزية. لكنني كنت متمسكة بالحلم، حلم أن أكون إنسانة ناجحة ترفع رأس أهلها وتلهم غيرها".
وحين وصلت إلى أستراليا قادمة من العراق، لم تكن تعرف لغتها ولا تضاريسها، لكنها كانت تعرف شيئا واحدا: أنها لن تستسلم.
كبرت سارة سلوان الهاشمي وهذا كان اسمها في الظلال، لكنّها لم تسمح لتلك الظلال أن تطفئ نورها حتى لم تعد قصتها عن النجاح فقط بل عن التحول وكيف تصبح الجراح مصدرا للشفاء، وكيف تصبح الرحلة رسالة، والصيدلانية صانعة تغيير.
سارة مردوك : الصيدلة طريق نجاة ورسالة انسانية وليست مجرد مهنة
واكدت سارة عن الصيدلة ليست مجرد مهنة، بل رسالة إنسانية بكل معنى الكلمة، ماضية الى القول " حين تجلس أمامي أم على وشك الانهيار، وأساعدها على استعادة أنفاسها، أدرك أنني أقوم بدور يتجاوز توزيع الدواء".
واضافت "أتذكّر سيدة مسنّة بكت لأنها وجدت أخيرا من يشرح لها بالعربية. هذه اللحظات لا تُنسى".
وأشارت سارة مردوك الى أن التحدي الأصعب في مسيرتها لم يكن علمياً أو تقنياً، بل شخصياً ومجتمعياً.
وقالت "أن تكوني امرأة وأما وتحاولين إثبات ذاتك في موقع القيادة هو تحدٍّ مستمر ، وكان عليّ أن أواجه الشكوك حول جدارتي، فقط لأني لا أنتمي إلى الصورة النمطية والتقليدية للنجاح. لكنني تعلمت أن الدعم ليس رفاهية، بل ضرورة وهو أساس الاستمرار والتميز".
سارة مردوك : حين تشعر بالتهميش يتكوّن داخلك التزام اخلاقي ..ألا تترك أحداً خلفك
وعن ارتباطها بالفئات المهمشة، أشارت الهاشمي إلى أن تجربتها كلاجئة شكّلت وعيها الأخلاقي والمهني.
ومضت إلى القول: "حين تشعر بالتهميش، يتكوّن داخلك التزام ألا تترك أحداً خلفك. لا أستطيع أن أرى الألم وأسكت ، لأنني أعرفه جيدا".
وفي حديثها عن التعامل مع الضغوط والإرهاق، شددت سارة على أهمية التنظيم الذاتي والامتنان.
وقالت "أستيقظ في الخامسة والنصف لأصلي وأمارس الرياضة، وأقضي وقتاً مع أطفالي. أذكّر نفسي أنني نجوت من الحرب والتهجير، وما أعيشه اليوم، رغم صعوبته، هو نعمة".
سارة مردوك : دعم الأطفال المصابين بالسرطان وقوف صادق مع الأسر في أصعب حالاتها
وعند سؤالها عن المبادرة الأقرب إلى قلبها، لفتت الهاشمي إلى المشاريع الخيرية التي تستهدف الأطفال المصابين بالسرطان، وأكدت أن هذه الأعمال تمثل لها "رسالة حب ووقوف صادق مع العائلات في أصعب لحظاتها".
أما عن رسالتها للجيل الجديد من الصيادلة، خصوصاً من خلفيات مهاجرة، فقد شددت سارة على مسؤولية التمكين ، موضحة "انها أمانة .. هناك من فتح لي الباب، واليوم دوري أن أفتح الأبواب لغيري".
وأضافت "أقول لكل شاب وفتاة: أنتم لستم أقل من أحد، أنتم أصحاب قصة وصوت وقيمة".
وفي رسالة مباشرة إلى فتاة شابة تعتقد أنها بلا فرصة، قالت سارة "الفرصة لا تُمنح، بل تُنتزع. لا تنتظري أحدًا ليعترف بك، اعترفي بنفسك أولاً. قولي للألم: أنا أقوى منك".
وردا على سؤال إن كان بوسعها كتابة رسالة قصيرة إلى "سارة الطفلة" التي وصلت إلى أستراليا لاجئة ، اجابت برسالة مؤثرة "عزيزتي سارة، لا تخافي من الظلام، ففي داخلك نور يكفيك ويكفي غيرك. لا تخافي من الاختلاف، ففيه سرّك وفي ضعفك قوة لا يفهمها سواك ، كوني الصوت لمن لا يُسمع، واليد لمن أُغلقت الأبواب في وجهه. أهمسي لنفسك دائمًا: لم آتِ إلى هنا لأتراجع، بل لأصنع الفارق".
يمكنكم الاستماع للتقرير في التدوين الصوتي أعلاه.
هل أعجبكم المقال؟ استمعوا لبرنامج "أستراليا اليوم" من الاثنين إلى الجمعة من الساعة الثالثة بعد الظهر إلى السادسة مساءً بتوقيت الساحل الشرقي لأستراليا عبر الراديو الرقمي وتطبيق Radio SBS المتاح مجاناً على أبل وأندرويد.