إذا كنت من سكان ملبورن، فلربما سمعت بمطعمٍ صغير في ضاحية نورثكوت يقدم الأطباق السورية. ولكن على الأغلب لم تسمع بقصة العائلة اللاجئة التي تديره وكيف انتهى بها الأمر في شمال عاصمة فيكتوريا.
نزحت عائلة عبو المكونة من ثلاثة أفراد من الحسكة بسوريا، حيث كان الأب عطا الله عبو يعمل مهندساً زراعياً. وبالرغم من تيسر أمورهم المادية إلا أن الحرب وأعمال العنف لحقت بهم وهجّرتهم باحثين عن وطنٍ جديد.
الحياة في سوريا والخيار الصعب
يصف عبو حياته وعائلته في سوريا بالـ"جيدة" بالرغم من التنقل المستمر بسبب الحرب. فبعد انتقالهم إلى بيت الزور في 2011 سعى عطا الله لتأسيس تجارةٍ كبيرة وناجحة. وكونه مهندساً زراعياً لم يمنعه من أن يُعّرِف عن نفسه كتاجر أولاً وأخيراً. وبالفعل تملك عطا الله محل بيع ألبسة كبير، كما عملت زوجته كمدرسة علوم، مما سمح للعائلة بعيش حياة كريمة.
ولكن سرعان ما انتقلت العائلة مرةً أخرى للابتعاد عن خطر الحرب. فبعد استقرارهم في منطقة طرطوس، بدأ عطا الله في إنشاء تجارةٍ جديدة، استطاع في بضعة أعوام تطويرها لتنجح وتدر عليه وعائلته بالأرباح.
وأخيراً بعد التنقل داخل سوريا لسنوات، قررت العائلة طلب اللجوء إلى أستراليا. لحسن الحظ، كان شقيق عطا الله، الدكتور فؤاد عبو مقيماً في أستراليا وقام هو زوجته بضمان العائلة ومساعدتهم في طلب اللجوء. حزمت العائلة أمتعتها وأسالت ممتلكاتها، مستعدةً للسفر إلى أستراليا لبدء حياةٍ جديدة للمرة الثالثة.
يقول عطا الله إن خيار اللجوء إلى أستراليا، كان صعباً.
كانت تجارتي ناجحة جداً ولكن للأسف الحرب دمرت كل شئ وسرقت أحلامنا. جُبِرنا على المجيء إلى هنا
وبالرغم من صعوبة القرار ومواجهتهم لتحدياتٍ كبيرة إلا أن الترحاب الذي حصلت عليه العائلة في أستراليا، أضفى ضوءاً إيجابياً على تجربتهم. حيث يقول عطا الله إنه يشعر بالامتنان تجاه أستراليا، حكومةً وشعباً. ولا يقصد فقط الجالية العربية وإنما الأستراليين بشكلٍ عام.
جئنا لنثبت أنفسنا في أستراليا ولكن الحقيقة أنني تخذلني الكلمات لأشكر كل من ساعدونا واحتضنونا خلال سنواتنا الأولى هنا
بداية جديدة تهددها الكورونا
يقول عطا الله إن الإصرار والعزيمة يضمنان نجاح الإنسان مهما كانت الظروف. فلم يحبطه اللجوء ولم تطفئ خسارة تجارتهم في سوريا شرارة عزيمته. اجتهد هو زوجته تجاه توفير حياة كريمة لابنهم من خلال مطعمهم "شاميات" في نورثكوت بملبورن.
تم افتتاح المطعم في 2019 ولكن مع دخول جائحة الكورونا على أستراليا في كانون الثاني \ يناير 2020، عانت الكثير من التجارات الصغيرة مادياً. إذ اضطر عددٌ كبيرٌ منها إلى إغلاق أبوابه بسبب منع استقبال الزبائن داخل المحال التجارية، خلال الأشهر الأولى من فرض قيود العزل والتباعد الاجتماعي.

Mrs Abou in the "Shamiat" kitchen at Northcot, North Melbourne. Source: Supplied
اضطر عطا الله التخلص من عامليه في المطعم ليقلل من النفقات. منع استقبال الزبائن في المطعم، عنى الاعتماد الكلي على الطلبات الخارجية.
ثابر هو وزوجته بالعمل في المطعم نيابةً عن طاقم الموظفين كاملاً، مما سمح لهم بالاستمرار في خدمة الزبائن خلال فترة العزل. ولكن تضحية الزوجة وساعات العمل الإضافية فقط لم تكن كافية لإبقاء أبواب المطعم مفتوحة. فيقول عطا الله إن الجالية العربية دعمتهم بشكلٍ كبير. فصار الزبائن يتوافدون على"شاميات" من كل صوبٍ وحدب.
خلونا نوقف عاإجرينا
يؤمن عطا الله أن أسباب نجاحهم واستمرارهم في العمل كثيرة. وأشاد بأداء الحكومة الأسترالية خلال الجائحة، حيث تأهلت تجارته لتلقى بعض المعونات الحكومية لأصحاب الأعمال الصغيرة المتأثرة بسبب الكورونا.
ولكن بالنهاية أكد عطا الله أن التضحية والتفاني في العمل ومساعدة زوجته ووقوف عائلته معاً، هي الأسباب الرئيسية لاستمرارهم وتجارتهم، رغم كل الصعاب.