الفاشر المحاصرة: مجاعة تفتك بالمدنيين وسط قصف ومعارك ضارية
فيما تستعر الحرب الأهلية في السودان منذ أكثر من عامين، يواجه مئات الآلاف من المدنيين في مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، خطر المجاعة القاتلة، بعد حصار خانق تفرضه قوات الدعم السريع منذ أكثر من ١٥ شهراً.
تسعى هذه القوات للسيطرة على آخر مدينة في الإقليم ما زالت خارج قبضتها، وسط اتهامات بتنفيذ مجازر ذات طابع عرقي وعنف جنسي، وهي اتهامات تنفيها الميليشيا. ويؤكد سكان المدينة أن الحياة هناك أصبحت جحيماً يومياً، مع انقطاع المساعدات وتحول معظم أحيائها إلى أنقاض.
محمد دودة، لاجئ وزعيم في مجتمع الزغاوة، يصف الوضع قائلاً:
"مليون ونصف المليون مدني يعانون من ويلات القصف المدفعي وهجمات الطائرات المسيّرة، إضافةً إلى الشظايا الناجمة عن القتال على أطراف المدينة".الأمم المتحدة تحذر من أن نصف سكان السودان — أي نحو ٥٠ مليون نسمة — يواجهون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، فيما أعلنت المجاعة في ١١ موقعاً بغرب دارفور. أما في الفاشر وحدها، فتقدّر اليونيسف أن أكثر من ٣٣٠ ألف شخص يواجهون سوء تغذية شديد بسبب الحصار الكامل.
ناثانييل ريموند، الخبير في حقوق الإنسان بجامعة ييل، يقول:
"في غزة، لم تصل المساعدات منذ ثلاثة أشهر، أما في الفاشر، فهم تحت حصار إنساني منذ ربيع ٢٠٢٤. لقد أعلن تصنيف الأمم المتحدة وصول الوضع إلى المرحلة الخامسة، وهي أعلى درجات المجاعة، وفريقنا ساعد في تأكيد هذا التقييم".الوضع الميداني لا يقل قتامة. المطابخ المجتمعية توقفت عن العمل، وبعض السكان يلجأون إلى أكل علف الحيوانات. ويؤكد دودة:
"إذا أكلت الفطور، ستنتظر لليوم التالي لتأكل وجبة أخرى. إنهم يعانون الآن، ويموتون يومياً".رغم الاتهامات الموجهة للطرفين بارتكاب جرائم حرب، تقول منظمات حقوقية والحكومة الأمريكية إن قوات الدعم السريع ارتكبت إبادة جماعية في دارفور. ومع تواصل القصف المتبادل، تشير تقديرات إلى أن أكثر من ٤٠٪ من الفاشر قد دُمّر، فيما المدنيون عالقون وسط تبادل النيران.
بعد انهيار محادثات السلام الأخيرة في واشنطن، يتوسل سكان المدينة إلى المجتمع الدولي لكسر الحصار.
وفي مقابلة مع SBS Arabic، ألقى القائم بالأعمال في السفارة السودانية بأستراليا، أحمد عبد اللطيف، باللوم على قوات الدعم السريع، متهماً إياها بجلب مرتزقة من الخارج للمشاركة في قتل المدنيين، وواصفاً الوضع الإنساني في الفاشر بأنه "مرعب"، قائلاً:
السودان لا تعاني من المجاعة، بل من التجويع
وقال القائم بالأعمال السوداني:
إن الصراع ليس حرباً أهلية، بل تمرداً بين الجيش وميليشيا متمرّدة تستعين بدعم خارجي.
وأضاف أن الحكومة السودانية تعمل مع المنظمات الدولية لتقديم المساعدات، مقدّماً الشكر للحكومة الأسترالية على دعمها للسودان بتبرع قدره ٥٠ مليون دولار. وبشأن ضمانات حماية المدنيين إذا فُتح ممر آمن أو سُمح بدخول الإغاثة، أكد عبد اللطيف أن الحكومة "تبذل قصارى جهدها لتأمين عودة المدنيين إلى مناطقهم بأمان"، لكنه ربط فرص وقف إطلاق النار بابتعاد قوات الدعم السريع عن الساحة السودانية ووقف الدعم المادي لها.
كما أشار أحمد عبد اللطيف بأن أستراليا بصدد دراسة حزمة جديدة من المساعدات لصالح السودان.
بين قصف متواصل وجوع يفتك بالأبرياء، تبدو الفاشر اليوم عنواناً للألم الإنساني في السودان. فالمأساة لم تعد أرقاماً في تقارير المنظمات، بل وجوهاً لأطفال ونساء ورجال ينتظرون لقمة النجاة أو فرصة الخروج من تحت الأنقاض. ومع استمرار الحصار وفشل محادثات السلام، تبقى مسؤولية كسر هذا الطوق الخانق واجباً أخلاقياً وقانونياً على المجتمع الدولي، قبل أن تتحول الفاشر إلى فصل آخر من فصول الحرب المنسية.