أثارت جريمة قتل وقعت في مدينة سيدني يوم السبت الماضي نقاشا داخل المجتمع القبطي في أستراليا حول العنف الأسري. الضحية كانت سيدة قبطية تبلغ من العمر 47 عاما تعرضت للطعن من قبل زوجها البالغ من العمر 60 عاما بالقرب من مقر عملها في راندويك بمدينة سيدني. أُلقي القبض على الزوج ووجهت له تهمة القتل على أن يظهر أمام المحكمة في الثامن عشر من الشهر المقبل.
هذه الجريمة أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالنقاش حول من تقع عليه مسؤولية وصول الأمور إلى مقتل تلك السيدة. وسرت معلومات مفادها أن أحد آباء الكنيسة القبطية نصح تلك السيدة قبل يومين فقط من مقتلها بالعودة إلى زوجها لحل الخلافات. لكن الأب تادرس سمعان وكيل عام مطرانية الأقباط الأرثوذكس في سيدني قال لـSBS Arabic24 إن الزوجين لم يسبق لهما التعرض لمشاكل أسرية "هذه الحالة لم يحدث فيها أي عنف عائلي سابق، ولم يحدث أن اعتدى الزوج على زوجته من قبل." وأضاف الأب سمعان "إن الزوجين كانت تربطهما علاقة محبة وثيقة، ولم تتعرض السيدة لأي شكل من أشكال العنف من قبل."
"لا طلاق إلا لعلة الزنا"
لكن النقاش استمر حول قواعد الكنيسة الصارمة بخصوص الطلاق ومسؤوليتها عن إبقاء السيدات داخل زيجات يتعرضن فيها إلى العنف. السيدة أنجي ألفريد أم قبطية لشابين، تبلغ من العمر 40 عاما، وعاشت في زواج لمدة خمسة عشر عاما كانت تتعرض فيه للتعنيف. ألفريد قالت "رعايا الكنيسة يشعرون أنهم مجبرون على البقاء داخل الزواج مهما حدث، وهذا يؤدي بشكل غير مباشر إلى البقاء في علاقة يتعرض فيها الإنسان إلى عنف."
الموقف الرسمي للكنيسة القبطية من الطلاق هو أن "لا طلاق إلا لعلّة الزنا" ولا ينصح الآباء الكهنة مطلقاً بالطلاق. قالت أنجي ألفريد "عندما كنت أذهب إلى الأب الكاهن كان ينصحني بالتحمّل والصبر وأهمية حمل صليبنا بفرح." وأضافت ألفريد "رغم إيماني بتلك القيم إلا أن هناك حد معين لهذا الصبر لا ينبغي أن يتجاوزه."

أنجي ألفريد Source: Supplied
وقالت ألفريد "مشكلة العنف المنزلي واضحة داخل الجالية القبطية، والآباء الكهنة يعرفون هذا أكثر مني." وأضافت "لا يجب أن نفقد أحد أبناء الجالية لنناقش الأمر، يجب أن تنظر الكنيسة إلى الواقع وحجم الجرائم التي تحدث بعيدا عن مسألة الزنا." وقالت إن آباء الكنيسة يقع على عاتقهم جزء من مسؤولية حماية السيدات المعنفات داخل كنيستهم.
الأمر ليس بهذه الصرامة
لكن الأب تادرس سمعان وكيل عام مطرانية الأقباط الأرثوذكس قال إن "لا طلاق إلا لعلّة الزنا" هو المبدأ الأساسي، لكن يمكن أن يمتد هذا المبدأ ليشمل حالات أخرى بهدف منع وقوع الزنا. وقال الأب سمعان "يمكن أن تقوم الكنيسة بإبطال الزواج لو تم اكتشاف وجود مشكلة لدى أحد أطراف الزواج، ويندرج تحت ذلك أن يكون الشخص عنيفاً أو عدوانياً."
وأضاف إن الكنيسة تمنح الطلاق أيضاً إذا قام أي من أطراف الزواج باتخاذ اجراءات قانونية في المحاكم الأسترالية تنتهي بصدور حكم سواء بالطلاق أو إصدار أمر بعدم التعرض “Restraining Order”.
تقاليدنا ترفض أن تبلغ المرأة المعنفة الشرطة عن زوجها
وقال الأب تادرس سمعان إن الكثير من السيدات لا يبادرن باتخاذ خطوات للخروج من تلك الزيجات العنيفة مؤكدا "مخطئة من تبقى في زواج عنيف لمدة 15 عاما."
على من تقع المسؤولية؟
جاين بروك من جمعية Speakout للمرأة المهاجرة المختصة بالعنف الأسري قالت إن السيدات لا يحتجن إلى موافقة الكنيسة للحصول على الطلاق في أستراليا. وأضافت أن الوصمة الاجتماعية هي الحاجز الحقيقي أمام هؤلاء النساء لترك زواجهن "سينظر لها الناس بدونية، وسيحكمون عليها، وسيقولون إنها لم تعمل بجد كفاية للحفاظ على عائلتها."
وقالت أنجي ألفريد إنها لم تلجأ إلى المحاكم المدنية للحصول على الطلاق لأسباب مشابهة "ماذا كنت سأفعل مع نظرة المجتمع ونظرة الكنيسة إلي، ماذا عن الفضائح والشائعات." وأضافت ألفريد إن الشخص يحكم على نفسه أيضا "هناك أحساس مستمر بالذنب، أحساس أنني اقوم بشئ خاطئ وأنا في الحقيقة أدافع عن نفسي."
تتفق معها ليلى من أبناء الجالية العربية في أستراليا - التي رفضت الكشف عن أسمها بالكامل- أن التقاليد التي تربينا عليها ترفض اللجوء للقانون في حل النزاعات الأسرية "تربينا أنه من العيب أن تطلب المرأة الشرطة لزوجها عند تعرضها للتعنيف." وتضيف ليلى "هذا ليس من عاداتنا وتقاليدنا ومن تفعل ذلك فسينُظر إليها كامرأة دون احترام."
لا تقتصر مشكلة العنف الأسري على الجاليات المهاجرة فقط حيث تشير الاحصائيات الرسمية إلى أن ربع السيدات في أستراليا تعرضن للعنف مرة واحدة على الاقل من قبل شريك حياتهم. وفي المتوسط تُقتل امرأة واحدة أسبوعيا على يد شريك حياتها
التقاليد وحماية المرأة

Info-graph about domestic violence statistics Source: AIHW
لا تثق الكثير من النساء المهاجرات في قدرة السلطات الرسمية على حل النزاعات الأسرية دون هدم الأسرة، لذا يلجأن إلى المؤسسات الدينية التي تملك مراعاة أكبر لمخاوفهن تلك.
قالت كلير من أبناء الجالية العربية في أستراليا – والتي رفضت الكشف عن هويتها بالكامل- "الشرطة تحمي الشخص الذي يشتكي، لكنها لا تضع بعين الاعتبار الحفاظ على الأسرة." وأضافت كلير "نحن نذهب إلى المؤسسات الدينية لأنها تتعامل مع المشكلات برحمة، فلا ترغب في هدم البيوت بل الحفاظ على وحدة الأسرة."
وقالت جاين بروك من من جمعية Speakout إن العاملين في أجهزة الدولة أو خدمات الدعم للعنف الأسري يخضعون لتدريب يطلق عليه الكفاءة الثقافية. وأضافت إن هذا التدريب يهدف إلى "تعليم كل شخص يعمل مع حالات العنف الأسري كيف يقدم تطمينات للسيدات ويعمل معهن في إطار معتقداتهن."
بدوره الأب تاودرس سمعان قال إن الكنيسة توفر تلك الوساطة في حالات كثيرة "لا يمكن أن أقول للمرأة التي تأتي إلي من أول مرة أن تحصل على الطلاق." وأضاف الأب سمعان "لو حدث عنف مرة أو تحت ضغوط معينة نتحدث إلى الزوج ونوفر له علاجاً روحياً وطبي ونساعد الاثنين على البقاء معا."
المرأة هي من تتخذ قرار اللجوء إلى السلطات من عدمه
وقالت بروك إن الحوار بين السلطات والمؤسسات الدينية ضروري لتقليل تلك الهوة في التواصل مع أبناء الجاليات.
عضيد الربيعي أمام وخطيب في بلاكتاون ويعمل مع المجلس الاستشاري للجاليات الإثنية في وزارة العدل والذي تقع على عاتقه مهمة الوصل بين قادة الجاليات والسلطات قال عن هذا الموضوع "السلطات تتواصل معنا باستمرار لمنحنا آخر تعديلات القوانين والقواعد المتبعة في المسائل الأسرية المختلفة." وأضاف الربيعي "الكثير من النساء يخفن من إبلاغ الشرطة لأن تدخلها يعني تهديداً حقيقياً لوجود هذه الأسرة."
احترم رغبة المرأة دائما
يتفق مقدمو خدمات الدعم على أن مسؤولية اتخاذ قرار اللجوء إلى السلطات أم لا تعود الى المرأة المعنّفة بالدرجة الأولى. وقالت جاين بروك "يجب احترام رغبات المرأة دائما."
من جهته قال الأب سمعان "ليست مسؤوليتي أن أبلغ الشرطة بالنيابة عن الشخص الذي تعرض للتعنيف، لأنه من الممكن أن يلومني على القيام بهذا." وأضاف "المشورة التي نقدمها غير ملزمة، والأمر يعود للشخص نفسه أن يحدد إذا كان يستطيع احتمال الاستمرار في هذه العلاقة أم لا."
واتفق كل من الأب سمعان والشيخ عضيد على أن أقصى ما يمكن أن تفعله المؤسسات الدينية في الحالات المستعصية هو التوقف عن تقديم المشورة. وقال الشيخ الربيعي "إن أتت إلي السيدة أكثر من مرة وهي معنفة دون أن تتخذ اجراءً فلا استقبلها، وأخبرها أن عليها اللجوء إلى السلطات." بينما قال الأب سمعان "في حالة وجود خطورة عليها أخبرها أن عليها حماية نفسها، لكن تظل هي صاحبة القرار."
وأضاف "في حالات العنف المتزايد نخبر الشخص أن عليه القيام باجراء، وقد نصل إلى نقطة نقول فيها إن الكنيسة ليس لديها ما تقدمه لك."
وقالت جاين بروك من منظمة Speakout إن عامل الرعاية يقوم بإحالة حالات الايذاء الجسدي إلى الطبيب العام، لكنه غير ملزم بإبلاغ الشرطة عن حالات الإيذاء الجسدي ما لم يجد إشارات واضحة على وجود خطر يهدد حياة تلك المرأة.
استمعوا إلى مقابلة مع أنجي ألفريد كاملة وبعض تعليقات المستمعين في الرابط أعلاه
استمعوا إلى المقابلة الكاملة مع الأب تادرس سمعان من هنا
If this article has raised an issue that you want to talk about, please contact Lifeline on 13 11 14.