تشير إحصاءات مكتب الإحصاء الأسترالي (ABS) إلى أن نحو 45٪ من المهاجرين الجدد يعانون من عزلة خلال السنوات الثلاث الأولى من وصولهم. فيما يؤكد تقرير وزارة الصحة الأسترالية لعام 2024 أن واحداً من كل ثلاثة مهاجرين يواجه أعراضاً مرتبطة بالاكتئاب في عامه الأول.
لماذا يشعر المهاجرون بالعزلة؟
ترتبط هذه الظاهرة بجملة من الأسباب، أبرزها:
- حاجز اللغة الذي يصعّب الاندماج والتواصل.
- الاختلاف الثقافي بين العادات والقيم الاجتماعية.
- فقدان شبكة الدعم الأسري والاجتماعي بعد الابتعاد عن الأهل والأصدقاء.
- التحديات الاقتصادية وما يرافقها من صعوبات في الحصول على عمل مناسب.
قصة سمر: جائحة وحواجز مضاعفة
تروي السيدة سمر التي هاجرت مع أسرتها عام 2019، أن البداية كانت شاقة:
وصلنا في فترة شتاء تزامنت مع الإغلاقات بسبب الجائحة. لم نعرف أحداً تقريباً، وشعرنا بعزلة خانقة.
وتضيف: "أكثر ما ساعدنا هو الانضمام إلى مجموعات على منصة "فيسبوك" للجالية العربية في أستراليا، حيث تعرفنا على عائلات أخرى وبدأنا نحضر تجمعات اجتماعية. هذا فتح لنا أبواباً جديدة وقلل من شعور الوحدة".
وتعترف سمر أن التباين في نمط الحياة الأسترالي كان صادماً: "البلد يغلق باكراً والناس لا يلتقون إلا في عطلة نهاية الأسبوع، بينما كنا معتادين على حياة ليلية نشطة. لكن مع الوقت، تعلمنا التأقلم حتى أصبحنا نعيش مثلهم: نستيقظ باكراً وننام باكراً".

أما الصيدلاني محمد دهيم، القادم عام 2010، فيصف الهجرة بأنها "رحلة تبدأ من الصفر". يقول:
عند بداية هجرتك، كل التفاصيل تتغير، من طعم الماء إلى إيقاع الحياة ونظام العمل والتعليم. طبيعي أن يشعر الإنسان بالقلق، لكن المهم أن يتعامل مع هذه المشاعر بوعي وأن يحدد هدفه بوضوح.
ويضف دهيم: "هل جاء ليستقر؟ ليؤمّن مستقبل أبنائه؟ أم لفترة مؤقتة؟ وضوح الهدف هو ما يصنع الفارق". وينصح دهيم المهاجرين الجدد بضرورة الانخراط في المجتمع: "ابحث عن مجموعات على المنصات الاجتماعية أو مجموعات "واتساب " للجالية، تواصل مع المسجد أو الكنيسة، شارك في ورشات عمل مرتبطة بمهنة تخصصك. كل ذلك يساعدك على كسر العزلة".
بين الدعم الحكومي والمبادرات المجتمعية
لم تغفل الحكومة الأسترالية عن هذه التحديات، إذ توفر:
- خدمات Medicare للاستشارات النفسية المجانية أو المدعومة.
- الخط الوطني للدعم النفسي المتاح على مدار الساعة.
- برامج التوطين والاندماج التي تقدم دورات لغة ودعم للتوظيف.
كما تلعب المبادرات المجتمعية دوراً محورياً، مثل خدمات Lifeline وخدمات SBS متعددة اللغات، إضافة إلى المراكز الثقافية والجمعيات العربية التي تنظم فعاليات اجتماعية تعزز الترابط.
التقبّل أول الطريق
تجارب سمر ومحمد تكشف أن العزلة ليست قدراً محتوماً. التحدي الأكبر هو في تقبّل الاختلاف، والبحث عن سبل للتأقلم، والاستفادة من البرامج والخدمات المتاحة. فالهجرة ليست مجرد انتقال جغرافي، بل رحلة لإعادة بناء الذات والانفتاح على واقع جديد.
استمعوا لتفاصيل أكثر عن تجارب المهاجرين بالضغط على الزر الصوتي في الأعلى.