قررت السيدة سمر مجذوب الهجرة إلى استراليا مع زوجها عام 1988. وكانا يحملان كثيرا من الآمال لبدء حياة مهنية واعدة في أرض الأحلام، لكن كان لقوانين استراليا كلمة مختلفة لتجعلهما يخطوا حياة جديدة فيها كما يقال "من تحت الصفر" مغمسة بالكفاح والتعب.
النقاط الرئيسية:
- وصلت استراليا عام 1988 فلم تجد أحدا في استقبالها لأن الرسالة الورقية ضاعت.
- أول خمس سنوات كانت صعبة على كل الأصعدة عاشت فيها كأنها " أم عزباء"
- سيدني سابقا كان يسودها شكل واحد من المهاجرين من العمال المهرة.
في حديثها عن قصة هجرتها، عادت سمر المجذوب بذاكرتها ساردة لحظة وصولها إلى سيدني قائلة : " وصلت مطار سيدني في يوم 9/9/ 1988، وتفاجأت بعدم استقبال أحد من أقربائي في المطار، لأكتشف لاحقا أن رسالتي الورقية لم تصلهم، وففي ذلك الوقت كانت وسائل الاتصال محدودة ليس كما هو الحال الآن".
وتضيف "بقيت أبحث بكل الطرق عن طريقة للتواصل باحثة عن أي طريقة من المطار لأتصل بأقربائي في سيدني لكن لم أجد أحدا. وبالصدفة ومن محاسن الصدف التقيت بعائلة مصرية لاحظوا أنني تائهة، وعندما أخبرتهم من أنا ومن هم أقاربي، اكتشفت أنهم يعرفونهم وأخذوني معهم إلى منزلهم إلى أن تواصلوا مع عائلتي والتقيتهم ".
عن سيدني في ذلك اليوم وصفتها بأنها كانت مختلفة عن سوريا في كل شيء؛ البيوت بطابق واحد، الناس لا تتكلم لغتها، الشوارع منظمة، الهدوء والدقة في كل شيء، كل ملاحظاتها الأولية تلك ، على قدر ما أشعرتها ببعض الغبطة إلا أنها أضفت عليها لمسة خفيفة من الغربة.

سمر المجذوب مع زوجها Source: supplied by: Samar al Majthoub
جاءت سمر المجذوب إلى استراليا قبل زوجها بحوالي ستة شهور ساعية لترتيب أوراقه للقدوم إلى استراليا حيث قررا الاستقرار لأن والدها بالأصل اختار الانتقال للعيش في استراليا مهاجرا من إحدى الدول الخليجية؛ لذلك جاءت إلى استراليا بعد تخرجها الجامعي مع زوجها ليبدأ كل منهما مساره المهني.
عن الآمال المحملة في ذهنيهما قالت سمر: " قبل الهجرة كان في ذهننا كثير من الآمال والأحلام خاصة مع شهادتينا العلميتن الهامتين في بلدنا، لنصطدم بأول عقبة في أستراليا، وهي عدم الاعتراف بشهادتينا، عندها وتحت ظروف الأمر الواقع أضطررنا لبدء حياتنا من تحت الصفر ومن جديد."
بدأت رحلة الكفاح ، تأخذ مسارها مع سمر المجذوب وزروجها بالانتقال إلى مدينة أديلايد حيث سيبدأ زوجهارحلة جديدة بمعادلة شهادة الطب بعيدا عن أهلها ومعارفها.
وكبرت العائلةفي أديليد وبقيت سمر المجذوب ترعى الأولاد و تأخذ زمام تفاصيل الحياة اليومية لعائلتها الصغيرة مؤجلة كل أحلامها وطموحها في استكمال تعليمها والتطور المهني من أجل غاية واحدة ألا وهي " أن حقق زوجها معادلة الشهادة" التي استغرقت خمس سنوات.
تقول عن تلك السنوات "كانت أصعب خمس سنوات مرت عليّ في حياتي على كل المستويات النفسية، البدنية والمالية."
وأضافت: "لقد كنت فعلا كما يقولون في اللغة الإنجليزية وكأنني single mother".
وتوضح، "في هذه المسيرة كان علينا أن نعمل في مهن متعددة لم تكن في بالنا أن نعملها في يوم من الأيام في بلدنا الأم، لكن بحمد الله اجتزنا المرحلة على خير".
وتؤكد "كنا قبل قدومنا إلى استراليا في عمر الشباب والطموح والاندفاع نحمل الأحلام الوردية والثقة الزائدة بالنفس، لكن في بداية حياتنا هنا في استراليا على قدر ما كسرت هذه الأيام من نفسيتنا على قدر ما علمتنا الإصرار والمثابرة والتواضع من أجل تحقيق النجاح؛ فهذه التجارب تصقل الشخصية وتهذب النفس".
وحول كيف كانت تقوم بكل واجباتها وتنسق الوقت قالت: "التنظيم وترتيب الأولويات هو السر، فأولوياتي كانت تربية أولادي وحصول زوجي على شهادة الطب؛ فنجاحه من نجاحي".
وأوضحت سمر المجذوب، أن الحياة علمتها أن كل مرحلة تمر يجب أن تخضع للتقيم والتطوير، لذلك فبعد نجاح زوجها وانخراطه في الحياة المهنية، أصبحت معلمة في إحدى المدارس الخاصة لمدة أربع سنوات، لكن وبمجرد أن افتتح زوجها أول عيادة صغيرة له، تركت التدريس لتتفرغ وتصبح سكرتيرة في عيادة زوجها تنظم مواعيد المرضى وتدير تفاصيل العيادة.

Samar and her family. Source: SM
"ليس في الأمر تضحية بل الأولوية لنجاح العيادة."
واستوضحنا منها هل أنت "مديرة أعمال زوجك" قالت ضاحكة: "كنت سكرتيرة في البداية أما حاليا فنعم" مستدركة " لكنني في الحقيقة أنا وهو نرعى شؤن عائلتنا".
من العيادة الصغيرة، وأثناء متابعة شؤنها، درست علم التحاليل الطبية لمدة ثلاث سنوات في محاولة لفتح مركز تحاليل مع العيادة لكن الشهادة كانت تحتاج لمتطلبات كثيرة فلغت المشروع.
وبدأ التركيز ينصب على تطوير العيادة التي أصبحت بأكثر من طبيب ثم ليمتد العمل بنظام العيادات المسائية وليتوسع بعد ذلك إلى عيادات كثيرة وممتدة في سيدني.
وحول طموحاتها التعليمية المؤجلة قالت: "بمجرد أن استقر الوضع بعياداتنا المختلفة وتخرج الأولاد من الجامعة، بقي حلم إكمال الماجستير يلوح أمام ناظري، لذلك تقدمت للجامعة للحصول على الماجستير وحصلت على الدرجة عام 2015 في تخصص الشريعة، و أجهز نفسي لدراسة الدكتوراه".
وتقول عن سوريا وطنها الأم: "سوريا هي الأم ولا أستطيع أن أنسى أمي، لكن البديل يعطيك المواساة".
"بمجرد حصولي على الجنسية شعرت أنني أصبحت استرالية، لكن هذا لا يمنع من أن أكون أسترالية سورية وسورية أسترالية في نفس الوقت".
وفي خضم هذه التجربة المديدة في الهجرة قالت إنها تتمنى أن تأخذ من استراليا لسوريا الحرية والكرامة، وأن تعطي أستراليا من سوريا الحياة الاجتماعية بترابطها وتراحمها.

المهاجرة الأاسترالية السورية سمر المجذوب Source: supplied by: Samar al Majthoub
وعن سيدني زمان والآن، قالت في السابق كانت سيدني هادئة، مبانيها بدور واحد يعلوها اللون الأحمر الآن اصبحت مكتظة وأسقفها بألوان غير موحدة ومبان ممتده عاموديا.
أما عن الجالية في سيدني سابقا وحاليا ، أوضحت أن الجالية حاليا أصبحت متنوعة وذات فئات مختلفة وأطياف نوعية ثقافيا وأصبح للجالية تمثيلها المميز، أما في السابق فكان يسودها شكل واحد من المهاجرين من العمال المهرة.
وإن كانت ندمت على قرار الهجرة يوما ما قالت "أبدا، بل هو أكثر قرار صائب أخذته في حياتي" ناصحة المهاجر الجديد بقولها له "اصبر تجد ما تحلم به".
للاستماع لقصة المهاجرة الأسترالية السورية سمر المجذوب السيد، يمكنكم الضغط على التدوين الصوتي في الأعلى .
يمكنكم أيضاً الاستماع لبرامجنا عبر هذا الرابط أو عبر تطبيق SBS Radio المتاح مجاناً على أبل وأندرويد.