في خضم التصعيد العسكري المستمر في قطاع غزة، يعيش أكثر من 1.9 مليون فلسطيني تهجيرًا داخليًا، بينما تتزايد أعداد الضحايا والجرحى وتتعرض البنية التحتية للتدمير الكامل. وسط هذا الواقع الإنساني المأساوي، شهدت اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة خطوة سياسية بارزة تمثلت في اعتراف الحكومة الأسترالية، بقيادة رئيس الوزراء أنطوني ألبانيز، بدولة فلسطين، في محاولة لتعزيز جهود السلام والالتزام بالقانون الدولي.
لكن هذه الخطوة لم تمر دون موجة من الردود الدولية، خاصة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، حيث حذر 25 عضوًا جمهوريًا في الكونغرس من أن هذا الاعتراف قد يعزز موقف حركة حماس ويفرض مخاطر على أمن إسرائيل، مع إمكانية فرض عقوبات على أستراليا. داخليًا، واجهت الحكومة الأسترالية معارضة من أحزاب تخشى توتر علاقات أستراليا مع واشنطن وحلفاء آخرين، في مقابل تأكيد الحكومة أن القرار مبني على مصالح وطنية وقيم تدعم حل الدولتين.
بين الضغوط الدولية والتمسك الوطني
يعلق الدكتور فتحي المنصوري، رئيس مركز المواطنة والعولمة بجامعة ديكن، على هذه الديناميات قائلاً:
التهديدات الأمريكية ليست جديدة على أستراليا، وهي تعكس سياسة خارجية تتجاهل أحيانًا القانون الدولي، لكن موقف أستراليا يعكس تحولا في السياسة الوطنية بعيدًا عن التبعية المطلقة للولايات المتحدة.
ويرى المنصوري أن احتمال تراجع أستراليا عن الاعتراف بفلسطين ضعيف، لكنه لا يستبعد حدوث تغييرات سياسية داخلية قد تؤثر على الموقف، خصوصًا إذا تولى حزب أكثر تحفظًا الحكم، لكنه يضيف:
من الناحية القانونية والدبلوماسية، سحب الاعتراف أمر معقد، ولن يتم بين عشية وضحاها.
الاعتراف في ظل المشهد الجيوسياسي المتغير
يأتي هذا الاعتراف في وقت تعيد فيه دول مثل مصر والسعودية وباكستان رسم خريطتها الإقليمية، وسط تراجع الدور الأمريكي التقليدي. ويشير المنصوري إلى أن أستراليا قد تكون بصدد إعادة تموضع دبلوماسي:
"الاعتراف بدولة فلسطين يعكس أيضًا تحولات ديموغرافية واجتماعية داخل أستراليا، ويعبر عن رغبة في المشاركة بفعالية في تحالفات جديدة تتناسب مع واقع الشرق الأوسط المتغير."
واقع غزة والجدوى الإنسانية والسياسية للاعتراف
رغم الأهمية السياسية والقانونية للاعتراف، يبقى التساؤل قائمًا حول مدى تأثير هذه الخطوة في تحسين الوضع الإنساني في غزة، حيث يقول المنصوري:
الاعتراف خطوة إيجابية على المستوى الدولي، لكنها لا توقف المأساة الإنسانية الحالية، فالحكومة الإسرائيلية مستمرة في سياسة الإبادة، والاعتراف لا يملك قوة التنفيذ على الأرض.
ويؤكد أن الاعتراف يظل جزءًا من معركة دبلوماسية أوسع تهدف إلى الضغط من أجل حل سياسي وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني.
تحديات السلام ومستقبل المنطقة
في ظل استمرار فيتو الولايات المتحدة في مجلس الأمن لعرقلة قرارات وقف إطلاق النار، يوضح المنصوري أن النظام الدولي يعاني من عجز كبير:
الولايات المتحدة ليست وسيطًا نزيهًا في الصراع، بل طرف له مصالح استراتيجية مع إسرائيل، ما يعقد فرص السلام ويجعل المجتمع الدولي عاجزًا أمام مأساة الفلسطينيين.
وفي ظل هذه التعقيدات، يبرز احتمال زيادة التوترات الإقليمية مع تحركات مصر وتهديدات نتنياهو، ما يفرض على اللاعبين الإقليميين والدوليين البحث عن مخرج سياسي عاجل.
وفي الختام، تشكل خطوة الاعتراف الأسترالي بدولة فلسطين انعكاسًا لتحولات سياسية داخلية ودولية في ظل أزمة غزة المأساوية. ورغم التحديات الكبيرة التي تواجه الحكومة الأسترالية، تبقى هذه الخطوة ذات رمزية قانونية وسياسية مهمة تدعم حقوق الفلسطينيين على الساحة الدولية، وتشكل تحديًا للضغوط الأمريكية. مستقبل هذا الاعتراف مرتبط بمدى قدرة أستراليا على الحفاظ على موقفها وسط الضغوط الإقليمية والدولية، والتغيرات السياسية القادمة.
هل أعجبكم المقال؟ استمعوا لبرنامج "Good Morning Australia" من الاثنين إلى الجمعة من الساعة السادسة إلى التاسعة صباحا بتوقيت الساحل الشرقي لأستراليا عبر الراديو الرقمي وتطبيق SBS Audio المتاح مجاناً على أبل و أندرويد وعلى SBS On Demand.