تعرض سوق العمل الأسترالي الى هزّة مفاجئة الشهر الماضي، مع تسجيل معدل بطالة بلغ 4.3 بالمائة متجاوزا التوقعات التي استقرت عند 4.1 بالمائة في وقت خسر فيه الاقتصاد 38 ألف وظيفة بدوام كامل، بحسب بيانات مكتب الإحصاء الأسترالي.
وفيما ربطت الحكومة هذه الزيادة بـحالة "عدم اليقين العالمي"، فأن منظمات محلية حذّرت من آثار أكثر عمقا تتجاوز البيانات الاقتصادية المجردة، لتصل إلى صميم معاناة الجاليات والمهاجرين الجدد في أستراليا.
وقالت وزيرة العمل أماندا ريشورث ان "الاقتصاد الأسترالي لا يزال مرنا على الرغم من ذلك".
ولفتت الى "هناك حالة من عدم اليقين العالمي الكبيرة في جميع أنحاء العالم وبالطبع هذا له تأثير هنا في أستراليا" ومضت الى القول "أود أن أقول إن الارتفاع الطفيف في البطالة يتماشى إلى حد كبير مع توقعات وزارة الخزانة التي تم تحديدها في آذار مارس وهي ضمن توقعات السوق".
وزير الخزانة : ارتفاع معدل البطالة نتيجة حتمية لحالة عدم اليقين والتقلبات
من جهته قال وزير الخزانة جيم تشالمرز إن ارتفاع البطالة "غير مرحب به ولكنه غير مفاجئ" بل انه توقع ارتفاع الأرقام أكثر من ذلك.
ووافق تشالمرز ما ذهبت اليه ريشورث وقال إن الارتفاع في معدل البطالة كان "النتيجة الحتمية لعدم اليقين الاقتصادي والتقلبات" في جميع أنحاء العالم و "التأثير المستمر لارتفاع أسعار الفائدة"، لكنه لفت الى أن "الاقتصاد الأسترالي في وضع جيد ومستعد لمواجهة التحديات المقبلة".
ميرنا البيات : أزمة تمويل تضرب فرص التأهيل والتوظيف
ووفي حديث لـ"أس بي أس عربي" قالت منسقة برامج التعليم وتأمين الوظائف في منظمة الخدمات الاجتماعية العربية في فيكتوريا ميرنا البيات، ، إن المنظّمة تشهد منذ مارس تزايدا في معدلات البطالة بين أوساط المهاجرين الجدد، خصوصا بسبب تراجع الدعم الحكومي للمنح الدراسية.
واوضحت البيات أن "البطالة ارتفعت بشكل كبير خاصة بعد آذار مارس . والسبب الرئيسي برأينا هو قرارات حكومية بعدم توفير منح دراسية كافية، خصوصاً للقادمين الجدد إلى أستراليا".
ومضت الى القول انه "قبل شهر آذار مارس قبل مارس، كنا نستقبل سنويا نحو 180 طالبا، معظمهم من الوافدين الجدد الذين نؤهّلهم لشغل وظائف في القطاعات الاجتماعية، أما اليوم فلم نعد نملك سوى 80 منحة".
واضافت "خسرنا 100 فرصة تأهيل، وهذا رقم كارثي على مجتمع يحاول بناء حياة جديدة وكريمة في أستراليا".

منسقة برامج التعليم وتأمين الوظائف في منظمة الخدمات الاجتماعية العربية في فيكتوريا ميرنا البيات
وأشارت البيات إلى أن "معظم طلابهم كانوا يحصلون على وظائف بعد التخرج، لأنهم يتلقّون تدريبا أكاديميا وعمليا على القوانين الأسترالية، ما يجعلهم جاهزين للعمل".
واشارت الى انه "بعد خفض التمويل، توقفت المنح، وبات المهاجرون محاصرين بين كلفة الدراسة ورفض الشركات توظيفهم دون تأهيل محلي".
وذكرت البيات "نحن نقدم منح دراسية للوافدين الجدد في مجال الخدمات الاجتماعية و العمل في المدارس، ودور الحضانة، ومختلف القطاعات الاجتماعية" موضحا بالقول "نوفر لهم فرص تدريب عملي لاكتساب خبرة محلية، وبعدها نساعدهم بالتوظيف".
ولفتت الى انه "من دون شهادة أسترالية وخبرة عملية، لا يجد هؤلاء سوى وظائف بدوام جزئي أو يظلون عاطلي".
وقالت إن هذا يؤثر بشدة على معيشتهم وعلى "قدرة المؤسسات، مثل منظمتنا، على دعمهم".
البيات: التراجع في التوظيف بدوام كامل سينعكس على منظومة الرعاية والتعليم
وحذرت البيات من أن الجاليات القادمة حديثا إلى فيكتوريا، وبينها العربية ستكون الأكثر تضررا من هذا التراجع ، مبينة ان "هؤلاء لا يمتلكون بعد أساسا تعليميا محليا أو شبكة علاقات تؤهلهم لدخول سوق العمل".
واضافت "نتلقى اليوم طلبات دعم لا يمكننا تلبيتها بسبب نقص الموارد".
ونبهت البيات الى أن التراجع في التوظيف بـ"دوام كامل" سينعكس على قطاعات حيوية مثل رعاية كبار السن، والخدمات المدرسية، والحضانات، وهو ما يهدد منظومة الرعاية بأكملها.
الحكومة: اقتصادنا لا يزال مرنا والزيادة الأخيرة في البطالة ليست مفاجئة
ودافعت وزيرة العمل أماندا ريشورث عن أداء الاقتصاد الاسترالية مؤكدة انه "لا يزال مرنا" واعتبرت أن "الزيادة الأخيرة في البطالة ليست مفاجئة"، وأنها "تتماشى مع التوقعات".
لكن هذه الرسائل الحكومية لا تبدو مقنعة للعاملين في قطاع التدريب والتوظيف ، وهنا تسأل ميرنا البيات "إذا كنا في أزمة تمويل حقيقية، ولما كانت الأرقام تشير إلى تراجع التوظيف، فكيف يمكننا الحديث عن مرونة؟" مؤكدة ان الاجوبة التي تلقتها منظمتها "هو وضع الاموال الاخرى في برامج اخرى غير التعليم والتدريب وهذا يؤثر على تلك البرامج والفرص الحقيقية للتوظيف ".
البيات : من دون استعادة التمويل سنواصل خسارة برامج التدريب وفرص العمل
لكن في الميدان، تقول البيات إن الحل يجب أن يبدأ من السياسات المحلية موضحة انه "بدون استعادة التمويل المخصص للمنح وتأهيل المهاجرين، سنواصل خسارة فرص العمل، وسيدفع الأضعف الثمن أولا… وأغلبهم من اللاجئين والمجتمعات العربية ممن يطلبون حياة كريمة في استراليا".
من جهتها قالت النائب المستقل داي لو إنه يتعين على الحكومة تشجيع الشركات على الاستمرار في توظيف الأشخاص.
محذرة من أن ارتفاع تكاليف المعيشة وتعقيدات سلاسل الإمداد يضغطان بشدة على أصحاب الأعمال والعائلات وقالت "لا يزال كل شيء مكلفا للغاية وهذه مشكلة كبيرة وحلها في متناول يد الحكومة".
ولا ترى النائب المستقل داي لو أن الحكومة تستوعب تماما حجم المشكلة، مبينة ان "البطالة في ازدياد، وهذا يعني أن معدلات التوظيف لا تتحسن، والناس ما زالوا بلا عمل مع ان التصنيع والأعمال الصغيرة هما العمود الفقري لاقتصادنا" ماضيا الى القول "السؤال المطروح الآن: ماذا ستفعل الحكومة لتشجيع هذه القطاعات على الاستمرار في التوظيف؟".
الأنظار تتجه إلى أغسطس.. وخيارات السياسة النقدية على الطاولة
ومن المتوقع أن تؤثر هذه البيانات على قرار مصرف الاحتياط الأسترالي في اجتماعه المقبل بشأن السياسة النقدية في آب أغسطس.
ويُرجّح بعض المحللين أن تؤدي الأرقام الأخيرة إلى تحفيز خفض محتمل في أسعار الفائدة، بهدف تنشيط سوق العمل.
ووفقا للاحصاءات فان ساعات العمل انخفضت بنسبة 0.9 في المائة في حزيران يونيو ، بعد ارتفاع بنسبة 1.4 في المائة في مايو.
وارتفعت بطالة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 عاما من 9.5 إلى 10.4 في المائة ، وهو أعلى مستوى لها منذ تشرين الثاني نوفمبر 2021.
يمكنكم الاستماع للتقرير في التدوين الصوتي أعلاه.