في خطاب جديد يُعيد خلط أوراق الاقتصاد العالمي، أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عزمه فرض رسوم جمركية هائلة تصل إلى 200 بالمائة على الأدوية المستوردة، و50 بالمائة على النحاس، في خطوة وصفت بشدّ أحزمة الرسوم الجمركية ورفعها الى سقوف تصدم الأسواق تفتح مواجهة تقلق اقتصادات كبرى، على رأسها أستراليا، التي تُصدّر أكثر من 40 بالمائة من أدويتها إلى الولايات المتحدة.
القرار، حتى لو لم يدخل حيز التنفيذ بعد، الا انه أطلق صافرات الإنذار في قطاعات متعددة، من الدواء إلى المعادن، وإن تحوّل من خطاب إلى توقيع، لا يستهدف الشركات فحسب بل يضغط على اقتصادات بأكملها.
الدكتور محمد أبو الفول الباحث في الشؤون الاقتصادية بجامعة سوينبورن في ملبورن تحدث عن التلويح بتلك التعريفات مشيرا الى انه مجرد الإعلان كاف لزرع القلق وقال "نحن هنا نتحدث نتحدث عن شريان حيوي يتعلّق بصحة البشر قبل أرباح الشركات".
واضاف " رغم أن أستراليا ليست مستهدفة بشكل مباشر بهذه التعريفات، إلا أن اقتصادها سيتأثر بسبب انخفاض الطلب، واضطرابات في سلاسل التوريد، وتراجع ثقة المستثمرين".
واشار الى انه في العام الماضي فقط، بلغت قيمة صادرات أستراليا من الأدوية إلى السوق الأميركية 1.4 مليار دولار أميركي، أي ما يمثل نحو 40 بالمائة من إجمالي صادراتها الدوائية البالغة 3.2 مليار دولار"، ماضيا الى القول "فرض رسوم بنسبة 200 بالمائة يهدد بتقويض هذه العلاقة التجارية".
ويسعى الرئيس الاميركي إعادة المصانع إلى الولايات المتحدة الاميركية يقول أبو الفول، لكنه اكد ان "نقل خطوط إنتاج دوائية معقّدة يحتاج سنوات وسلاسل تبريد واستثمارات ضخمة، والشركات متعددة الجنسيات لا تتخذ قرارات بهذه الخطورة وسط بيئة سياسية غير مستقرة".
وأضاف "النقل مكلف ومعقد إداريا وتشغيليا كما أن سياسات ترامب التجارية غير مستقرة، وهو ما يجعل المستثمرين يترددون في اتخاذ قرارات كبيرة قد تتغير لاحقا سياسيا".
محمد ابو الفول : انها لحظة مناسبة لأستراليا لتسرّع من تنويع أسواقها وتعزيز اكتفائها
واستبعد ابو الفول " هجرة العقول" موضوحا انه "ربما تنتقل بعض رؤوس الأموال، لكن الشركات الكبرى المتجذرة في السوق الأسترالي من الصعب أن تغادر بالكامل إلى الولايات المتحدة، خاصةً في ظل عدم استقرار السياسات الأمريكية الحالية".
ورغم التهديد المباشر، رأى ابو الفول أن الأزمة قد تتحول إلى فرصة لإعادة رسم الخريطة، وقال ان "هذه لحظة مناسبة لأستراليا لتسرّع من تنويع أسواقها وتعزيز اكتفائها في قطاعات استراتيجية فالسوق الأميركية مهمة، لكنها ليست الوحيدة ".
واكد أن "الحكومة بحاجة إلى اتخاذ قرارات ذكية وسريعة لدعم الصناعات المتضررة، خصوصا في قطاع الأدوية".
ومضى الى القول "هناك أسواق واعدة، مثل الشرق الأوسط، ودول آسيان، وبالطبع الصين فالعلاقة التجارية بين أستراليا والصين قوية، ويمكن تعميقها لدعم صادرات الأدوية الأسترالية هناك".
وعلى الرغم من أن بنك الاحتياطي الأسترالي اشار الى ان تأثير القرار سيكون عميقا ألا أن الأسواق المالية لم تُظهر رد فعل حادا ، وفسر ابو الفول ذلك بالقول " ردود فعل الأسواق عادة آنية. أما التأثير الحقيقي فيظهر لاحقا وتدريجيا ، حين تبدأ التداعيات على سلاسل الإمداد، والتكلفة، الهيكلة الصناعية، ومعدلات التضخم".
ورغم أن صادرات النحاس الأسترالية إلى أميركا لا تشكل رقما ضخما، إلا أن رفع الرسوم عليه يُنذر بما هو أبعد ، واوضح ابو الفول "هذه ليست مجرد ضريبة على سلعة. بل رسالة سياسية واقتصادية، وقد تكون تمهيدا لحرب تجارية تشمل معادن استراتيجية مثل النيكل، الليثيوم، وربما الألمنيوم مما يزيد الضغط على الاقتصاد الأسترالي والعالمي ".
ابو الفول : الدواء ليس مجرد سلعة .. إنه جزء من الهوية العلمية والابتكارية لأستراليا
الدواء، كما يؤكد أبو الفول، ليس مجرد سلعة. إنه جزء من الهوية العلمية والابتكارية لأستراليا ، ولفت هنا الى انه "قطاع الأدوية ليس فقط مصدر أرباح بل شريان حياة فالضرر لا يصيب الشركات فقط، بل يمتد إلى المرضى والعلماء والمجتمع كله، وعندما تُضرب الصناعات الدوائية بتعريفات، فإن ذلك يُهدد هوية أستراليا كدولة علم وابحاث، فهذا القطاع يجسد قيم أمة تؤمن بالعلم، وزيادة التعرفة الجمركية بهذا الشكل فانه ضرب لروح الابتكار وسيقوّض قيما أساسية مثل حق الإنسان في العلاج".
أبو الفول : لا أعتقد أننا سنعود لزمن الجدران العالية والانغلاق الكامل لكننا نبتعد تدريجيا عن العولمة المفتوحة
وعن احتمالات عودة العالم إلى زمن الانغلاق ومصير العولمة، قال الدكتور محمد ابو الفول "لا أعتقد أننا سنعود لزمن الجدران العالية والانغلاق الكامل، لكننا نبتعد تدريجيا عن العولمة المفتوحة التي عرفناها في التسعينات او بداية الالفية ".
واضاف "نحن ندخل مرحلة عولمة محسوبة ومشروطة، مبنية على الثقة السياسية، لا فقط على الجدوى الاقتصادية" مبينا ان "الدول التي ستنجح اليوم هي التي تبني علاقات ذكية، وتنوع شراكاتها وتحالفاتها، وتستثمر في قدراتها الذاتية وفتح اسواق جديدة لصناعتها".
يمكنكم الاستماع للمقابلة في التدوين الصوتي أعلاه.
