النقاط الرئيسية
- كان الجميع يرى حياة أسماء ناجحة ورائعة ولكنها كانت تعاني بشدة
- عانت أسماء من اضطراب ما بعد الصدمة في أعقاب وفاة صديقتها بين يديها في تركيا ولم يتم تشخيصه في حينها
- الكثير من أبناء الجالية العربية يربط بين المرض النفسي والجنون والوصمة الاجتماعية
كان الخامس عشر من يناير 2019 يوما فاصلا في حياة اسماء فهمي، الشابة الناجحة المرحة المحبوبة والتي كانت حياتها تبدو للأخرين رائعة وناجحة ولكنها قررت في ذلك اليوم انهاء كل شيء والتخلص من حياتها
"كنت وحدي في شقتي، وشعرت حينها ان الامور خرجت عن السيطرة وقررت انني لا استطيع الاستمرار وقررت الانتحار".
تتذكر أسماء ذلك اليوم وتفاصيله المؤلمة وتعترف بأن ما قامت به لم يكن في الواقع محاولة حقيقية للانتحار فقد اتصلت مستنجدة بصديقة لها قبل ان تفقد الوعي، وكسر الجيران باب شقتها ونقلوها الى المستشفى.
استفاقت اسماء لتجد نفسها محاطة بعيون حائرة تكاد تنطق بسؤال واحد: لماذا؟...لماذا حاولت انهاء حياتك..وهو سؤال لم تملك له اسماء اجابة "كان الجميع حائرا واتصلوا بوالدتي في استراليا وكانت تبكي وظلت هي ايضا تتساءل لماذا، وهذا السؤال طرحته ايضا على نفسي دون اجابة".
لكن كيف وصلت اسماء لهذه اللحظة المظلمة في حياتها؟ لماذا فقدت القدرة على الاستمتاع بحياتها؟ وكيف اعتبرت الموت المخرج المناسب من دوامة آلامها؟ فلنعد الى اواخر الى العام 2019 حين كانت تقيم اسماء في تركيا في ذلك الوقت.
"كنت مع صديقة لي عندما توفيت، وبعد هذه المأساة كان الناس يسألوني هل ستكونين بخير؟ وكنت اعلم انني لن اكون ابدا بخير".
كانت وفاة صديقتها بين يديها الحدث الذي هز عالم اسماء التي حاولت التظاهر بأن كل شيء على ما يرام لكنها كانت على يقين بأنها لن تصمد طويلا امام الالم.
وبدأ كل شيء يتداعى سريعا..فبدأت اسماء تعاني من اعراض "اضطراب ما بعد الصدمة" فتقول "بدأ جسدي بالتعبير عن مشاعري التي كنت احاول اخفيها" لتعيش نوبات فزع بفقد فيها التحكم على جسدها، وانتهى بها المطاف الى المستشفى بحثا عن العلاج.

A woman suffering from depression sat in the corridor and cried. Source: Moment RF
ويقول استشاري اول الامراض النفسية الدكتور سمير ابراهيم إن مريض الاكتئاب يجب الا يقوم بالتظاهر بالسعادة بل عليه طلب المساعدة. ولكن لم يكن طلب المساعدة النفسية خيارا مطروحا امام اسماء في ذلك الوقت، فهي لم تنشأ في بيئة تستوعب أهمية الصحة النفسية وكانت كالكثيرين من ابناء مجتمعها تربط المرض النفسي او العقلي بالجنون.
وعندما داهمتها صدمة وفاة صديقتها بين يديها، لم تكن اسماء مستعدة لهول التجربة والتعامل مع تأثير الحزن والفقد على حياتها مما دفعها نحو حالة الاكتئاب الشديدة
عندما وجدت اسماء نفسها على فراش المستشفى بعد محاولتها انهاء حياتها كان الشعور الطاغي الذي اجتاحها هو الاحساس بالخجل والرعب والاسى وبأنها خيبت امال الكثيرين الذين دعموها طوال حياتها .ولكن وبعد تشخيصها بالاكتئاب قررت اسماء ان تعود الى عائلتها في استراليا وتبدأ رحلة العلاج.
"كان الجميع يعتقد انني اعيش حياة مثيرة وممتعة لذلك كانت حيرتهم كبيرة عندما حاولت الانتحار ولكن اتضحت الامور للجميع عندما تم تشخيصي بالاكتئاب".
مستعينة بفهم افضل لأهمية العناية بصحتها النفسية وبيقين بأنها بالفعل محبوبة وتستحق الافضل وبأن الافكار السوداوية التي كانت تطاردها لا تمت لواقعها بشئ بدأت أسماء رحلة العلاج. ومن سيدني كانت بداية التعافي، وجدت اسماء دعم العائلة وتفاني شقيقتها التي رافقتها اثناء كل زيارة لطبيبها النفسي الذي تحول هو ايضا مع مرور الايام الى صديق مقرب.
وقاد طريق العلاج اسماء في رحلة لاكتشاف الذات وعدم الهروب من مشاعرها ومحاولة فك شفرة احاسيسها والوصول لمنابع البدايات التي كونت شخصيتها "لم اهرب من مشاعري بل فحصتها بدقة لأعرف من اين جاءت"
ومع استعادتها الثقة بنفسها قررت اسماء مواجهة المسكوت عنه في الجالية ومشاركة رحلتها مع العلاج النفسي عبر منصات التواصل الاجتماعي رغم معرفتها بعواقب هذه الخطوة. اعتبرت اسماء ان على شخص ما ان يكسر حاجز الصمت واختارت ان تكون هذا الشخص
"فضلت ان يعرف الناس الحقيقة فأنا على يقين بأن المرض النفسي منتشر في الجالية ولكنه من الامور المسكوت عنها"
ما قامت به أسماء كان كمن القى بحجر على مياه راكدة فحركها وكسف عما يختبئ تحتها...مئات الرسائل الالكترونية من اشخاص شاركوا اسماء تجاربهم: منهم من قال...هذا ما عشته انا...منهم من قال: هكذا مات اخي ولكننا قلنا للجالية انه توفي في حاث سيارة ...وتفاجأت اسماء بكم الرسائل التي وصلتها من استراليا والعالم ...رسائل انتظر اصحابها ان يكسر لهم احدا حواجز الخجل والعار ليعبروا الى الحقيقة.

Source: Supplied / Supplied/AF
لم تكتف اسماء باستعادة شغفها بالسباحة بل قررت تحقيق حلم لطالما ظنته مستحيلا..وهو ان تصبح منقذة حياة محجبة على شواطئ استراليا "كنت اظن ان فكرة منقذة حياة محجبة هي فكرة سخيفة، فلم يحصل ان رأيت واحدة من قبل"
ما اكبر التحول الذي مرت به اسماء...من شابة كانت منذ اشهر قليلة تسعى لإنهاء حياتها، لتصبح اليوم عينا ساهرة على سلامة وحياة الناس على الشواطئ...تحول ملهم لم تقول اسماء انها لم تقم به بغرض الشهرة بل كان جزءا من رحلة تعافيها وفرصة لتحب نفسها من جديد...لتفخر بنفسها من جدي وان تبني احترامها لذاتها من جديد "كنت قبل سنوات على حافة الموت والان انا اجول الشواطئ لأساعد الناس على البقاء على الحياة".
فما الذي تعلمته اسماء من رحلتها مع المرض النفسي وما الذي يمكن ان تقوله لمن يمر اليوم بتجربة مماثلة؟
"طلب المساعدة من الاهل والاصدقاء هي الخطوة الاولى للتعافي مع المرض النفسي، ولا يمكن ان يدفعنا الناس للقيام بها دون إرادتنا فنحن لم نولد ابطالا خارقين لكن يمكننا ان نصبح كذلك اذا حصلنا على المساعدة المطلوبة".
لو عادت بها عقارب الساعة الى الماضي، هل كانت ستقدم على محاولة انهاء حياتها في الخامس عشر من يناير 2019؟ تجيب اسماء " لن أغير اي تجربة مررت بها لان رحلتي قد جلبت لي العيد من الاشياء الايجابية في حياتي..تلك الرحلة التي بدأت من لحظة مظلمة فقدت فيها صديقة مقربة أدت الى اكتشاف ذاتي وغيرت حياتي للأبد".
للاستماع للحوار كاملا، يرجى الضغط على التدوين الصوتي في الأعلى.
إذا كنت أنت أو أي شخص تعرفه بحاجة إلى دعم الصحة العقلية ، فيمكنك الاتصال بخط شريان الحياة على 14 11 13 وخط مساعدة الأطفال على 1800 55 1800.