من المدرسة إلى الجامعة: مرحلة ترقب وتذوق أول طعم للحرية

IMG-20250908-WA0010.jpg

الانتقال من المدرسة الثانوية إلى الجامعة ليس مجرد تغيير في الفصول الدراسية، بل هو محطة مهمة في حياة الانسان. بالنسبة للآباء، تمثل لحظة قلق. أما بالنسبة للشباب، فتجلب هذه المحطة لهم شعورًا مثيرًا بالاستقلالية، وإن كان مخيفًا. هذه الحلقة من بودكاست صوت الشباب تتعمق في المشاعر والتحديات والفرص التي تصاحب هذه المرحلة الانتقالية في حياتهم.


في أستراليا، يُحتفل بالتخرج من المرحلة المدرسية الثانوية بحماس كبير في ما يعرف بالSchoolies، احتفاء بالحصول على شهادة الثانوية العامة (HSC)، وهو احتفال متعارف عليه متأصل في الثقافة الأسترالية.

الشباب العربي، يشارك بهذا النوع من الإحتفالات ولكن هذه المرحلة تتكشف بطرق متنوعة بالنسبة لهم. البعض يتجه مباشرةً إلى الجامعة أو التعليم التقني والمهني، بينما ينغمس آخرون في سوق العمل. وبغض النظر عن المسار الذي يختارونه، تُعتبر هذه المرحلة علامة فارقة وبمثابة مفرق طرق أو نقطة تحول هامة.
ويعرب العديد من الآباء والأمهات من خلفية عربية عن قلقهم إزاء هذه الفترة، بل عن شعورهم بالإرهاق، وهم يشاهدون أطفالهم يخوضون غمار هذا الاستقلال الجديد وعاصفة الاحتفالات التي تُصاحبه.

 في هذه الحلقة من بودكاست Youth Matters أو "صوت الشباب"، نصغي لشباب وشابات من خلفية عربية مرّوا بهذه المرحلة التحوّلية. من خلال حوارات صريحة، يشاركون قصصهم، ويتأملون في تجاربهم، ويكشفون عن المعنى الحقيقي للحرية بالنسبة لهم. بالنسبة للكثيرين، لا يقتصر هذا التحول على النضوج فحسب، بل يتعلق أيضا بتحديد هويتهم ووجهتهم المستقبلية.

نسرين خليفة، شابة من أصول مصرية تبلغ من العمر ١٩ عامًا، وهي تدرس علم النطق Speech Pathology، وحبيب البيطار، شاب من أصول سورية يدرس علوم طبية في الجامعة، كان لكل منهما تجربته الخاصة في هذه المرحلة.

تقول نسرين خليفة: "بالطبع، شعرت بحرية أكبر عندما تخرجت من المرحلة الثانوية، لم أعد أخضع لجدول معين فشعرت بمرونة أكبر..أصبح لدي حرية أكبر في الخروج مع صديقاتي وبما أني نضجت أكثر، وجدت أن أمي وأبي يمكنهما الإعتماد علي أكثر."
IMG-20250908-WA0011(1).jpg
نسرين خليفة مع والدتها منى البدوي Credit: نسرين خليفة
منذ الطفولة، يخضع الأولاد لتعليمات ورعاية الوالدين في المنزل والمعلمين في المدرسة. وعند التخرج من المدرسة الثانوية، عادة ما يكونون في الثامنة عشرة من العمر.

في أستراليا، هذا يعني أن الشاب أو الفتاة يبلغان سن الرشد، وهو سن اختبار أو تجربة أشياء كانت محظورة عليهم بسبب العمر سابقًا، مثل قيادة السيارة أو الخروج في وقت متأخر من الليل.

ولكن نسرين تقول إن الفتيات العربيات تتمسكن ببعض القيود الثقافية بالرغم من بلوغهن سن الرشد، وهكذا سألنا نسرين إذا اضطرت في مرة من المرات أن تبطن الحقيقة وهي تتعامل مع حريتها بعد المدرسة:
"خرجت مع إحدى صديقاتي ذات مرة، كانت هي تقود السيارة وضُعنا في الطريق ما تسبب بتأخرنا ساعتين، لم أقدر أن أفسح عن هذا لأهلي كي لا يقلقوا علينا في المرة القادمة فيحدّوا من حريتنا، فقلت لهم أننا كنا نستمتع بوقتنا مع بعض وتأخرنا."

هذا ويبرز نهج جديد ابتكره الجيل الأسترالي العربي الجديد، وهم يحاولون الموازنة بين الانفتاح المعروف في الثقافة الأسترالية من جهة، والمحافظة على قيم وتقاليد الثقافة العربية من جهة أخرى، ليرسموا مسارًا جديدًا ومفهومًا جديدًا خاصًا بهم.
IMG-20250908-WA0009.jpg
نسرين خليفة مع والدتها منى البدوي ووالدها محمد خليفة. Credit: نسرين خليفة
تحدث حبيب بيطار عن تجربته بعد تخرجه من المدرسة الثانوية قائلا: "بعد تخرجي من البكالوريا، بدأتُ أعتني بنفسي وأذهب إلى النادي الرياضي. بدأتُ أيضا بقراءة المزيد من الكتب التي تُعلّم الشباب كيفية التعامل مع الآخرين، ومع من هم أكبر سنًا. على الشاب أن يضع نمطا جيدا لحياته ويتبعه يوميًا لأن العادات الجيدة تساعدك على المضي قدمًا نحو المستقبل."

لكن الحرية في هذا العمر مصطلح واسع. بالنسبة للشباب الأسترالي، قد تعني بلوغ السن القانونية للسهر، وشرب الكحول، وشراء السجائر، وما شابه. أما بالنسبة للشباب الأستراليين العرب، فقد تعني أمورًا كثيرة، مثل زيادة المسؤولية تجاه الوالدين والإخوة، أو العمل، أو التزام أكبر تجاه الأسرة.

"لم أسهر قط خارج المنزل بدون عائلتي، نسهر بالبيت كعائلة وعندما نخرج نفعل ذلك كعائلة، سواء كان خروجنا الى الكنيسة أو أي مكان آخر، لذا لم أسهر قط خارج البيت بمفردي."

"كل واحد منا لديه من المسؤوليات ما بتناسب مع وضعه وكلما كبُر الإنسان كلما ازدادت مسؤولياته، ولكن الإنسان الذي يسعى وراء حلمه يضع لنفسه أهدافا في حياته وأيضا المزيد من المسؤولية لتحقيقها."

يقول حبيب إن هذه الخيارات نابعة من تعلقه بجذوره وثقافته العربية: "أحيانا كلمة "لا" قد تعني حرية أكبر..العادات والتقاليد ان كانت بالية يمكن أن تضع قيودا حول يديك وإن كانت جيدة فهي الحرية بحد ذاتها."
Resized_IMG-20250905-WA0022.jpeg
حبيب البيطار في حفل التخرج محاطا بأفراد العائلة رائد البيطار، هالة الريشاني، غورجيت الريشان، فارس البيطار، مارينا البيطار، وماري البيطار. Credit: حبيب البيطار
ومن هنا كان السؤال عن الاختلافات الثقافية ومن أبرزها العلاقات العاطفية الشائعة في أستراليا فيما يسبق الخطوبة والزواج.
يرى حبيب أن تلك العلاقات هي عادات غريبة تتعارض تماما مع المفاهيم العربية : "هذا شيء لا يتطابق مع عاداتنا وتقاليدنا. العلاقات الحميمة خارج نطاق الكنيسة والعائلة، أحيانا تؤدي لعادات سيئة عند الإنسان، وهذه العادات تجرّ بعضها البعض، نلاحظ أن 90% من الشباب الذين يتعلقون بعادات سيئة يعلقون في دوامة المزيد منها."

وأضاف حبيب في تعليقه على العلاقات ما قبل الخطبة والزواج: "حتى لو كانت البنت التي تعاشرها صالحة ولكن عندها عادة سيئة واحدة فهذا ليس بجيد لأنها يمكن أن تجرّ المزيد من العادات السيئة معها".

ما هو رأي هذا الجيل الجديد من الشباب الأستراليين العرب في الحرية؟

هكذا اختصر حبيب معنى الحرية: "الحرية تُمكّن الإنسان من فعل ما يشاء، لكنها ليست حريةً بالتحديد، فعندما نتمسك بالتقاليد، نلقى الحرية."
أما بالنسبة لنسرين فالحرية تعني القدرة على صنع قراراتك بنفسك: "بالنسبة لنا كجيل جديد تغير مفهموم الحرية بعض الشيء وبات يعني أن نكون قادرين على صنع قراراتنا بأنفسنا حيث يرشدنا الأهل والكبار ولكن يمنحونا مساحة لنجرب قليلا ونأخذ قراراتنا بأنفسنا ان لم يكن الأمر خطرا أو بالغ الجدية".
Resized_IMG-20250905-WA0021.jpeg
حبيب البيطار مع أفراد العائلة أثناء التخرج. Credit: حبيب البيطار
وأشار أخصائي التأهيل المهني الدكتور ياسر محمد، الذي يعمل مع العديد من الشباب، الى أهمية هذه المرحلة التي يمر بها الشباب: "هذه المرحلة تمثل نوعا من القلق الوجودي للشباب والشابات بحيث يمرون بالعديد من التغيرات وهي بمثابة تقاطع طرق، من الممكن أن يتجه أحدهم في الطريق الخاطىء أو أن يتأثر بمحيط معين."

وبعد أن غصنا في عالم شبابنا ومرحلة ما بعد المدرسة، التي يتمنى الجميع اجتيازها بسلامة وأن تكون بداية جديدة لمستقبلٍ زاهر، يبقى السؤال إذا كانت الحرية سلةً، فماذا تضع فيها من الثقافة العربية وماذا تأخذ عن الثقافة الأسترالية؟
هذه الحلقة من بودكاست صوت الشباب من إعداد جميلة فخري، وأشرفت على الإنتاج مرام إسماعيل.

استمعوا إلى بودكاست صوت الشباب | Youth Matters على موقِعنا الالكتروني وعلى جميعِ منصاتِ البودكاست المفضلةْ لديكُم.

للاستماع إلى أحدث التقارير الصوتية والبودكاست، اضغط على الرابط التالي.

أكملوا الحوار على حساباتنا على فيسبوك SBSArabic24 ومنصة X وانستغرام.

اشتركوا في قناة SBS Arabic على يوتيوب لتشاهدوا أحدث القصص والأخبار الأسترالية.

شارك

تحديثات بالبريد الإلكتروني من أس بي أس عربي

.سجل بريدك الإلكتروني الآن لتصلك الأخبار من أس بي أس عربي باللغة العربية

باشتراكك في هذه الخدمة، أنت توافق على شروط الخدمة وسياسة الخصوصية الخاصة بـ "SBS" بما في ذلك تلقي تحديثات عبر البريد الإلكتروني من SBS

Download our apps
SBS Audio
SBS On Demand

Listen to our podcasts
Independent news and stories connecting you to life in Australia and Arabic-speaking Australians.
Personal journeys of Arab-Australian migrants.
Get the latest with our exclusive in-language podcasts on your favourite podcast apps.

Watch on SBS
Arabic Collection

Arabic Collection

Watch SBS On Demand
من المدرسة إلى الجامعة: مرحلة ترقب وتذوق أول طعم للحرية | SBS Arabic