المعرض الذي حمل عنوان Relics "الأثر" للفنان العراقي النيوزيلندي سامر حاتم، جاء كرحلة تأملية في علاقة الإنسان بما يتركه وراءه، بين الحقيقة التي تتجسد بواقع، والرواية التي تُخترع.
في قاعة PG Gallery في ملبورن، عرض لوحاته التي تتخصص بفن الطباعة (Printmaking)، عرض حاتم مجموعة من أعماله التي تجمع بين التقنية القديمة والتعبير المعاصر، مستخدمًا الألواح المعدنية كمساحات لذاكرة بصرية تتحدث بصمت. عن ذلك يقول: " الطباعة فنّ يستحضر الزمن، كأنك تكتب التاريخ بحبرٍ لا يجفّ".
من النحاس إلى الذاكرة
فن الطباعة الذي يمارسه الفنان سامر حاتم تُستخدم فيه صفائح النحاس أو الزنك للحفر عليها بالأحماض، ثم تُحبّر وتُضغط بورقٍ خاص ليولد أثر جديد في كل نسخة.
لكن في أعماله، لا تقف التقنية عند حدود الحرفة؛ فهي تتحوّل إلى وسيلة تأملية، إلى بحثٍ عن أثر الإنسان في العالم، وعن تلك المسافة الدقيقة بين ما نعتقده حقيقة وما نحكيه كقصة.

سامر حاتم
رغم غياب الرموز الواضحة للعراق في لوحاته – فلا نخلة، ولا نهر، ولا ملامح شرقية صريحة إلا أن العراق يسكن بين الخطوط.
يقول حاتم:
لا أحتاج أن أرسم دجلة والفرات لأشير إلى وطني. العراق حاضر في الأثر، في الذاكرة، في الرمز الذي لا يُرى. هو بلد مرّ بالكوارث لكنه ينهض دائماً.
ولد سامر حاتم في بغداد عام 1964، وتخرّج من معهد الفنون الجميلة في الثمانينيات، قبل أن يغادر العراق مع أسرته عام 1991 إثر حرب الخليج. و قضى فترة في الأردن قبل أن ينتقل إلى نيوزيلندا، حيث أكمل دراسته العليا في جامعة أوكلاند ونال الماجستير في الفنون الجميلة. هناك، أقام معارض عدة محلية ودولية، قبل أن يحمل أعماله إلى أستراليا هذا العام.

إحدى لوحات الفنان سامر حاتم
حين يتحدث سامر عن تجربته، يؤمن بأن الفن لا يحمل هوية ضيقة. يقول:
ليس هناك فن عربي أو غربي. الفن في جوهره لغة عالمية. في تاريخنا العربي لم تكن اللوحة جزءاً من الموروث الفني، بل الزخرفة والخط والمنمنمات. أما نحن اليوم، فنواصل هذا الإرث لكن بروح العصر.
يعتبر سامر أن الفن العربي في المهجر ما زال يسعى لإيجاد صوته، لكنه يرى في هذا التحدي فرصة، لأن الاغتراب – برأيه – يخلق وعياً مختلفاً بالجمال والهوية، ويجعل الفنان يعيش بين ثقافتين، في فضاءٍ ثالثٍ أوسع من الحدود.
Fiona سامر مع صاحبة القاعة السيدة
في معرض "Relics"، تتجلى فلسفة سامر في فكرة بسيطة وعميقة في آنٍ معاً؛ فكل أثر هو وثيقة، لكنه ليس بالضرورة أن يحكي القصة كما كانت. فكما يقول: "أحياناً، الأثر ينسف القصة المتداولة. نحن نفضّل القصة لأنها مريحة، بينما الحقيقة تزعجنا بصمتها.
ربما لهذا السبب يشعر الزائر وهو يتنقل بين أعماله أنه أمام مرآةٍ مموهة، يرى فيها شيئاً من ذاته، من ذاكرته، من تلك الحكايات التي صدّقها يوماً ثم تركها خلفه كأثر.
سامر حاتم مع زوجته الفنانة التشكيلية السيدة لمياء
وجود سامر حاتم في ملبورن لم يكن حدثاً فنياً فحسب، بل كان مساحة لقاء بين ثقافات. فالمدينة التي تعيش على التنوع رحبت بفنان من نوع مختلف، فبين النحاس والحبر والورق، صنع سامر حاتم ذاكرته الخاصة. وفي ملبورن، ترك أثر لا في المعرض وحده، بل في عيون من شاهدوا أعماله. فالأثر الذي يتركه الفن، تمامًا كالحقيقة التي يبحث عنها الإنسان، لا يُرى دائماً لكنه يبقى.
استمعوا لتفاصيل أكثر عن هذا الفن صوتيًا بالضغط على التدوين الصوتي في الأعلى.