أثار قرار القضاء التركي عودة ايا صوفيا مسجداً وفتحه أمام المصلين ردود أفعال متبانية بين من ينظر إلى المسألة كشأن داخلي تركي لا يحق لطرف خارجي التدخل فيه، مقابل من يرى أن القرار ومصادقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عليه ليس سوى عبث بجروح الماضي وسعي لإعادة إحياء أمجاد الدولة العثمانية.
تجدر الإشارة إلى أن آيا صوفيا كانت كاتدرائية بيزنطية مسيحية قبل الفتح العثماني للقسطنينية (اسطنبول حالياً) عام 1453 وتقول الوثائق التركية ان السلطان العثماني محمد الفاتح اشتراها وحولها إلى مسجد مع تشكيك البعض في مصداقية هذه الرواية. وبعد ما يزيد على اربعة قرون على تحولها لمسجد، قررت حكومة مصطفى كمال أتاتورك (مؤسس الجمهورية التركية) متحفاً ثقافياً في عام 1934.
ونقل لنا الصحفي المقيم في اسطنبول زاهر البيك أصداء القرار في الشارع التركي قائلاً: "كان هناك شبه إجماع من القطاعات الشعبية المختلفة، بمجرد صدور قرار المحكمة وقبل توقيع اردوغان على القرار رسميا، احتشد الالاف بجانب مسجد ايا صوفيا وهتفوا لصالح القرار. 99% من الشعب التركي يدين بالاسلام."
وعلى الصعيد الحزبي والسياسي، تعجب البيك من ردود الفعل "الباردة" الصادرة عن أحزاب المعارضة وهو أمر غير مألوف خصوصاً بما يتعلق بقرارات الرئيس التركي: "حزب الشعب الجمهوري الذي يستند إلى أفكار كمال أتاتورك لطالما طالب بإبقاء آيا صوفيا متحفاً ولكن بعد صدور القرار رسمياً، التزم مسؤولو الحزب الصمت."

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان Source: TURKISH PRESIDNET PRESS OFFICE H
الرئيس التركي خلفيته إسلامية والأمر يعنيه روحياً ووصف نفسه اكثر من مرة بأنه حفيد العثمانيين
وفي الوقت الذي عبرت فيه الكنيسة الأرثوذكسية الروسية عن أسفها لعدم إصغاء القضاء التركي إلى ما وصفته بـ "مخاوف ملايين المسيحيين"، عادت الخارجية الروسية لتصدر بياناً أكثر توازناً معتبرة القرار شأناً داخلياً تركياً. أما اليونان المعروفة بمواقفها المعارضة لأردوغان فاعتبرت القرار الأخير "استفزازاً للعالم المتحضر".
وبما أن آيا صوفيا مدرجة على قائمة التراث العالمي، دعت منظمة اليونسكو "السلطات التركية لفتح حوار دون تأخير لتجنب العودة للوراء فيما يتعلق بالقيمة العالمية لذلك الإرث الاستثنائي والذي سيخضع الحفاظ عليه لمراجعة من لجنة التراث العالمي في جلستها المقبلة".
سؤال تبادر إلى أذهان كثيرين عن التوقيت الذي عمد فيه أردوغان إلى المصادقة على القرار، خصوصاً في ظل تورط تركيا في حروب على أكثر من جبهة في ليبيا والعراق وسوريا. ويرى زاهر البيك أن شعبية أردوغان كانت مرتفعة أصلاً في البلاد نظراً لنجاح الحكومة في السيطرة على فيروس كورونا، داحضاً ما تردد عن إقدامه على هذه الخطوة لحشد المزيد من التأييد في الداخل.
ونفى البيك سعي أردوغان إلى أسلمة تركيا بشكل كامل ومحو الهوية العلمانية للبلاد والتي أرسى قواعدها كمال أتاتورك. ولكن في ذات الوقت يرى البيك أن الرئيس التركي يرفض تماماً النموذج العلماني القائم على إقصاء الآخر: " لا يستطيع محو العلمانية ولو كان لديه طموح في ذلك. هو مع العلمانية ولكن ليس العلمانية المتطرفة ذات الحزب الواحد وتلك التي سادت في تركيا سابقاً حيث كان يمنع الحجاب ورفع الآذان وتدريس اللغة العربية."
استمعوا إلى المقابلة مع الصحفي في اسطنبول زاهر البيك في الملف الصوتي المرفق بالصورة.
with AFP



