دقّ البيان الختامي للقمة العربية والإسلامية ناقوس الخطر امام التهديدات الإسرائيلية معتبرًا أن "هذا العدوان على مكان محايد للوساطة لا ينتهك سيادة قطر فحسب، بل يقوّض أيضا عمليات الوساطة وصنع السلام الدولية، وتتحمّل إسرائيل التبعات الكاملة لهذا الاعتداء".
في سياسة الاستجابة الطارئة لا الاستباقية، انعقدت القمة العربية والاسلامية التي خلصت إلى مراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل بعد العملية التي شنّتها إسرائيل في عمق العاصمة القطرية الدوحة لاستهداف المفاوض والوسيط في ضربة واحدة.
استهل الأكاديمي والباحث في المجلس الوطني للعلاقات العربية الأميركية، الدكتور فادي حيلاني مداخلته عبر "صباح الخير استراليا" بالتوقف عند قرارات القمّة العربية والإسلامية معتبرًا ان مخرجاتها لم تكن مفاجئة، إلا أن البعض كان يتمنى لو تضمن البيان الختامي خطوات دبلوماسية واقتصادية واضحة، يمكن للدول العربية والإسلامية اتخاذها في حال استمرار العدوان الإسرائيلي.

الأكاديمي والباحث في المجلس الوطني للعلاقات العربية الأميركية دكتور فادي حيلاني
هو الذي كان يأمل أن تكون هذه المبادرة نابعة من إرادة فاعلة لا مجرد رد فعل، خصوصًا في ظل التحديات الجسيمة التي يشهدها الشرق الأوسط، وعلى رأسها استمرار العدوان على غزة، يرى أن الأزمة باتت أكثر تعقيدًا بعد أن أصبحت قطر الدولة السابعة التي تستهدفها إسرائيل منذ انطلاق أحداث السابع من أكتوبر.
وعن مستقبل الوساطة القطرية في ملف غزة، خاصة بعد استهداف بعض قيادات حماس على أراضيها، يؤكد الحيلاني أن قطر لن تتراجع عن دورها قائلًا:
"رسالة قطر واضحة؛ فهي مستمرة في جهود الوساطة، ولن يؤثر هذا الاستهداف على دورها"،
ما تقوم به قطر ليس لمصلحة إسرائيل أو الولايات المتحدة، بل من أجل وقف الحرب وإنقاذ حياة الأبرياء من أطفال ونساء ورجال فلسطين.
يتابع حيلاني موضحًا:
"يبدو أن إسرائيل من خلال هذا الاستهداف تسعى إلى عرقلة جهود وقف الحرب، وتعطيل مسار تبادل الأسرى، خاصة بعد أن وافقت حماس على شروط رُفضت من قبل إسرائيل بذريعة أنها جاءت متأخرة".
وبالرغم من بشاعة ما جرى في السابع من أكتوبر، يرى د. حيلاني أن إسرائيل استغلت تلك الأحداث كذريعة لشن حرب أودت حتى الآن بحياة ما يقرب من 70 ألف فلسطيني، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء. ويتضح أن إسرائيل تحاول استثمار هذا الوضع لإعادة تشكيل المنطقة بما يخدم مصالحها ويجعلها القوة المهيمنة في الشرق الأوسط قائلًا:
منذ الردّ على هجوم السابع من أكتوبر حتى اللحظة، يبدو تحاول إسرائيل أن تعيد ترتيب المنطقة لتكون هي سيدة هذا الشرق الأوسط
يعوّل حيلاني على الوعي العربي تجاه نوايا إسرائيل متوقفًا عند الموقف المصري ورفضه القاطع لتهجير سكان غزة الذي يبدو أنه لن يكون مؤقتًا بحسب تحليله. تابع موضحًا:
" إسرائيل تريد الاستحواذ على قطاع غزة والمملكة العربية السعودية ايضًا أبدت موقفًا حازمًا، مؤكدة أنها لن تمضي قدمًا في مسار الاتفاقيات الإبراهيمية ما لم يتم التوصل إلى حل حقيقي يقود نحو قيام دولة فلسطينية".
تابع حيلاني:
"من الواضح بأن إسرائيل في ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تمضي باتجاه السلام ولذلك حاول الموقف العربي أن يكون موحدًا اتجاه هذه التحديات الكبيرة"،
ولكن العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية هي مفتاحية لصياغة حل نهائي
إن رفض الحكومة الإسرائيلية لفكرة الدولة الفلسطينية، ومضيها قدمًا في تدمير غزة والتوسع الاستيطاني، خاصة عبر مشروع "E1" الهادف لربط القدس بالضفة الغربية، يعني عمليًا إنهاء أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية ذات سيادة بالنسبة حيلاني.
أما فيما يتعلق بالعلاقة مع تركيا، فيستبعد حيلاني نشوب توتر كبير أو مواجهة عسكرية، رغم التصريحات التصعيدية الأخيرة، خصوصًا بشأن سوريا قائلًا:
"تركيا وإسرائيل قوتان إقليميتان، ولكل منهما مصالح في ترتيبات المنطقة، إلا أن العلاقات الدبلوماسية بينهما ما زالت قائمة، وهناك مصالح مشتركة عديدة، إلى جانب علاقاتهما المتينة بالولايات المتحدة، ما يجعل خيار المواجهة العسكرية أمرًا مستبعدًا".
هذا ووجّه نتنياهو انتقادات لقطر تزامنًا مع انعقاد قمة الدوحة، مشيرًا إلى أن إسرائيل تعيش عزلة اقتصادية بسبب الحرب، رغم الدعم الأمريكي الكامل مشيرًا إلى أن قطر والصين تفرضان "حصارًا" على إسرائيل، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت الصين أو روسيا قادرتين على التأثير في سلوك إسرائيل.
وعن تأثير وجود قوى دولية فاعلة مثل روسيا والصين في خلق توازن في المنطقة، وضبط إيقاع التصعيد، خاصة على الصعيد العسكري، يرى حيلاني أنه وبالرغم من أن العقد الأخير شهد تعزيزًا للعلاقات الاقتصادية بين دول الخليج وكل من روسيا والصين، بهدف تقليص الاعتماد الحصري على الولايات المتحدة، الا أن تأثير بكين وموسكو في الشرق الأوسط يبقى محدودًا نسبيًا، نظرًا للنفوذ الأمريكي الواسع، سيما فيما يتعلق بالعلاقات الأمنية والعسكرية والاقتصادية مع دول الخليج، وكذلك نظرًا للدعم المطلق الذي تحظى به إسرائيل من واشنطن.
هذا ودعا البيان الختامي الذي صدر عن القمة "جميع الدول إلى اتخاذ كافة التدابير القانونية لمنع إسرائيل من مواصلة أعمالها ضد الشعب الفلسطيني، بما في ذلك دعم الجهود الرامية إلى إنهاء إفلاتها من العقاب، ومساءلتها عن انتهاكاتها وجرائمها، وفرض العقوبات عليها، وتعليق تزويدها بالأسلحة والذخائر والمواد العسكرية أو نقلها أو عبورها، ومراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية معها".
وقال أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، خلال أعمال قمة الدوحة، إن الهجوم الإسرائيلي على قطر اعتداء سافر وخطير على سيادة البلاد، مضيفا أن الطرف الذي يقدم على اغتيال من يتفاوض معهم، يريد إفشال المفاوضات مؤكدًا أن قطر عازمة على فعل كل ما يلزم للحفاظ على سيادتها في مواجهة العدوان الإسرائيلي. ودعا أمير قطر إلى ضرورة عدم الاكتفاء بعقد قمة طارئة، بل اتخاذ خطوات ملموسة لمواجهة ما وصفه بحالة جنون القوة التي أصيبت بها حكومة إسرائيل.
عندما تستهدف اسرائيل المفاوض، هل تعلن بذلك رفض المفاوضات وختمها بالشمع الأحمر؟
الإجابة مع د. فادي حيلاني في الملف الصوتيّ أعلاه.