من أديلايد إلى الخليج، ومن الجزر الاصطناعية إلى قاعات الجامعات... رحلة امتدت على خارطة حياة شاب سوري من مدينة السويداء، نسج تفاصيلها القدر وخُطت دروبها بإرادة لا تلين.
في منزلٍ صغير بمدينة أديلايد، وُلد نبال لأب سوري، درس الهندسة الكيميائية في رومانيا، وجاء إلى أستراليا بحثًا عن بداية جديدة. كانت الهجرة أول دروس الحياة؛ كيف تبني بيتًا في أرضٍ غريبة، وتزرع جذورًا جديدة لصبي صغير ولد لوالدين سوريين قررا الهجرة إلى أستراليا لتعيش الأسرة المكونة من أب وأم وطفل وطفلة في تربةٍ لم يألفوها بعد.
كبر نبال على مفترق الثقافات. سوريٌ في وجدانه، أستراليٌ خليجي في نشأته عالمي في طموحه؛ بعدما حملته الحياة، صغيرًا، إلى الدوحة، ثم إلى أبو ظبي، حيث بدأت تتفتح بدايات الوعي والمسؤولية.
على حافة البحر... تنضج الرجولة
بعد تخرّجه من جامعة ملبورن، بكالوريوس العلوم الكيميائية، ثم حصوله على الماجستير في إدارة المشاريع، عاد نبال إلى الخليج، باحثًا عن فرصة بين أمواج قطاع النفط. إذ كان الوضع حينها في ركود. لكنه لم يتراجع.
جاءته الفرصة، في جزيرة اصطناعية نائية وسط البحر. هناك، حيث لا شيء سوى الريح والحديد والماء، عاش فترة من حياته في عزلةٍ شبه تامة مع مئة رجل في مساحةٍ محدودة، وظروف لا تحتمل الضعف.
لكن البحر لا يُهدي رجاله إلا من عرف كيف يصمد في وجه العاصفة. وهناك، على تلك الجزيرة، أثبت نبال أنه أكبر من عمره، وأوسع من موقعه. تقاريره الدقيقة وإخلاصه في العمل وصل إلى آذان الإدارة العليا، ليجد نفسه فجأة في مكتب المدير التنفيذي.
نبال الفقيه على منصة استخراج البترول
ما بين الموجات الصاخبة، ومكاتب الزجاج في المدينة، خطى نبال أولى خطواته نحو صدارة المشهد. التحق بإدارة المشاريع الكبرى، وشارك في إطلاق جزر اصطناعية جديدة، وحصل على منصب مهندس تخطيط مباشر في شركة "أدنوك" النفطية، وهو في بدايات الثلاثين.
لم يكن ذلك المنصب عاديًا، بل كان اعترافًا بكفاءة شابٍ لم يتكئ يومًا على واسطة، ولم ينتظر من يصنع له الطريق. لقد حفر بيديه كل فرصة، وبنى بكل خطوةٍ درجًا إلى الأعلى.
نبال في أدنوك
في قمة المجد المهني، وقف نبال أمام نفسه متسائلًا: ماذا بعد؟ المال واللقب والمكانة... ولكن أين الطمأنينة؟ أين حضن العائلة؟ أين الاستقرار الذي لا تشتريه المناصب؟ فقرر أن يعود.
عاد إلى أستراليا عائدًا بكامل نضجه، بحصاد سنوات الغربة والتجارب. وها هو اليوم يعمل في جامعة موناش العريقة، عاد ليسكن بين أهله وحياة اجتماعية متفاعلة، ويبدأ فصلاً جديدًا من حياته.
في قصة نبال، نقرأ كيف تُصنع الحكمة والصبر والتعامل مع الواقع بذكاء، وكيف تولد الرجولة على أطراف العزلة، وكيف أن كل باب يُغلق، لا يعني النهاية، بل بداية لطريقٍ آخر، ربما أطول... لكنه أجمل.
استمعوا لتفاصيل أكثر عن تجربة المهندس نبال الفقيه في العيش في الجزر الاصطناعية وكيف خرج منها ليعتلي أعلى المناصب، بالضغط على التدوين الصوتي في الأعلى..