عالم العقارات: ارتفاع أسعار النفط وتثبيت الفائدة معادلة تُثقل كاهل الأستراليين وتعيد خلط أوراق الاقتصاد

تعيش أستراليا اليوم مرحلة اقتصادية دقيقة، تتقاطع فيها خطوط النفط والفائدة والتضخم، لتشكل لوحة معقدة تُلقي بظلالها على حياة المواطن اليومية وعلى جيوب الأسر التي تكافح بين الوقود والغذاء والسكن.
spk_0
الكرام، أهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من عالم الاقتصاد والعقارات، مع الخبير الاقتصادي والعقاري يوسف مرتضى. أهلاً وسهلاً بك أستاذ يوسف. تشهد أستراليا هذه الأيام مؤشرات على دخولها مرحلة جديدة في أسعار الوقود، مع تصاعد الاضطرابات في إمدادات النفط الروسية والعالمية، وتزايد التوترات الجيوسياسية التي تهدد برفع الأسعار خلال الأسابيع المقبلة. حدثنا عن هذا الموضوع.
spk_1
هناك عدة عوامل محلية ودولية تلعب دوراً مهماً في هذا الموضوع. لعلّ أبرزها هو سعر النفط الخام عالمياً، إضافة إلى تكاليف الشحن وتكرير النفط، وأيضاً الضرائب والرسوم المفروضة على الوقود. على سبيل المثال، ضريبة الوقود (إكسايز) وضريبة القيمة المضافة في أستراليا تُعدّ من الضرائب المتوسطة مقارنة ببعض الدول الأوروبية.
spk_1
أسعار الوقود داخل محطات البنزين الأسترالية شهدت في عدة مدن رئيسية تذبذباً منتظماً، حيث تنخفض لفترة ثم تعود للارتفاع. العرض والطلب المحلي يلعبان دوراً مهماً أيضاً، إضافة إلى استجابة المحطات لمستوى المنافسة والعروض الترويجية. كما أن التوترات الجيوسياسية واضطرابات التوريد العالمية قد تؤدي إلى ارتفاع مفاجئ في أسعار النفط، وبالتالي في أسعار الوقود.
spk_1
لذلك، حتى لو انخفضت أسعار النفط عالمياً، فإن العوامل المحلية تجعل من لحظة انعكاس هذا الانخفاض على الأسعار التي يدفعها المستهلك أو السائق أمراً متأخراً أو قد لا يحدث بالكامل.
spk_0
أستاذ يوسف، كخبير اقتصادي، ماذا تقول أحدث البيانات عن أسعار الوقود في أستراليا؟ وما هي التوقعات برأيك ووفقاً للتقارير؟
spk_1
أحدث التقارير تشير إلى أن بعض الانخفاضات بدأت تظهر فعلاً في بعض الولايات والمدن، ولكن ليس بشكل شامل أو ثابت. على سبيل المثال، وفقاً لتحليل اطّلعنا عليه، يمكن أن تصل الانخفاضات إلى ما دون سنت واحد للّتر في بعض المدن إذا استمرت أسعار الجملة في الهبوط. لكن في المقابل، هناك تحذيرات من أن الأزمات والتوترات العالمية قد تدفع الأسعار إلى الارتفاع مجدداً، ما يزيد العبء على المستهلكين.
spk_1
والواقع أن نقطة التحول قد لا تكون انخفاضاً مستمراً، بل توقف الانخفاض وتحوله إلى احتمال ارتفاع جديد. وهذا ما يجب أن يفهمه المستهلك. فأسعار الوقود قد تبقى مرتفعة لفترة أطول، أو قد تعاود الصعود إذا تحققت عوامل الضغط. لذلك على السائق الأسترالي أن يستعد لهذا الاحتمال.
spk_0
أستاذ يوسف، كيف تؤثر بنظرك أسعار الوقود المرتفعة أو المتقلبة — كما يُقال — على الأسر الأسترالية، وبالتالي على معيشة المواطنين؟
spk_1
الوقود يشكّل تكلفة أساسية للتنقّل والعمل، وعندما يرتفع سعره ينخفض الدخل المتاح لبقية المصاريف مثل الطعام والخدمات والتعليم والترفيه. وفي المناطق الريفية، يكون العبء أكبر لأن التنقّل هناك ليس خياراً بل ضرورة يومية.
spk_1
من جهة أخرى، ارتفاع أسعار الوقود يدفع التضخم في بعض القطاعات، فتكاليف النقل تؤثر على أسعار البضائع والخدمات، ما يجعل التضخم العام يرتفع أو يتباطأ انخفاضه. قد يظنّ المستهلك أن زيادة بسيطة عند المضخة لا تؤثر كثيراً، لكنها في الحقيقة تقلل من قدرته الشرائية، وتؤثر على سلوك الإنفاق والادخار والاستثمار الشخصي.
spk_1
في المجمل، الوقود ليس مجرد مادة استهلاكية، بل مؤشر رئيسي في تكاليف المعيشة. لذلك، أي تقلب في أسعاره يُعتبر مؤشراً كبيراً على الحالة الاقتصادية العامة.
spk_0
بناءً على كلامك أستاذ يوسف، إلى جانب أسعار الوقود، ما هي الضغوط الأخرى التي اعترفت بها الحكومة الأسترالية بأنها تؤثر على الأسر؟ وكيف تتعامل معها الحكومة؟
spk_1
الحكومة الفدرالية، وخصوصاً وزير الخزانة جيم تشالمرز، اعترف بأن الأسر لا تزال تحت ضغط تكاليف المعيشة، رغم بعض بوادر التحسّن. وقال: "نحن نعلم أن الناس ما زالوا تحت الضغط، ولا يزال أمامنا عمل نقوم به." ومن بين هذه الضغوط: التضخم المرتفع أو المستمر في بعض البنود، وارتفاع تكاليف الطاقة — أي الكهرباء والغاز — إضافة إلى تكاليف المساكن والإيجارات.
spk_1
وتشمل الاستجابة الحكومية تخفيضات ضريبية، وبرامج لدعم الأسر ذات الدخل المنخفض، وتحفيز مشاريع البناء والإسكان لتخفيف ضغط الإيجارات، إلى جانب محاولات لضبط أسعار الطاقة قدر الإمكان.
spk_0
أستاذ يوسف، ما العلاقة بين الضغوط الناتجة عن أسعار الوقود والتضخم العام؟ وهل هناك مخاطر اقتصادية أكبر؟
spk_1
نعم، هناك علاقة واضحة. ارتفاع أسعار الوقود يزيد من تكلفة النقل والبضائع والخدمات، مما يدفع التضخم العام للارتفاع، وهذا بدوره يدفع إلى رفع أسعار الفائدة أو يبطئ النمو الاقتصادي. فزيادة في أسعار النفط الخام مثلاً قد تؤدي إلى ارتفاع سعر البنزين بنحو 25 سنتاً للّتر، وهو ما يُعتبر صدمة للاقتصاد الأسترالي.
spk_1
ومن جهة المخاطر، إذا ارتفع التضخم مجدداً، فقد يضطر بنك الاحتياطي الأسترالي إلى رفع سعر الفائدة أو إبقائه مرتفعاً، ما يزيد من تكاليف الاقتراض ويثقل كاهل الشركات والأفراد. وإذا انخفض الطلب بسبب ارتفاع التكاليف، فقد يتباطأ النمو الاقتصادي أو نشهد ركوداً بسيطاً.
spk_1
كما أن ارتفاع تكاليف الوقود يزيد الفجوة بين الدخل المتاح واحتياجات الأسر، ما يقلل من الإنفاق والاستهلاك، ويؤثر بالتالي في نشاط القطاع الخاص.
spk_0
أستاذ يوسف، ذكرت أن ارتفاع الأسعار يؤثر على قرارات مصرف الاحتياط الأسترالي، وقد أعلن المصرف فعلاً أمس إبقاء سعر الفائدة عند مستوى ثابت خلال الاجتماع الأخير، رغم الضغوط على المستهلكين. كيف تفسّر هذا القرار؟
spk_1
مصرف الاحتياطي الأسترالي رأى أن الضغوط التضخمية في الاقتصاد أصبحت أوضح مما كان متوقعاً، خصوصاً مع صعود معدل التضخم الأساسي إلى نحو 3% سنوياً في الربع الأخير، رغم انخفاضه من ذروته السابقة. بمعنى آخر، كان هناك تخوّف من أن خفض الفائدة الآن قد يزيد الطلب في الاقتصاد ويُضعف السيطرة على التضخم. لذلك اختار المصرف التريّث، ورأى أن الأولوية حالياً هي استقرار الأسعار، حتى لو كانت بعض الأسر تعاني من ضغوط مالية بسبب تكاليف المعيشة والرهون العقارية.
spk_1
أما بالنسبة لتأثير القرار على السوق العقارية، فقد أشار المصرف إلى أن أسعار المنازل والإيجارات من المرجح أن ترتفع خلال العام المقبل، بفعل تزايد الطلب وتحسّن النشاط الاقتصادي وضعف الإنتاج السكني. كما ذكر أن هذا الطلب سيزيد من الضغوط التضخمية في قطاع البناء ومواد التشييد، مما قد يؤخّر أي خفض محتمل للفائدة، ويجعل التملك أو الاستثمار العقاري أقل جاذبية على المدى القصير.
spk_0
أستاذ يوسف، على ضوء ذلك، كيف ترى تأثير هذا القرار على قطاع الاستثمار العقاري في أستراليا؟ وما هي الاستراتيجية الأنسب للمستثمرين اليوم؟
spk_1
القطاع العقاري سيواجه مزيجاً من العوامل. فمن جهة، انخفاض تكلفة الاقتراض في النصف الأول من العام شجّع بعض المستثمرين على دخول السوق. ومن جهة أخرى، رفع المصرف توقعاته للتضخم يعني أن العوائد الإيجارية قد ترتفع، لكن المخاطر أيضاً تزداد. فعندما تكون التكلفة التمويلية مرتفعة، يتقلّص صافي العائد للمستثمر ما لم ترتفع الإيجارات أو قيم العقارات بسرعة كافية.
spk_1
الاستراتيجية الأنسب حالياً هي التركيز على العقارات التي تحقق تدفقات نقدية مستقرة — أي إيجارات قوية وطلب متزايد — وتجنّب الاعتماد الكبير على توقعات خفض الفائدة في المدى القريب. كما يُنصح بالنظر في السداد المبكر، أو استخدام حسابات Offset لتقليل الأثر المالي، ومراقبة التشريعات المتعلقة بسوق الإيجارات لأنها قد تؤثر على الربحية مستقبلاً.
spk_0
وفي نهاية هذا البودكاست، نود أن ننوّه لمستمعينا بأن المعلومات الواردة هي لأغراض الاسترشاد العام فقط، وفي حال الرغبة بالحصول على استشارة خاصة، يُنصح بالتوجّه إلى المختصين. كل الشكر للخبير الاقتصادي والعقاري يوسف مرتضى على هذه المعلومات القيمة. شكراً جزيلاً لك أستاذ يوسف.










