في الثالث والعشرين من يوليو تموز العام 2018، اندلعت سلسلة من حرائق الغابات على السواحل الجنوبية الشرقية لليونان. تركزت الحرائق في مقاطعة أتيكا والتي تضم العاصمة أثينا، وساعدت الرياح والحرارة الشديدة على انتشارها لتصبح أسوأ حرائق غابات في تاريخ اليونان. الحرائق التي سميت "حرائق أتيكا" هي ثاني أسوأ حرائق غابات في القرن الواحد والعشرين بعد حرائق السبت الأسود في أستراليا والتي راح ضحيتها 180 شخصا عام 2009.
قُتل مائة شخص جراء "حرائق أتيكا" وأعلنت الحكومة اليونانية حالة الطوارئ والحداد العام لثلاثة أيام، ووصفها رئيس الوزراء اليوناني أليكسس تسيبراس أنها "مأساة لا توصف."
في تلك الأجواء الصعبة، برزت قصص التضامن والتضحية والتي كان أبرزها جهود الإنقاذ التي قام بها ثلاثة مهاجرين، مصريان وألباني. قاد محمود موسى وعماد الخيمي وجاني تشاكا جهود الإنقاذ الأهلية في المناطق التي كانت في عين العاصفة وقت الحرائق.
المصري محمود موسى أنقذ 73 شخصا وأربعة كلاب من الغرق والاختناق
SBS Arabic24 تحدثت مع محمود موسى البالغ من العمر 46 عاما والذي يعمل صيادا في بلدة ماتي، أحد أكثر البلدات تضررا من الحرائق.
محمود شرح ردة فعله عند اندلاع الحرائق في بلدته "بمجرد علمي أن بعض سكان البلدة فروا من الحرائق وألقوا بأنفسهم في البحر، أخذت مركبي مباشرة وكنت أول الواصلين لإنقاذ هؤلاء الناس." يتذكر محمود عملية الإنقاذ الجرئية "أنقذت 73 شخصا وأربعة كلاب على دفعتين."
انضمت لجهود الإنقاذ لاحقا قوات البحرية اليونانية وصيادون آخرون، يقول محمود "أخذت في أول مرة 23 شخصا وأربعة كلاب كانوا في أمس الحاجة للمساعدة ونقلتهم إلى البر، ثم عدت مجددا لالتقاط 50 شخصا آخرين."

محمود موسى على الصفحة الرئيسية لجريديتين يونانيتين وأثناء لقاء تليفزيوني في اليونان Source: Supplied
يصف محمود الأجواء التي تمت فيها عملية الإنقاذ بالجحيم، فالحرائق مشتعلة على البر والدخان يملأ السماء، والذين فروا إلى البحر معرضون للاختناق والغرق. هذه الأجواء تابعها اليونانيون بالتفاصيل من خلال هاتف محمود "نقلت كل شئ على البث المباشر عبر صفحتي على فيسبوك، وتفاعل معه الكثير من أصدقائي اليونانيين والمصريين."
سافر محمود من مسقط راسه في محافظة دمياط الساحلية شمالي مصر إلى اليونان قبل 30 عاما. كان عمره وقتها لا يتجاوز 16 عاما، لكن سفره لم يكن أمرا استثنائيا حيث دأب سكان بلدته على السفر إلى اليونان التي يشاركونها حوض البحر المتوسط للعمل في الصيد "الصيادون في بلدتي يذهبون للعمل في اليونان من قبل أن أذهب أنا بعشرين عاما."
ماتي التي قضى فيها محمود أغلب وقته في اليونان كانت بؤرة الحرائق. وبعد السيطرة على الوضع تواصل معه نائب عن منطقته وقال له إن رئيس الوزراء أليكسس تسيبراس يرغب في لقاءه ليشكره بنفسه "قابلت تسيبراس بالفعل، وشكرنا على جهود الإنقاذ، أنا لم أكن الوحيد الذي ساهم في الإنقاذ، وقال لنا إن أقل شئ يمكن أن يقدمه لنا هو الجنسية اليونانية."

صورة مجمعة: محمود موسى على مراكب صيد تعمل على سواحل اليونان في شبابه Source: Mahmoud Moussa
تلقى محمود موسى دعوة لتناول عشاء رأس السنة مع رئيس الوزراء وزوجته. ضم العشاء أيضا المصري عماد الخيمي والألباني جاني تشاكا. وبعد يومين التقى الثلاثي بالرئيس اليوناني بروكوبيس بافلوبولوس في القصر الرئاسي حيث كرمهم ومنحهم الجنسية، محمود يتذكر بعاطفة كبيرة الكلمة التي ألقاها الرئيس أثناء التكريم "الرئيس ألقى كلمة جميلة جدا، وقال إن اليونان دولة وشعبا مدينة لنا."
تحكم اليونان حركة سيريزا اليسارية منذ عام 2015. وتزامن صعود الحركة مع موجة غير مسبوقة من الهجرة وطلب اللجوء إلى أوروبا.

محمود موسى (يمين) أثناء تكريمه من الرئيس اليوناني (الثاني من اليسار) صحبة المصري عماد الخيمي والألباني جاني تشاكا Source: Supplied
اليونان تعد نقطة رئيسية لوصول الهجرة غير المنتظمة إلى الاتحاد الأوروبي عبر البحر المتوسط، وتكافح أثينا من أجل التعامل مع الأعداد الكبيرة للمهاجرين على أراضيها حيث تضعهم في مخيمات مزدحمة ومراكز احتجاز.
الجنسية مُنحت لنا كهدية على عمل جيد قمنا به، هي مهمة بالطبع لكن الأهم هو جوهر هذه الجنسية
العام الماضي شهد اشتباكات بين السكان والمهاجرين في جزيرة ليسبوس بسبب تدني الظروف المعيشية وتوجيه اللوم للمهاجرين الذين تكتظ بهم الجزيرة.
استغل الرئيس تكريم المهاجرين الثلاثة لانتقاد الخطاب المعادي للمهاجرين المتنامي في أوروبا حيث قال موجها حديثه لهم "ما فعلتموه يثبت أن الإنسانية والتضامن يتعلقان بالروح وليس بالجنسية."
بافلوبولوس قال إن الجنسية اليونانية جعلتهم أوروبيين مضيفا "ربما يمكنكم أن تعلموا بعض شركاءنا الأوروبيين الذين لا يفهمون قيم أوروبا."
محمود أعرب عن سعادته لحصوله على الجنسية لكنه أكد أن ما يهم هو كيف حصل عليها "الجنسية مُنحت لنا كهدية على عمل جيد قمنا به، هي مهمة بالطبع لكن الأهم هو ما تعنيه." واستطرد محمود "المهم هو جوهر هذه الجنسية."

المهاجرون في جزيرة ليسبوس اليونانية يتفاوضون مع شرطة مكافحة الشغب بعد احتجاجات في مخيم موريا Source: EPA/STRATIS BALASKAS
أصبح محمود بطلا محليا في بلدته ماتي "أحيانا أدخل مطعم أو مكان، ويرفضون أن أدفع، والبعض يطلب أن يلتقط صور معي." حتى أن شهرته تجاوزت بلدته إلى العاصمة أثينا، ففي أحد المرات تعرف عليه سائق تاكسي هناك "التفت لي وسألني: أنت محمود مسافر."
يضحك محمود ويضيف "أسمي على الفيسبوك هكذا، محمود مسافر، حتى أن بعض وسائل الإعلام في البداية كانوا ينقلون أسمي بهذه الصيغة."
وانتهى تحقيق الحكومة اليونانية إلى أن الحرائق بدأها مهووسون بإشعال الحرائق وساعد على انتشارها الرياح الشديدة والحرارة.
استمعوا لقصة محمود موسى على لسانه في الرابط أعلاه