لم ينحسر الدخان الأسود عن سماء بيروت بعد، ولم تستطع سواعد شباب وشابات لبنان الذين هبوا لتنظيف مدينتهم محو الرماد الذي خلفه الانفجار الكبير في القلوب.
وما زاد من سواد الصورة، نعوش "بمعظمها بيضاء" جابت شوارع العاصمة للوداع الأخير، فيما أخرى تنتظر أصحابها الذين لا يزالون تحت الأنقاد بعد أكثر من خمسة أيام على ذلك اليوم الذي غيّر وجه المدينة.
165 (مئة وخمسة وستون) قتيلاً على الأقل، أكثر من خمسة آلاف جريح، نحو ثلث مليون مشرد، عشرات الآلاف من البيون والمؤسسات المدمرة في حصيلة غير نهائية بعد للأضرار.
أصغر الضحايا كان الطفل الأسترالي الذي لم يتعد عمره السنتين والذي كشفت السلطات عن هويته مساء السبت. عائلة آيزاك عبرت عن حزنها العميق شاكرة كل من قدم لها الدعم وطالبة من وسائل الإعلام احترام خصوصية العائلة خلال هذه الظروف.

Isaac Oehlers Source: Supplied
الجالية اللبنانية في أستراليا أيضاً فجعت بفقدان بعض العائلات لمقربين لها، فاجتمعتللصلاة عن راحة أنفسهم في قداس من أجل ضحايا الكارثة ترَأَسَه سيادة المطران أنطوان شربل طربيه مساء السبت في كاتدرائية سيدة لبنان في هاريس بارك.
في تلك الأثناء، كان اللبنانيون يعبرون عن غضبهم بالنزول إلى وسط العاصمة حيث اقتحموا عددا من الوزارات حارقين صوراً لرئيس الجمهورية وذلك بعد أن فشلوا بالدخول إلى مبنى البرلمان. التحرك الذي كان تحت عنوان "علقوا المشانق" جوبه من قبل الآلاف من عناصر الجيش والقوى الأمنية التي دخلت في مواجهات مع المتظاهرين أسفرت عن سقوط عشرات الجرحى ومقتل أحد عناصر القوى الأمنية.
وفي وقت تصاعدت الأصوات المطالبة برحيل جميع مكونات السلطة، اكتفى رئيس الحكومة حسان دياب بالإعلان عن انتخابات مبكرة في حين عاد وأعلن عدد من الوزراء في حكومته عن استقالتهم إضافة إلى سبعة نواب استقالوا أيضا من البرلمان.

A soldier stands at the devastated site of the explosion in the port of Beirut, Lebanon, 06 August 2020. Source: AP
في حديث مع أس بي أس عربي 24 اعتبر رئيس تحرير موقع njoum5 الصحافي الدكتور سامي كليب أن "الحكومة عملياً انتهت فاستقالة وزراء مساء أمس سيليها حتماً استقالات أخرى اليوم" مرجحاً أن لبنان متجه لتشكيل حكومة جديدة بدعم فرنسي يترافق مع ضوء أخضر أميركي.
وأشار كليب أنه "لا يمكن التفكير بتركيبة سياسية جديدة من دون تغيير قانون الانتخاب" مطالباً بقاونون انتخابي على أساس لبنان دائرة واحدة مع نسبية فالقوانين الحالية هي برأيه "جميعها لصالح ولخدمة السلطة الحالية لذا من الصعب توقع تغيير حقيقي في ظل هذا القانون حتى ولو تمت انتخابات نيابية مبكرة".
وكانت السلطات قد أوقفت عدة أشخاص للتحقيق في قضية تفجير المرفأ أبرزهم المدير العام الحالي للجمارك اللبنانية بدري ضاهر و المدير السابق شفيق مرعي إضافة إلى مدير مرفأ بيروت حسن قريطم.
كليب اعتبر أن استجواب هؤلاء سيؤدي إلى فضح معلومات كثيرة قد تدين العديد من كبار المسؤولين: "ولكن السؤال هو كيف ستتم محاكمة هؤلاء؟ أعتقد أننا قد نذهب لمحاكمة صف ثاني أو ثالث من المسؤولين ثم فيما بعد ستلفلف هذه القضية لذلك هناك ضغوطات حالية تطالب بإشراك جزء من المجتمع الدولي في هذه المحاكمة".

الإعلامي والصحافي الدكتور سامي كليب Source: FB
تأتي تلك التطورات إثر زيارة قام بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لتفقد موقع الكارثة وتقديم الدعم للبنانيين في اليوم التالي للانفجار. فنزل إلى الشوارع وتحدث مع الناس الذين رحبوا به بحرارة مشتكين مما وصلت إليه الأمور في بلدهم حتى إن البعض ذهب لحد أن يطلب منه عودة الاستعمار الفرنسي على لبنان. طلب أثار استغراب ماكرون نفسه الذي دعا اللبنانيين إلى التمسك بسيادتهم بالرغم من كل الظروف مشددا دعوة فرنسا إلى إجراء تحقيق دولي في الانفجار الذي قضى على قلب العاصمة بيروت.
وفي هذا الإطار قال كليب: "لا يوجد انسان لديه ذرة من الكرامة أو الشرف يقبل استعمار أي دولة على وطنه غير أن اليأس والقرف وصل عند بعض الناس إلى حد مطالبة أي كان باستلام زمام الأمور وانقاذهم من السلطة الحالية والأزمة التي هم فيها فلو كنا لا نوافق مع هذه المطالبات غير أننا نفهمها إذا نظرنا إلى حجم الكوارث التي حلت بالوطن".

French President Emmanuel Macron (C) visits the devastated site of the explosion at the port of Beirut, Lebanon, 06 August 2020. Source: AP
وفي إطار تأكيده على مساندة المجتمع الدولي للشعب اللبناني دعا ماكرون إلى مؤتمر دولي لدعم لبنان عقد مساء أمس وشاركت فيه عدة دول منها الولايات المتحدة وأستراليا بشخص رئيس وزرائها سكوت موريسون الذي طمأن اللبنانيين أن المساعدات التي أرسلتها بلاده لن تصل إلى أيدي المسؤولين في الحكومة بل إلى الجمعيات المعنية. موريسون أكد خلال المؤتمر على الروابط القوية بين لبنان وأستراليا وأعلن زيادة الدعم الأسترالي من مليونين إلى 5 ملايين دولار مشيراً استعداد حكومته لتقديم المزيد من المساعدات عند الطلب في وقت بلغ اجمالي المبالغ التي ستقدم للبنان 250 مليون يورو.
الصحافي سامي كليب رحب بالمؤتمر معتبراً أنه كان حاجة ضرورية ورأى أن الحادثة المروعة فكت بالفعل الأسر عن لبنان بحيث أنها "أحدثت لحظة عاطفية كبرى جعلت المجتمع الدولي يشعر أن هناك بلد يضيع لكن المؤسف أن هذه الهجمة الدولية الايجابية باتجاه لبنان يقابلها شرخ سياسي مستمر في التعمق رغم كل المآسي الحاصلة".





