أكّد الخبير في شؤون السياسة الخارجية الأميركية والمستشار السابق للرئيس دونالد ترامب الدكتور وليد فارس، ان ما يشاهده العالم اليوم على شاشات التلفزة العالمية في الولايات المتحدة هو أمر واقعي، مشدّدًا على أن البلاد تعيش أزمة لطالما كانت تعاني منها في علاقة رجال الشرطة مع فئة معيّنة من المجتمع.
وفي حديث مع أس بي أس عربي 24، لفت فارس إلى أهمّية دور الإعلام في نقل الصورة الحقيقية لما يحصل، بالإضافة إلى المطالب التي تنادي بها مختلف فئات المجتمع الأميركي، وليس فقط تسليط الضوء على مطالب فئة واحدة من المجتمع، وقال: "ما يُزعج المواطن الأميركي اليوم ليس التظاهرات بحدّ ذاتها، فالتظاهرات أمر طبيعي في الدول الديمقراطية، ولكن ما نشهده من استمرار الإعتداءات على المحلات التجارية وعلى أمن المواطنين هو المهمّ".

المستشار السابق في حملة الرئيس دونالد ترامب الدكتور وليد فارس Source: Twitter
ولم يتراجع بعد حجم الغضب الشعبي الذي عمّ الولايات المتحدة عقب مقتل المواطن الأميركي من أصول أفريقية جورج فلويد، اختناقاً تحت ركبة شرطي، إذ استمرت التظاهرات لليلة الثامنة على التوالي في مختلف أنحاء البلاد، في وقت تتخذ بعض هذه التحركات طابعاً عنيفاً.
وأشار الدكتور وليد فارس إلى ضرورة أن تعي وسائل الإعلام العالمية، أن هناك ثلاثة مكونات أساسية لما يجري على الساحة الأميركية من تحركات شعبية: "المكون الأول، وهو الأكبر، يضمّ المتظاهرين المحتجين على ما يحصل، وهم يطالبون بإصلاحات معيّنة، وهي ليست بجديدة. فهذه الحوادث ومثيلاتها تحصل في الولايات المتحدة منذ ستينات القرن الماضي، لكنّ الفارق اليوم هو أنّه وللمرة الأولى نرى تظاهرات في هذا الحجم الكبير وفي هذا العدد من الولايات والمدن، وهي تترافق مع أعمال عنف غير مسبوقة".
وأضاف فارس: "المكوّن الثاني، يتألف من مجموعات Antifa الذي يُعتبر تنظيما راديكاليا، ويعتبره البعض أنّه من اليسار المتشدّد، مع ملاحظاتي الأكاديمية عليه على أنّه يقترب من الفوضوية أكثر منه من اليسار. أمّا المكون الثالث، ويتألف من الأشخاص الذي يستفيدون من هكذا أوضاع غير مستقرّة من أجل السرقة، وهم معروفون بأنّهم ينتظرون هكذا حوادث، أكانت من اليمين أو من اليسار، لممارسة أعمال السرقة."

Source: AP
وعن الإنتقادات بشأن تأخّر السلطات الأميركية في إيجاد حلول للتمييز العنصري في البلاد، شدّد المستشار الأميركي على أنّ هذا الموضوع شائك ولا يمكن إيجاد حلول له خلال فترة رئاسية محددة، لافتًا إلى ضرورة الإستفادة من هكذا هزات، لمساعدة الرأي العام على التركيز على أهمّية إيجاد حلول لهذا التمييز، والعمل على سنّ قوانين جديدة بهذا الشأن، وقال: "لا بدّ من أن أذكّر أنه، حتى الرئيس الأميركي الأول من أصول أفريقية باراك أوباما، اعترف عند انتهاء ولايته الثانية بعد ثماني سنوات من سكنه في البيت الأبيض، أنّه لم يستطع حلّ جميع المشاكل. لذلكّ أشدّد على دور الجامعات والمناهج والوعي الإجتماعي المتصاعد لتغيير هذا الوضع وهذه المعضلة الكبيرة".
وفي حين أشار بعض المحللين إلى إمكانية وقوف الحزب الديمقراطي - المعارض الشرس لسياسة الرئيس دونالد ترامب - وراء تأجيج هذه الإحتجاجات واستثمارها سياسيًا للإنتخابات الرئاسية المقبلة في تشرين الثاني/ نوفمبر ، كشف فارس أن طريقة العمل في السياسة الداخلية الأميركية مغايرة لهذا التحليل: "بالرغم من اشتداد المنافسة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي واستعمال كل الوسائل السلمية تاريخيًا في مواجهاتهما الدائمة، ولكن عند وصول الخطر إلى الإقتصاد القومي، نرى دائمًا أن هناك محاولة من الطرفَين للتعاون في سبيل تهدئة الأمور والإستقرار"، مضيفًا: "اللعبة اليوم أصبحت أكبر من قيادتَي الحزبَين إلى حدّ ما، فبعد تخطّي عدد المتوفين بفيروس كورونا المئة ألف في البلاد، وفي وقت لا نزال نسعى لمعالجة آثار الأزمة التي خلّفها انتشار هذا الوباء، أتتنا اليوم هذه الحوادث لتزيد الأمور سوءًا"، لافتًا إلى أن "الحزب الديمقراطي قد يكون المتضرر الأكبر إقتصاديًا، بالرغم من أن آلته السياسية والإعلامية هي أكبر وأقوى حيث أن 90 بالمئة من وسائل الإعلام تؤيّد سياسته".
وبالرغم من الأزمات المتتالية إلا أن فارس يأمل بأن يتمكن ترامب وإدارته من تجاوزها والفوز مجددا في الانتخابات: "إذا تمكّن الرئيس أن يخرج من هذه الأزمة بأقل ضرر ممكن، وأن يعيد الأمن إلى الشوارع، وإذا استطاع إرسال الدعم المالي الأسبوعي للعائلات في أيلول/سبتمبر المقبل، فستكون حظوظه الرئاسية جيّدة وستكون الأمور سيئة فعلًا بالنسبة للديمقراطيين. أمّا إذا تمكّن الحزب الديمقراطي من اكتشاف الأخطاء السياسية لهذه الإدارة والإضاءة عليها أمام الرأي العام قبل أيلول المقبل، فإنّ حظوظ الديمقراطيين الرئاسية ستكون أكبر من الآن. ولا بد من التذكير أن المعارضة يهمّها دائمًا الإستقرار السياسي بعكس من هو في السلطة".
وعن توجيه أصابع الإتهام إلى جهات خارجية في تحريك الشارع الأميركي ودور روسي محتمل، أكّد فارس أن هذه النظريات لا أساس لها من الصحة: "من وجهة نظري، لا أعتقد أن روسيا تملك القدرة على تحريك الساحة الأميركية وبهذا الشكل. بالطبع كان هناك شكوك بتدخلات روسية معيّنة في وقتٍ سابق، ولكن هل من المنطق يقول أن عشرين أو ثلاثين موقعًا وحسابًا إلكترونيًا يحركون المجتمع الأميركي؟ هذا المجتمع هائل وغني بتعدده، فنحن نتكلّم عن 340 مليون شخص، ولا أعتقد أن هذه الإتهامات في محلها".

Protesters are detained by the police in Minneapolis on Sunday, May 31, 2020. Source: Victor J. Blue/The New York Times
اقرأ المزيد

كل ما نعرفه عن الاحتجاجات الأمريكية حتى الآن
وفي وقت يتعرّض عدد من الصحافيين للإعتقال والإعتداء من قبل الشرطة الأميركية، وكان آخرها الإعتداء على طاقم صحافي أسترالي من القناة السابعة حين كان يغّطي الحوادث في العاصمة واشنطن، أسف فارس لهكذا تصرّفات، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن الواقع على الأرض قد لا يكون دائمًا منسجمًا بالكامل مع ما هو منصوص في الكتب، مشدّدً على أن الولايات المتحدة هي دولة ديمقراطية وعليها أن تضمن الأمن والحريّة للأفراد، وخصوصًا للإعلاميين: "حتّى في أكثر البلدان الديمقراطية حول العالم كفرنسا، رأينا كيف تعامل رجال الأمن مع متظاهري السترات الصفراء حيث لم تخلُ الصدامات من التعرّض أيضًا للصحافيين الذين تمّ نقلهم للمستشفيات. للأسف فإنّ الواقع على الأرض اليوم مغاير لما هو موجود في الكتب ويُدرّس في المعاهد والجامعات"، معتبرًا في الوقت نفسه "أنّه لا يمكن تشبيه ما يحصل من عنف في الولايات المتحدة، بما تشهده الساحات في تركيا وسوريا وبلدان أخرى، أو حتّى الصين حيث ليس هناك من حرّية أصلًا".
استمعوا إلى المقابلة مع مستشار ترامب السابق الدكتور وليد فارس في التدوين الصوتي.