العقوبات الأوروبية تشعل السوق العالمية
تسبّبت العقوبات الأوروبية المشددة مؤخرًا على النفط الروسي في هزّ الأسواق العالمية مجدداً، ما ينذر بانعكاسات مباشرة على السائقين الأستراليين وعلى تكاليف السلع والخدمات.
فقد ارتفع معدل التضخم الأسترالي بنسبة 1.3% خلال الربع المنتهي في أيلول/ سبتمبر، وبنسبة 3.2% خلال العام، في أول ارتفاع جوهري منذ أواخر عام 2022 حين أشعل الغزو الروسي لأوكرانيا موجة تضخمية عالمية.
ويؤكد الخبراء أنّ تكاليف الطاقة والنقل ما تزال المحركين الرئيسيين للتضخم في البلاد.
سفن "الأسطول الخفي" الروسي تظهر في سلاسل الإمداد
بيانات جديدة صادرة عن "مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف" (CREA) كشفت استمرار ظهور ناقلات نفط تابعة لما يُعرف بـ"الأسطول الخفي" الروسي في سلاسل توريد ترتبط بأستراليا، رغم العقوبات المفروضة.
ويقول المحلل في المركز فايبهاف راغوناندان إنّ تعرض أوروبا لضغوط إمدادية بسبب العقوبات سيؤدي بالضرورة إلى رفع الأسعار عالميًا، حتى في الأسواق التي لا تتعامل مباشرة مع النفط الروسي.
تحولات في التجارة الآسيوية وارتفاع متسارع في الأسعار
يُشير المحلل في شركة IG Australia توني سيكامور إلى أنّ العقوبات الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على عملاقي النفط الروسيين "روس بترول" و«لوك أويل» بدأت بالفعل بإعادة رسم خريطة تجارة النفط في آسيا.
فقد علّقت الشركات النفطية الصينية الحكومية مشترياتها البحرية من النفط الروسي، فيما تعيد المصافي الهندية تقييم وارداتها.
ويضيف سيكامور: "قد نكون الآن عند نقطة تحوّل، حيث تبدأ أسعار النفط المرتفعة بالانعكاس على السائقين الأستراليين خلال الأسابيع المقبلة".
ارتفع خام برنت – المعيار العالمي لتسعير النفط – من نحو 55 دولاراً أمريكياً للبرميل في أيلول/ سبتمبر إلى قرابة 66 دولاراً الأسبوع الماضي، أي ما يعادل 100 دولار أسترالي تقريباً. ويُترجم كلّ ارتفاع مقداره دولار واحد في سعر الخام إلى زيادة تقارب سنتاً واحداً في سعر الوقود عند المضخة.
لجنة المنافسة: الأسعار تتبع الأسواق العالمية
أوضحت لجنة المنافسة والمستهلك الأسترالية (ACCC) أنّ أسعار الوقود المحلية تتحدد أساساً وفق حركة الأسعار العالمية للنفط المكرر وسعر صرف الدولار الأسترالي مقابل الأمريكي، مشيرةً إلى أنّ التغييرات في الأسعار العالمية تستغرق نحو أسبوعين لتنعكس على المدن الكبرى، وأطول من ذلك في المناطق الإقليمية.
الاضطرابات الجيوسياسية تعيد التقلّبات إلى الواجهة
تُظهر الأسواق العالمية مرونة في التعامل مع الأزمات قصيرة المدى، إذ سرعان ما هبطت الأسعار بعد انتهاء النزاع بين إسرائيل وإيران منتصف العام الحالي، إلا أن محللين يحذرون من أنّ العقوبات الجديدة والهجمات المتكررة على البنية التحتية الروسية للطاقة قد تؤدي إلى موجة ارتفاع أطول أمداً.
ويقول سول كافونيك، رئيس أبحاث الطاقة في شركة MST Marquee، إنّ تشديد العقوبات أو توسيع نطاق الهجمات الأوكرانية على المنشآت النفطية الروسية قد يسبب اضطرابات حقيقية في الإمدادات العالمية، ويؤدي إلى قفزة ملموسة في الأسعار.
تأثير مباشر على الاقتصاد الأسترالي
يُشكّل الديزل عصب قطاعي النقل والزراعة في أستراليا، ما يعني أنّ أي ارتفاع في سعره ينعكس على تكلفة نقل السلع وإنتاج الغذاء وتشغيل المعدات.
وقد شهدت البلاد في عام 2022 ارتفاعاً قياسياً في أسعار الديزل إلى أكثر من دولارين وعشرين سنتاً للّتر، مقارنة بنحو دولارٍ وعشرين سنتاً في عام 2020، وظلّت الأسعار منذ ذلك الحين مستقرة عند مستويات مرتفعة تراوح بين دولارٍ وسبعين سنتاً ودولارين للّتر.
اعتماد مفرط على الواردات ومخزون محدود
وفقاً لمعهد أستراليا للأبحاث، تعتمد البلاد على الواردات لتغطية 91% من استهلاكها من الوقود، في وقت لا يتجاوز فيه المخزون المحلي ما يعادل 49 يوماً من صافي الواردات – أي أقل بكثير من الحد الأدنى البالغ 90 يوماً الذي تفرضه وكالة الطاقة الدولية.
ويشير تقرير حكومي حديث إلى أنّ الاحتياطي الحالي يكفي لعشرين يوماً من وقود الطائرات، و24 يوماً من الديزل، و28 يوماً من البنزين فقط.
آسيا محور تسعير الوقود الأسترالي
تستورد أستراليا معظم وقودها المكرر من سنغافورة وكوريا الجنوبية واليابان، مع كميات أقل من الهند وماليزيا. لذلك تُعد الأسعار السنغافورية المرجع الأهم لتسعير الوقود في السوق الأسترالية.
ويقول المحلل بريماش داس من شركة S&P Global إنّ العقوبات الأوروبية على المنتجات المكرّرة من النفط الروسي قد تزيح نحو ثلاثمئة ألف برميل يومياً من شحنات الديزل إلى أوروبا، ما يرفع كلفة الشحن والتأمين عالمياً.
كما أوضحت المحررة في مؤسسة «آرغوس ميديا» كارا وونغ أنّ الأضرار المتزايدة التي لحقت بالمصافي الروسية بدأت تقلّص صادرات الديزل الروسية، الأمر الذي يضغط على السوق الآسيوية ويؤدي إلى ارتفاع الأسعار في سنغافورة، وبالتالي في أستراليا.
هجمات أوكرانية تضرب صناعة التكرير الروسية
تسببت الهجمات الأوكرانية بالطائرات المسيّرة في تعطيل ما يزيد على 38% من طاقة التكرير الروسية حتى نهاية أيلول/ سبتمبر، وفق بيانات نقلتها وكالتا رويترز ولينتا. وردّت موسكو بتمديد حظر تصدير الوقود حتى نهاية عام 2025 لضمان تلبية احتياجاتها المحلية.
وتقول تاتيانا ميتروفا، الزميلة في مركز جامعة كولومبيا لسياسات الطاقة العالمية، إنّ العقوبات ونقص المعدات يعرقلان عملية الإصلاح، مما يجعل تراجع الصادرات الروسية أكثر حدة مع اقتراب فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي.
الدولار الأسترالي والعوامل الموازنة
على الرغم من الضغوط، يرى بعض المحللين بوادر تفاؤل نتيجة تحسّن العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين وارتفاع سعر صرف الدولار الأسترالي الذي قد يخفف جزئياً من كلفة الاستيراد. كما أسهمت زيادة إنتاج منظمة أوبك في الحدّ من أثر القيود الروسية واستقرار السوق نسبياً.
العقوبات الأوروبية ضيّقت مجال الصادرات الروسية، لكنها لم تؤدِّ إلى نقص فعلي، بل خلقت صعوبات لوجستية وتكاليف إضافيةتاتيانا ميتروفا، الزميلة في مركز جامعة كولومبيا لسياسات الطاقة العالمية
في المحصلة
تبدو أستراليا اليوم عند مفترق طرق بين ضغوط خارجية متزايدة واعتماد داخلي عميق على الواردات النفطية.
ومع تصاعد العقوبات، وتقلّص الإمدادات الروسية، وتزايد كلفة النقل والتأمين، يُرجّح أن يواجه المستهلك الأسترالي خلال الأسابيع المقبلة ارتفاعاً جديداً في أسعار الوقود، ينعكس بدوره على مجمل الأسعار في الاقتصاد المحلي.




