بدأت القصة في خمسينيات القرن التاسع عشر، حين اجتذبت “حمّى الذهب” في ولاية فيكتوريا آلاف العمال من مختلف أنحاء العالم، من بينهم المهاجرون الصينيون الذين استقرّوا في ملبورن بعد أن مرّوا بها في طريقهم إلى المناجم.
ومع مرور السنوات، تحوّل المخيم الصغير إلى حيّ متكامل نابض بالحياة، وأصبح أقدم حيّ صيني متواصل الوجود في نصف الكرة الجنوبي، وأحد أقدم التجمعات الصينية خارج آسيا.
تُزيّن أقواس Paifang الحمراء مدخل الحيّ، فيما تتدلى الفوانيس الصينية التقليدية على طول شارع Little Bourke Street، بين Swanston Street وSpring Street.
عند السير هناك، تتبدّل الروائح والأصوات عند كل زاوية: مطاعم تقدم أطباق dumplings الساخنة، ومطابخ تعرض Peking duck المقرمش، ومقاهٍ عصرية تقدم Bubble Tea بنكهات مبتكرة، بينما تفوح روائح الزنجبيل والثوم والتوابل الصينية من المحال القديمة التي تبيع الأعشاب والشاي وقطع ginseng النادرة.

Credit: Wikimedia/GNU Free Documentation Licenses
وفي موسم رأس السنة الصينية، يتحوّل الحيّ إلى كرنفال ضخم من الأضواء والموسيقى والبهجة. التنانين تتمايل بين المطاعم والمتاجر، والطبول تُدوّي بإيقاعٍ صاخب، والفوانيس الحمراء تملأ السماء كأنها نجومٌ تحتفل بالحياة. هذا المهرجان يُعتبر من أكبر الاحتفالات الصينية خارج آسيا، ويجذب عشرات الآلاف من الزوار من سكان المدينة والسياح على حدّ سواء.
بعيدًا عن الضوضاء، يمكن للزائر أن يكتشف الأزقة الصغيرة خلف الشارع الرئيسي، حيث توجد المتاجر القديمة والمخابز التقليدية ومعابد صغيرة مثل Heavenly Queen Temple، التي يزورُها الناس لإشعال البخور وتقديم الصلوات. هذه التفاصيل الصغيرة تمنح الحيّ طابعه الروحي والحميمي، وتجعله أكثر من مجرد موقع سياحي.
اليوم، يُعدّ الحيّ الصيني أحد رموز ملبورن الثقافية الكبرى، وموقعًا مدرجًا ضمن تراث المدينة الرسمي. تقام فيه مهرجانات، وجولات للطعام، وفعاليات تعليمية للمدارس، ما يجعله وجهة لا غنى عنها لكل من يرغب في اكتشاف الوجه الحقيقي للمدينة.
الوصول إليه سهل للغاية، فهو يقع في قلب منطقة الأعمال المركزية، ويمكن الوصول إليه سيرًا على الأقدام أو عبر الترام المجاني الذي يمر بمحطة Bourke Street Mall. لكن التجربة لا تكتمل إلا في المساء، حين تتلألأ الفوانيس الحمراء فوق الرؤوس، وتختلط روائح الطعام بأنغام الموسيقى، فيتحوّل الحي إلى لوحة حية من الألوان والحكايات.




