




spk_0
غريت أوشن رود في ولاية فيكتوريا. طريقٌ ساحلي يمتد مئتين وثلاثة وأربعين كيلومتراً بين توركي وآلانزفورد عند حافة المحيط الجنوبي، يُعدّ اليوم واحداً من أجمل الطرق في العالم، لكنه بدأ كفكرة في زمنٍ كان البلد يخرج فيه من أهوال الحرب العالمية الأولى.
spk_0
حلقة جديدة من مشوار، معي أنا ريان برهوم، ونحن اليوم على طريقٍ يجمع بين التاريخ والمشهد الطبيعي الذي لا يُنسى.
spk_0
عام ألف وتسعمائة وتسعة عشر، عاد آلاف الجنود الأستراليين إلى وطنهم بعد نهاية الحرب العالمية الأولى؛ بلدٌ يرمّم روحه، ورجالٌ يبحثون عن عملٍ وعن معنى جديد لحياتهم بعد الحرب. عندها ظهرت فكرة جريئة: بناء طريق ساحلي طويل يربط القرى المعزولة...
spk_0
على الساحل الجنوبي في ولاية فيكتوريا، ويُخصَّص ليكون نُصباً تذكارياً لرفاقهم الذين سقطوا في الحرب. وبحسب غريت أوشن رود، شارك أكثر من ثلاثة آلاف جندي سابق في عمليات الحفر والقطع وتمهيد المنحدرات، وكلها كانت تُنجز يدوياً تقريباً.
spk_0
منحدرات شاهقة، صخور ضخمة، أمطار ورياح قاسية... لكن العمل استمر سنوات طويلة إلى أن فُتح الطريق رسمياً عام ألف وتسعمائة واثنين وثلاثين. واليوم يُعتبر أكبر نُصب تذكاري للحرب في العالم؛ ليس تمثالاً أو جداراً، بل طريقاً يمرّ عبر طبيعة لا تتكرر.
spk_0
قبل أن يكون غريت أوشن رود طريقاً، كان الساحل الذي يمر به يحمل اسماً مخيفاً: شيبريك كوست. بين كيب أوتواي وبورت فيري، وثّقت السلطات أكثر من سبعمئة حادثة غرق خلال القرن التاسع عشر بسبب الضباب والمياه العميقة والتيارات العنيفة. أشهر هذه...
spk_0
القصص: قصة السفينة لوك آرد عام ألف وثمانمائة وثمانية وسبعين. كانت السفينة تقترب من الساحل بعد رحلة طويلة من إنجلترا، لكن كثافة الضباب جعلت الطاقم يخطئ تقدير المسافة. اصطدمت بالأعمدة الصخرية وغرقت خلال دقائق. ومن بين أربعة وخمسين شخصاً نجا اثنان فقط: توم بيرس، بحّار شاب، وإيفا كارمايكل، فتاة في السابعة عشرة.
spk_0
قصة النجاة هذه أصبحت جزءاً من تاريخ الساحل، والمنطقة التي نجا منها الاثنان سُمّيت لاحقاً لوك آرد غورج، واحدة من أجمل النقاط اليوم على الطريق.
spk_0
على طول الطريق، يصل الزائر إلى المشهد الأيقوني الذي ارتبط بأستراليا حول العالم: أعمدة ضخمة من الحجر الجيري تشكّلت عبر ملايين السنين من تآكل المنحدرات على يد الأمواج والرياح. كانت تُعرف قديماً باسم ساو آند بيغلتس قبل أن يُطلق عليها الاسم الحالي في القرن العشرين. وعلى الرغم من الاسم، لم يكن هناك يوماً اثنا عشر عموداً كاملاً.
spk_0
واليوم بقي منها سبعة، وذلك بعد انهيار أحد الأعمدة عام ألفين وخمسة، وهو مشهد وثّقته وسائل الإعلام. تُصنّف فيزيت فيكتوريا غريت أوشن رود على أنه واحد من أعظم الطرق الساحلية الطبيعية في العالم، ليس لأنه جميل فقط، بل لأن مشاهده تتغير...
spk_0
كل بضع دقائق: شواطئ ركوب الأمواج في توركي، منارات فوق منحدرات ضخمة، غابات مطيرة في غريت أوتواي ناشونال بارك، شلالات مثل إرسكن فولز، قرى ساحلية مثل أبولو باي ولورن، ومنحدرات الحجر الجيري قرب تويلف أبوستلز.
spk_0
على امتداد غريت أوشن رود، ستكتشف أن الطريق نفسه ليس مجرد وسيلة للوصول، بل هو الرحلة كلها. كل بضعة كيلومترات يتغير المشهد من مدينة شاطئية صغيرة إلى منارة بريطانية قديمة، ثم إلى غابة مطيرة تعود جذورها إلى ملايين السنين.
spk_0
تبدأ المغامرة من توركي، التي تُعد مهد ركوب الأمواج في أستراليا. هنا تأسست ريب كورل، وهنا تظهر الأمواج الكبيرة التي تجذب محترفي الرياضات البحرية من أنحاء العالم. وعلى مسافة قصيرة يمتد بيلز بيتش، ذلك الشاطئ الذي أصبح رمزاً عالمياً...
spk_0
لبطولات التزلج على الأمواج، حيث تصطدم المياه بالصخور بوقع يشبه نبضاً لا يهدأ. ومع تقدمك غرباً، يطل إيريز إنلت بمنارته الشهيرة سبلِت بوينت لايتهاوس، وهي منارة بريطانية كلاسيكية تراقب المحيط منذ أكثر من قرن.
spk_0
ثم تصل إلى لورن، مدينة ساحلية صغيرة تنبض بالحياة: مقاهٍ على الواجهة البحرية، شاطئ رملي واسع، ومسار يأخذك عميقاً نحو شلال إرسكن الذي يسقط وسط غابة كثيفة. وبعدها تمتد الطريق على منحنى طويل حتى تصل إلى أبولو باي، بوابة العبور إلى واحدة من أقدم الغابات المطيرة الباردة في العالم: أوتواي رينفورست. هنا يتحول صوت المحيط إلى خلفية هادئة...
spk_0
ليحلّ مكانه صوت قطرات الماء المتساقطة على أوراق السرخس العملاقة، وأصوات الطيور التي لا تعيش إلا في مثل هذه الغابات. ومع الخروج من الغابة، تلوح لايت ستيشن، أقدم منارة قائمة في أستراليا منذ عام ألف وثمانمائة وثمانية وأربعين. تقف عالية فوق المحيط الجنوبي، وكثيراً ما تظهر الحيتان المهاجرة في الأفق خلال مواسمها.
spk_0
وبعد السير لعدة كيلومترات، تهبط عبر غيبسون ستيبس، سلالم منحوتة في الصخر تنقلك من أعلى المنحدر إلى خط الشاطئ نفسه. هنا فقط تستطيع أن تدرك حجم الجدران الصخرية الهائلة التي يقف عليها الزوار في الأعلى.
spk_0
ولكن قلب الرحلة يصل عند تويلف أبوستلز، وبجانبها مباشرة يظهر لوك آرد غورج، موقع السفينة الشهيرة، والذي يُعد أحد أجمل المشاهد الساحلية في البلاد، بهدوئه ولونه الذهبي والطبيعة التي تحيط به من كل جانب. وإذا تابعت الطريق غرباً، ستجد تكوينات طبيعية نحتها الزمن: لندن بريدج قبل انهياره الجزئي، وذا آرك، وباي أوف آيلاندز...
spk_0
سلسلة من الصخور المدهشة التي تلمع تحت ضوء الغروب. أما لمحبي المغامرة والسير لمسافات طويلة، فهناك غريت أوشن ووك، مسار يمتد لمئة كيلومتر فوق الحافة الساحلية؛ طريق يأخذك بين الغابات والبحر، ويجعل كل خطوة جزءاً من حكاية هذا الساحل الذي لم تنتهِ فصوله بعد.
spk_0
بحسب أرقام توريزم فيكتوريا، يستقبل غريت أوشن رود أكثر من خمسة ملايين زائر سنوياً، مما يجعله أحد أهم محرّكات السياحة في الولاية. الطريق اليوم ليس مجرد وسيلة نقل، بل تجربة سياحية متكاملة تمزج الطبيعة بالتاريخ.
spk_0
ومع الوصول إلى نهاية غريت أوشن رود، يتضح أن هذا الطريق لم يُصمَّم ليكون مجرد مسار سياحي ساحلي، بل مشروعاً وطنياً ترك أثراً طويلاً في تاريخ ولاية فيكتوريا. فهو طريق يجمع في مساره بين إنجاز هندسي نفّذه قدامى المحاربين بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وبين سلسلة من الظواهر الجيولوجية التي تشكّلت نتيجة...
spk_0
ملايين السنين، وبين مواقع بحرية تحولت إلى ملفات مفتوحة لدراسة تاريخ الغرق البحري وبناء المنارات. واليوم يحمل الطريق قيمة جديدة: ممر سياحي يعتمد عليه اقتصاد عشرات البلدات الساحلية، ونموذج ناجح لكيف يمكن للبنية التحتية أن تتحول إلى معلم ثقافي وطبيعي في آن واحد.
spk_0
كان هذا مشوارنا اليوم؛ رحلة عبر طريق يجمع بين التاريخ والهندسة والطبيعة، في نموذج لا يزال يُدرَّس حتى اليوم في كيفية تطوير السواحل وحمايتها.