مشوار إلى كوبر بيدي.. المدينة التي قلبت الصحراء إلى مدينة تحت الأرض

Coober Pedy

Coober Pedy Source: Twitter / Australia Twitter

في قلب الصحراء الأسترالية القاحلة، وعلى بُعد نحو 850 كيلومترًا شمال أديلايد، تقع واحدة من أغرب المدن في العالم: كوبر بيدي (Coober Pedy)، المدينة التي اختارت أن تعيش تحت الأرض لتنجو من حرارة تفوق الخمسين درجة مئوية صيفًا.


للاستماع إلى أحدث التقارير الصوتية والبودكاست، اضغطوا على الرابط التالي.

وُلدت فكرة كوبر بيدي عام 1915، عندما اكتشف فتى في الخامسة عشرة من عمره يُدعى ويلي هاتشينسون حجر الأوبال الملوّن أثناء رحلة للتنقيب عن الذهب مع والده. ومنذ ذلك اليوم تحوّلت الصحراء إلى مقصد للمنقبين من كل أنحاء العالم، جاءوا من اليونان وصربيا وإيطاليا وألمانيا بحثًا عن الثروة.
تُعرف المدينة اليوم باسم «عاصمة الأوبال في العالم»، إذ تنتج أستراليا حوالي 90 في المئة من هذا الحجر الثمين، ومعظم الإنتاج يأتي من هنا تحديدًا. في الشوارع القليلة فوق الأرض، تنتشر محال صغيرة تبيع الأوبال الخام والمجوهرات المصنوعة منه، بينما يمكن للزوار تجربة التنقيب بأنفسهم في حقول تُعرف باسم Noodling Fields.
Opal
Opal stones Credit: Wikimedia Commons

حياة تحت الصخر

ما يقارب نصف سكان كوبر بيدي – وعددهم حوالي ألفي شخص – يعيشون في بيوت محفورة داخل الجبال تُعرف باسم Dugouts. هذه المنازل ليست مجرد ملجأ من الحرارة، بل واحة من الراحة، إذ تبقى درجة حرارتها ثابتة بين 22 و24 درجة مئوية طوال العام.
Scenes of Coober Pedy
Source: Getty / Getty Images AsiaPac
المدينة تمتدّ تحت الأرض في شبكة مذهلة من الممرات والغرف. يمكنك زيارة كنيسة القديسين بطرس وبولس St Peter & Paul’s Underground Church، أو الكنيسة الصربية الأرثوذكسية Serbian Orthodox Church التي تدهش الزائر بنقوشها المحفورة مباشرة على جدران الصخر. أما Old Timers Mine Museum فيأخذك في جولة عبر تاريخ التنقيب عن الأوبال وأدوات التعدين القديمة.

لوحات من كوكب آخر

على بُعد 30 كيلومترًا فقط من المدينة تقع Breakaways Reserve، منطقة تلال صخرية ملوّنة بأطياف الأحمر والأصفر والأرجواني، تُشبه لوحة من كوكب المريخ. هذا المشهد الفريد جعلها موقعًا لتصوير أفلام عالمية مثل Mad Max Beyond Thunderdome وPitch Black.

وحين تغرب الشمس، يتحول الأفق إلى لوحة من الذهب والنار، بينما تغمر السماء آلاف النجوم اللامعة، إذ تُعدّ كوبر بيدي من أفضل المواقع في أستراليا لمراقبة السماء الصافية البعيدة عن التلوث الضوئي.

تجربة لا تُنسى

الزائر يمكنه المبيت في فنادق تحت الأرض مثل Desert Cave Hotel أو Underground Motel، حيث الغرف منحوتة داخل الصخور في أجواء هادئة تشبه الكهوف. حتى المقاهي والمطاعم هنا تحت الأرض، تقدّم وجبات أسترالية كلاسيكية على ضوء الشموع.
An underground home in Coober Pedy, where many residents live in 'dug-outs' to avoid the heat.
Source: Flickr
أما اسم المدينة، فيُعتقد أنه مشتق من لغة السكان الأصليين Kupa-piti، أي «حفرة الرجل الأبيض»، في إشارة إلى بدايات التنقيب في المنطقة قبل أكثر من قرن.

الوصول إلى كوبر بيدي

يمكن الوصول إلى المدينة عبر طريق Stuart Highway من أديلايد، في رحلة تمتد نحو تسع ساعات بالسيارة عبر طرق صحراوية طويلة. كما تتوفر رحلات جوية داخلية إلى مطار Coober Pedy Airport من أديلايد وأليس سبرينغز.
كوبر بيدي ليست مجرد وجهة سياحية، بل قصة إنسانية عن الإصرار والتكيّف مع أقسى الظروف. مدينة أثبتت أن الإبداع يمكن أن يولد من الحاجة، وأن الإنسان قادر على تحويل الصحراء إلى موطن، والحجر إلى حياة.

للاستماع إلى أحدث التقارير الصوتية والبودكاست، اضغط على الرابط التالي.

أكملوا الحوار على حساباتنا على فيسبوك SBSArabic24 ومنصة X وانستغرام.

اشتركوا في قناة SBS Arabic على يوتيوب لتشاهدوا أحدث القصص والأخبار الأسترالية.

spk_0

كوبر بيدي اسم غريب لمكان أغرب مدينة تحت الأرض في قلب صحراء ولاية جنوب أستراليا. مشوار جديد معي أنا ريان برهوم إلى مدينة لا تشبه أي مدينة أخرى. مدينة ولدت من باطن الأرض وما زالت تعيش فيه حتى اليوم.

spk_0

حين تقترب من كوبر بيدي، يبدو لك الأفق كأنه صفحة من كوكب آخر. الجبال الصغيرة أشبه بتلال من الرمل الأبيض، والمنازل لا ترى إلا من مداخن صغيرة تخرج من باطن الأرض. هنا في هذه البقعة النائية يعيش الناس داخل الصخور الرملية بعيدا عن حرارة الصحراء التي تتجاوز خمسين درجة مئوية في الصيف.

spk_0

تعرف كوبر بيدي باسم عاصمة الأوبال في العالم، فهنا اكتشف هذا الحجر الكريم الملون عام ألف وتسعمائة وخمسة عشر على يد فتى في الخامسة عشرة من عمره، يدعى ويلي هاتشينسون كان برفقة والده في بعثة للبحث عن الذهب، لكنه عثر على شيء أثمن الأوبال الحجر الذي يعكس ألوان قوس قزح.

spk_0

ومنذ ذلك اليوم تغير وجه المكان. جاء عمال المناجم من كل أرجاء العالم من اليونان وإيطاليا وصربيا وألمانيا، ليبحثوا عن الثروة تحت الأرض. ومع الوقت تحولت كوبر بيدي إلى مدينة متعددة الثقافات، يسكنها اليوم حوالي ألفي شخص فقط. نصفهم تقريبا يعيشون في بيوت محفورة داخل الجبال تعرف باسم دوغوتس.

spk_0

العيش تحت الأرض هنا ليس غريبا بل ضرورة، فحرارة الصيف فوق السطح قد تصل إلى خمسين درجة، بينما تبقى درجة الحرارة داخل البيوت تحت الأرض ثابتة بين اثنين وعشرين.

spk_0

وعشرين درجة على مدار العام تدخل أحد هذه المنازل، فترى جدرانا من الحجر الرملي الطبيعي باردة الملمس مضاءة بمصابيح خافتة تعكس جوا هادئا يشبه الكهوف.

spk_0

ولأن الحياة لا تتوقف عند السكن، فقد بنى الأهالي كنائس ومتاحف ومحال وحتى فنادق تحت الأرض، ومن أبرزها كنيسة القديسين بطرس وبولوس، وهي من أقدم الكنائس في المدينة والكنيسة الصربية الأرثوذكسية التي تدهشك بنقوشها المرسومة مباشرة على جدران الصخر، كما يمكنك زيارة أولد تايمرز.

spk_0

ماينوزيوم الذي يحكي تاريخ التنقيب ويظهر أدوات كانت تستخدم منذ أكثر من قرن. كل زاوية في كوبر بيدي تذكرك بأن الإنسان قادر على التكيف حتى في أقصى البيئات في الشوارع القليلة فوق الأرض، ترى محالا صغيرة تبيع الأوبال الخام والمجوهرات المصنوعة منه، حيث يعد الأوبال مصدر الرز.

spk_0

الرئيسي وأستراليا تنتج اليوم حوالي تسعين في المئة من الأوبال في العالم، ومعظم هذا الإنتاج يأتي من هنا من كوبر بيدي وللزوار فرصة لتجربة التنقيب بأنفسهم فيما يعرف بنودل فيلد، حيث يمكنك استخدام منخل بسيط بحثا عن قطعة صغيرة من الحجر الثمين، وربما يبتسم لك الحظ.

spk_0

لكن الجمال هنا لا يقتصر على الأوبال على بعد ثلاثين كيلومترا من المدينة تقع بريكويز ريز منطقة تلال صخرية ملونة تتدرج من الأصفر إلى الأحمر إلى الأرجواني، في مشهد يبدو كأنه لوحة فنية من كوكب المريخ، وليست مصادفة أن تستخدم هذه المنطقة لتصوير أفلام عالمية، فالمكان بحد ذاته يبدو خارج الزمان.

spk_0

وحين تغرب الشمس يتحول الأفق إلى لوحة من الذهب والنار. الصحراء تمتد بلا نهاية، والسماء تمتلئ بنجوم لا تحصى، إذ تعتبر كوبر بيدي من أفضل المواقع في أستراليا لمراقبة السماء لصفاء هوائها وبعدها عن التلوث.

spk_0

الضوئي. أما في الليل فالحياة تستمر تحت الأرض فنادق مختلفة متاحة، حيث تنام في عمق الجبل وتشعر بالسكينة المطلقة. حتى المقاهي والمطاعم هنا تحت الأرض تقدم وجبات أسترالية كلاسيكية وسط جدران صخرية مضاءة بالشموع.

spk_0

تقول الأسطورة أن اسم كوبر بيدي جاء من لغة السكان الأصليين كوبا بيتي، أي حفرة الرجل الأبيض اسم غريب، لكنه يصف المكان بدقة مدينة ولدت من الحفر وما زالت تحفر في الذاكرة الأسترالية مكانا لا ينسى الوصول إلى كوبر بيدي ممكن عبر ستيوارت هايواي من أديلايد. رحلة تمتد.

spk_0

تسع ساعات بالسيارة عبر طرق طويلة لا ترى فيها إلا الأفق والرمال. ويمكنك أيضا السفر جوا إلى مطار كوبر بيدي برحلات داخلية من أديلايد أو أليس سبرين. ومهما كانت وسيلتك للوصول، فالمكان يستحق العناء، لأنه ببساطة تجربة من عالم آخر. وحين تغادر كوبر بيدي.

spk_0

تدرك أن هذه المدينة الصغيرة في الصحراء ليست مجرد معلم سياحي، بل درس في الإصرار والابتكار، ودليل على قدرة الإنسان على تحويل قسوة الطبيعة إلى حياة ممكنة، بل ومذهلة. إنه مشوار إلى الأعماق حرفيا وروحيا مشوار إلى كوبر بيدي المدينة التي لا تغرب فيها الشمس لأنها اختارت أن تعيش في ظل الأرض.

END OF TRANSCRIPT

شارك

تحديثات بالبريد الإلكتروني من أس بي أس عربي

.سجل بريدك الإلكتروني الآن لتصلك الأخبار من أس بي أس عربي باللغة العربية

باشتراكك في هذه الخدمة، أنت توافق على شروط الخدمة وسياسة الخصوصية الخاصة بـ "SBS" بما في ذلك تلقي تحديثات عبر البريد الإلكتروني من SBS

Download our apps
SBS Audio
SBS On Demand

Listen to our podcasts
Independent news and stories connecting you to life in Australia and Arabic-speaking Australians.
Personal journeys of Arab-Australian migrants.
Get the latest with our exclusive in-language podcasts on your favourite podcast apps.

Watch on SBS
Arabic Collection

Arabic Collection

Watch SBS On Demand