
حياة تحت الصخر

لوحات من كوكب آخر
تجربة لا تُنسى


Coober Pedy Source: Twitter / Australia Twitter



spk_0
كوبر بيدي اسم غريب لمكان أغرب مدينة تحت الأرض في قلب صحراء ولاية جنوب أستراليا. مشوار جديد معي أنا ريان برهوم إلى مدينة لا تشبه أي مدينة أخرى. مدينة ولدت من باطن الأرض وما زالت تعيش فيه حتى اليوم.
spk_0
حين تقترب من كوبر بيدي، يبدو لك الأفق كأنه صفحة من كوكب آخر. الجبال الصغيرة أشبه بتلال من الرمل الأبيض، والمنازل لا ترى إلا من مداخن صغيرة تخرج من باطن الأرض. هنا في هذه البقعة النائية يعيش الناس داخل الصخور الرملية بعيدا عن حرارة الصحراء التي تتجاوز خمسين درجة مئوية في الصيف.
spk_0
تعرف كوبر بيدي باسم عاصمة الأوبال في العالم، فهنا اكتشف هذا الحجر الكريم الملون عام ألف وتسعمائة وخمسة عشر على يد فتى في الخامسة عشرة من عمره، يدعى ويلي هاتشينسون كان برفقة والده في بعثة للبحث عن الذهب، لكنه عثر على شيء أثمن الأوبال الحجر الذي يعكس ألوان قوس قزح.
spk_0
ومنذ ذلك اليوم تغير وجه المكان. جاء عمال المناجم من كل أرجاء العالم من اليونان وإيطاليا وصربيا وألمانيا، ليبحثوا عن الثروة تحت الأرض. ومع الوقت تحولت كوبر بيدي إلى مدينة متعددة الثقافات، يسكنها اليوم حوالي ألفي شخص فقط. نصفهم تقريبا يعيشون في بيوت محفورة داخل الجبال تعرف باسم دوغوتس.
spk_0
العيش تحت الأرض هنا ليس غريبا بل ضرورة، فحرارة الصيف فوق السطح قد تصل إلى خمسين درجة، بينما تبقى درجة الحرارة داخل البيوت تحت الأرض ثابتة بين اثنين وعشرين.
spk_0
وعشرين درجة على مدار العام تدخل أحد هذه المنازل، فترى جدرانا من الحجر الرملي الطبيعي باردة الملمس مضاءة بمصابيح خافتة تعكس جوا هادئا يشبه الكهوف.
spk_0
ولأن الحياة لا تتوقف عند السكن، فقد بنى الأهالي كنائس ومتاحف ومحال وحتى فنادق تحت الأرض، ومن أبرزها كنيسة القديسين بطرس وبولوس، وهي من أقدم الكنائس في المدينة والكنيسة الصربية الأرثوذكسية التي تدهشك بنقوشها المرسومة مباشرة على جدران الصخر، كما يمكنك زيارة أولد تايمرز.
spk_0
ماينوزيوم الذي يحكي تاريخ التنقيب ويظهر أدوات كانت تستخدم منذ أكثر من قرن. كل زاوية في كوبر بيدي تذكرك بأن الإنسان قادر على التكيف حتى في أقصى البيئات في الشوارع القليلة فوق الأرض، ترى محالا صغيرة تبيع الأوبال الخام والمجوهرات المصنوعة منه، حيث يعد الأوبال مصدر الرز.
spk_0
الرئيسي وأستراليا تنتج اليوم حوالي تسعين في المئة من الأوبال في العالم، ومعظم هذا الإنتاج يأتي من هنا من كوبر بيدي وللزوار فرصة لتجربة التنقيب بأنفسهم فيما يعرف بنودل فيلد، حيث يمكنك استخدام منخل بسيط بحثا عن قطعة صغيرة من الحجر الثمين، وربما يبتسم لك الحظ.
spk_0
لكن الجمال هنا لا يقتصر على الأوبال على بعد ثلاثين كيلومترا من المدينة تقع بريكويز ريز منطقة تلال صخرية ملونة تتدرج من الأصفر إلى الأحمر إلى الأرجواني، في مشهد يبدو كأنه لوحة فنية من كوكب المريخ، وليست مصادفة أن تستخدم هذه المنطقة لتصوير أفلام عالمية، فالمكان بحد ذاته يبدو خارج الزمان.
spk_0
وحين تغرب الشمس يتحول الأفق إلى لوحة من الذهب والنار. الصحراء تمتد بلا نهاية، والسماء تمتلئ بنجوم لا تحصى، إذ تعتبر كوبر بيدي من أفضل المواقع في أستراليا لمراقبة السماء لصفاء هوائها وبعدها عن التلوث.
spk_0
الضوئي. أما في الليل فالحياة تستمر تحت الأرض فنادق مختلفة متاحة، حيث تنام في عمق الجبل وتشعر بالسكينة المطلقة. حتى المقاهي والمطاعم هنا تحت الأرض تقدم وجبات أسترالية كلاسيكية وسط جدران صخرية مضاءة بالشموع.
spk_0
تقول الأسطورة أن اسم كوبر بيدي جاء من لغة السكان الأصليين كوبا بيتي، أي حفرة الرجل الأبيض اسم غريب، لكنه يصف المكان بدقة مدينة ولدت من الحفر وما زالت تحفر في الذاكرة الأسترالية مكانا لا ينسى الوصول إلى كوبر بيدي ممكن عبر ستيوارت هايواي من أديلايد. رحلة تمتد.
spk_0
تسع ساعات بالسيارة عبر طرق طويلة لا ترى فيها إلا الأفق والرمال. ويمكنك أيضا السفر جوا إلى مطار كوبر بيدي برحلات داخلية من أديلايد أو أليس سبرين. ومهما كانت وسيلتك للوصول، فالمكان يستحق العناء، لأنه ببساطة تجربة من عالم آخر. وحين تغادر كوبر بيدي.
spk_0
تدرك أن هذه المدينة الصغيرة في الصحراء ليست مجرد معلم سياحي، بل درس في الإصرار والابتكار، ودليل على قدرة الإنسان على تحويل قسوة الطبيعة إلى حياة ممكنة، بل ومذهلة. إنه مشوار إلى الأعماق حرفيا وروحيا مشوار إلى كوبر بيدي المدينة التي لا تغرب فيها الشمس لأنها اختارت أن تعيش في ظل الأرض.