في عام 2016، غادر رائد قطاع غزة متوجهًا إلى الضفة الغربية لإكمال دراسته الجامعية. لم يكن القرار سهلاً، فمغادرة القطاع آنذاك كانت أشبه برحلة بلا عودة، إذ أن من يخرج غالبًا ما يُحرم من العودة بسبب تعقيدات التنقل وإغلاق المعابر.
يقول رائد: "طلعت وما كنت أعرف إذا ممكن أرجع أشوف أهلي... ما كنت أتخيل إنو أربع سنين رح تمرّ قبل ما أشوف والدي".
خلال سنوات دراسته في الضفة، أصيب والده بمرض السرطان، وتمكّن رائد أخيرًا من لقائه في مدينة أريحا، حيث كان والده في طريقه للعلاج في الأردن. لم يكن يعلم حينها أن تلك اللحظات ستكون الوداع الأخير.
بعد فترة وجيزة، فارق الوالد الحياة، ولم يتمكن رائد من دخول القطاع لحضور الجنازة. غيابه عن مراسم الوداع زاد من وطأة الفقد، وظل هذا الجرح مفتوحًا في قلبه.
لم يكن الفقد العائلي هو الغياب الوحيد في حياة رائد. ففي الضفة الغربية، وبعد تخرجه من الجامعة وحصوله على عمل، خطب فتاة من غزة، وهنا بدأت رحلة جديدة من الانتظار، هذه المرة من أجل لمّ الشمل.
وبعد قرابة عامين من الإجراءات والتأجيلات، التأم شملهما أخيرًا، وانتقلا للعيش معًا في رام الله، محاولين بناء حياة هادئة وسط واقع لا يرحم.
الحرب تعود لتفتح الجراح
في تشرين الأول أكتوبر 2023، اندلعت الحرب في قطاع غزة، لتعيد القلق إلى قلب رائد وزوجته. كانت الاتصالات مع الأهل صعبة، والأنباء القادمة من القطاع مؤلمة ومبهمة.
كنا ننام ونصحى على أخبار القصف نحاول نتصل بأهلنا ونسمع صوتهم عشان نطمن، بس كنا كل مرة نخاف تكون آخر مرة
كان لرائد شقيق أكبر يعيش في أستراليا، لم يقف مكتوف الأيدي. ساعد عائلتهم على مغادرة غزة إلى مصر، ثم عمل على إصدار تأشيرات لهم حتى تمكنوا من الوصول إلى أستراليا.
مفاجأة على الطريقة الفلسطينية
بعد نحو عام من رحلة العائلة، تمكّن رائد وزوجته وطفلته من اللحاق بهم إلى أستراليا. لكن اللقاء لم يكن عاديًا، بل مخطط له أن يكون لحظة لا تُنسى.
"أنا وأخويا قررنا نعمل مفاجأة. قالهم إنه رايح يجيب بيتزا، وراح على المطار جابني. دخلنا البيت وأنا ماسك سلمى، الكل كان مصدوم. أحضان ودموع وصراخ وفرح. ما بنسى هاللحظة".
رغم أنه اليوم في مكان أكثر استقرارًا، لا تزال مشاعر الغربة تُلاحق رائد ورغم شعور الطمأنينة المؤقت، ما زالت زوجته تعيش حالة من القلق على والدها وشقيقاتها اللواتي لا يزلن في غزة، محاصرات بالخطر.
هل أعجبكم المقال؟ استمعوا لبرنامج "Good Morning Australia" من الاثنين إلى الجمعة من الساعة السادسة إلى التاسعة صباحا بتوقيت الساحل الشرقي لأستراليا عبر الراديو الرقمي وتطبيق SBS Audio المتاح مجاناً على أبل و أندرويد وعلى SBS On Demand.