في وقت تواجه فيه أستراليا أضعف عقد لنمو الإنتاجية منذ ستين عاماً، تتجه الأنظار هذا الأسبوع إلى العاصمة كانبيرا، حيث يجتمع رئيس الوزراء أنتوني ألبانيزي ووزير الخزانة جيم تشالمرز مع كبار الاقتصاديين وقادة الأعمال والنقابات في طاولة مستديرة وطنية تمتد لثلاثة أيام، بهدف البحث عن وصفة تعيد الحيوية إلى الاقتصاد وتضمن استدامة مستويات المعيشة.
وتباينت الطروحات بين مطالب رجال الأعمال بتقليص الروتين وتبني التكنولوجيا الناشئة، ودعوات النقابات إلى تقليص ساعات العمل عبر اعتماد أسبوع عمل من أربعة أيام، فيما وضع دعاة الرعاية الاجتماعية إصلاح خدمات التوظيف على رأس الأولويات. وبين هذه الملفات، دخل الذكاء الاصطناعي بقوة إلى دائرة النقاش، باعتباره "مغيّر قواعد اللعبة" لكنه في الوقت نفسه مثير لمخاوف تتعلق بالوظائف ومستقبلها.
من مهارات اليوم إلى وظائف الغد: الذكاء الاصطناعي يغيّر قواعد اللعبة
الخبير في تكنولوجيا المعلومات صلاح الربيعي قال إن التكنولوجيا "دائماً ما كانت سباقة في تحفيز الإنتاج"، مشيراً إلى أن الذكاء الاصطناعي والأتمتة "يدخلان اليوم بقوة في تحسين سرعة الإنتاج ونوعيته". لكنه لفت إلى أن هذه الطفرة "قد تضر الإنسان وخصوصاً الوظائف الموجودة، إذا لم تُواكبها سياسات وقوانين واضحة تنظم استخدامها".
الربيعي: الذكاء الاصطناعي محرك قوي للإنتاج إذا وُضع الإنسان في قلب المعادلة
وأضاف الربيعي أن "بعض الوظائف ستتأثر بشدة، مثل الترجمة والتحرير"، لكنه أكد أن "الذكاء الاصطناعي سيخلق أيضاً وظائف جديدة، لاسيما في مجالات البيانات الضخمة وتطوير البرمجيات"، داعياً إلى أن "يكون الإنسان جزءاً أساسياً من هذه المعادلة حتى لا تتحول التقنية إلى أداة إقصاء".
ومضى إلى القول إن القطاع الخاص "يدفع بشكل أكبر نحو تبني الأتمتة لأنه يركز على سرعة الإنتاج وتقليل الكلفة"، لكنه نبه إلى أن غياب التوازن "قد يؤدي إلى ضغوط إضافية على سوق العمل". وختم مؤكداً أن دور الحكومة يتمثل في "سن سياسات تحمي العامل وتحقق التوازن بين تسريع الإنتاجية والحفاظ على الوظائف".
من جانبه، سلط محمد ياسين الأسدي، مدرب برامج ريادة الأعمال والمشرف على دعم اللاجئين الباحثين عن عمل، الضوء على التحديات الاجتماعية لهذه التحولات، مؤكداً أن العالم "يعيش ثورة جديدة مع الذكاء الاصطناعي والأتمتة"، وأن سوق العمل الأسترالي "يقف عند مفترق طرق سيتحدد معه مستقبل الوظائف وطبيعة الحياة اليومية".
وأوضح الأسدي أن "اللاجئين والمهاجرين قد يواجهون صعوبات إضافية في المنافسة، مبيناً أن تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2025 توقع أن "نحو 30 في المئة من الأعمال الحالية ستتأثر بدرجات متفاوتة بالذكاء الاصطناعي"، ما يجعل برامج إعادة التأهيل وتطوير المهارات "ضرورة قصوى".
وأشار إلى أن "المهارات الجوهرية Core Skills مثل القدرة على التواصل، حل المشكلات، والتكيف مع التغيير، ستكون المفتاح للبقاء في سوق عمل يتغير بسرعة".
وقرن ذلك بالدعوة إلى "تركيز برامج الدعم الموجهة للاجئين على هذه المهارات التي يمتلكون بالفعل جزءاً منها بحكم تجاربهم الحياتية".
الأسدي : قوة اللاجئين تكمن في مرونتهم وقدرتهم على تحويل التحديات إلى فرص
كما نبه الأسدي إلى أن "بعض القطاعات مهددة بالانكماش مثل المحاماة، المحاسبة، والتحليل المالي، في حين ستبرز قطاعات جديدة مرتبطة بالبيانات والبرمجيات".
وخلص إلى القول إن "قوة اللاجئين تكمن في مرونتهم وقدرتهم على تحويل التحديات إلى فرص"، مضيفاً أن "استخدام القصة الشخصية والخبرة العملية يمكن أن يشكل رصيداً كبيراً في سوق العمل الجديد".
وختم الأسدي مؤكداً أن "زيادة برامج إعادة التأهيل ليست خياراً بل ضرورة، لأن غيابها قد يقود إلى طوابير طويلة أمام سنترلينك، في حين أن وجودها سيمنح المهاجرين واللاجئين فرصاً حقيقية للاندماج والإبداع في بيئة العمل المستقبلية".
وتناولت الطاولة المستديرة محاور المرونة الاقتصادية ونمو الإنتاجية واستدامة الموازنة والإصلاح الضريبي
وتركزت النقاشات على قضايا الإسكان والذكاء الاصطناعي والاصلاح الضريبي حيث بحثت الحكومة إصلاحات لتعزيز المعروض السكني، بينها تعديلات على "مدونة البناء الوطنية" وقانون حماية البيئة لتسريع الموافقات على المشاريع، بالاضافة الى دعوات لجنة الإنتاجية لتقليل القيود لتعزيز الابتكار والإنتاجية، في حين تطالب النقابات والجهات الإبداعية بفرض حماية أكبر للعمال في حين شملت المقترحات رفع ضريبة السلع والخدمات (GST) إلى 15% مقابل دفع تعويض سنوي للأفراد، وتخفيض ضريبة الشركات الصغيرة والمتوسطة لدعم الاستثمار ، بالاضافة الى إصلاحات في "الخصم الضريبي على الفوائد العقارية" (Negative Gearing) وإعادة طرح فكرة "سعر الكربون".
يمكنكم الاستماع للتقرير في التدوين الصوتي أعلاه.