تتصاعد أزمة الإسكان في أستراليا وسط صعوبات في تلبية الطلب المتزايد على المنازل وارتفاع تكاليف البناء، ما يدفع الأنظار إلى حلول مبتكرة يمكن أن تغيّر قواعد اللعبة.
أحد هذه الحلول هو البناء المعياري (Modular Homes) والتي تُبنى في المصانع وتُنقل جاهزة إلى مواقع السكن بسرعة وكفاءة وتُقدَّم اليوم بجودة وتصاميم تضاهي البيوت التقليدية .
وفي موازاة ذلك، يفتح التطور التكنولوجي الباب أمام المنازل المطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد، حيث تتحول المخططات الهندسية برموزها الرقمية إلى طبقات تُشيّد بواسطة طابعات عملاقة في غضون أسابيع بدل شهور طويلة.
هذان الاتجاهان المنازل الجاهزة والمطبوعة لا يقتصران على السرعة فحسب، بل يحملان وعودا بخفض التكلفة والحد من الأثر البيئي، مع تحديات تتعلق بالتمويل، القبول المجتمعي، والقدرة على التوسع. فهل يمكن أن تكون هذه هي البداية لحل جذري لمعضلة السكن في أستراليا؟
يوسف مرتضى: المنازل الجاهزة تختصر البناء من عام ونصف إلى 3 أشهر فقط
الخبير العقاري يوسف مرتضى قال ـ"أس بي أس عربي " إن البناء المعياري يمثل تحولًا جذريًا في قطاع الإسكان، موضحا أن البيوت الجاهزة تُصنّع في مصانع متخصصة ثم تُركّب في الموقع، ما يقلل الزمن اللازم للبناء بين عام وعام ونصف الى ما بين ثلاثة وأربعة أشهر فقط.
وأضاف أن التكلفة تنخفض بنحو 15–20% بفضل وفورات الحجم وتقليل العمالة الميدانية.
وأشار مرتضى إلى أن "التصنيع في بيئة مضبوطة يقلل العيوب ويرفع الكفاءة الطاقية"، مبينا أن هذه المنازل "ليست مجرد حلول مؤقتة كما كان يُعتقد في الماضي، بل منازل عصرية بمعايير عالية".
يوسف مرتضى : هذه ليست كرفانات.. إنها منازل المستقبل
ولفت إلى أن مشاريع مثل مجمع "ساوث غرافتون" في نيو ساوث ويلز أثبتت نجاح هذا النموذج وجودته، مؤكدا أن "كل مشروع ناجح يساعد على تغيير الصورة النمطية المرتبطة بالبيوت الجاهزة".
وأوضح مرتضى أن "أزمة الإسكان الحالية تكمن في بطء تلبية الطلب المرتفع، مضيفًا أن البناء المعياري قادر على سد هذه الفجوة بسرعة من خلال إنتاج آلاف الوحدات سنويا، وإنشاء ضواحٍ كاملة خلال شهور بدل سنوات".
ورأى أن تقليل هدر المواد بنسبة تصل إلى 30% ودمج أنظمة الطاقة المتجددة يجعل من هذا النموذج أكثر استدامة وصداقة للبيئة.
ومضى إلى القول إن العقبات لا تزال قائمة، أبرزها اللوائح المعقدة التي تختلف بين الولايات، وتردد البنوك في تمويل هذا النوع من المنازل، إضافة إلى حاجة المجتمع لرؤية أمثلة حيّة تمنحه الثقة بأن هذه ليست كرفانات بل منازل حقيقية.
يوسف مرتضى: الطباعة ثلاثية الأبعاد قد تصنع أول ضاحية كاملة في أستراليا خلال عقد
وتابع مرتضى حديثه عن المنازل المطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد، موضحا أنها تختلف عن البناء المعياري بكونها تُشيّد مباشرة في الموقع باستخدام طابعات عملاقة تضخ الخرسانة طبقة طبقة.

وأوضح أن هذه "التقنية تختصر زمن البناء من 12 شهرا إلى 12 أسبوعا فقط، وتقلل التكلفة بنسبة تصل إلى 30 بالمائة"، مضيفا أن "التوفير في الزمن والمواد قد يسهم في تقليص فجوة الإسكان إذا طُبقت على نطاق واسع".
وأشار إلى المخاوف بشأن فرص العمل، مبينا أن "أي تكنولوجيا جديدة تعيد تشكيل سوق العمل" ومضى الى القول أن "الطباعة ثلاثية الأبعاد قد تقلل من الوظائف التقليدية لكنها تخلق أخرى جديدة في مجالات التشغيل والصيانة والبرمجة".
واستعرض الجوانب البيئية، مؤكدا أن "الطباعة ثلاثية الأبعاد تقلل من النفايات باستخدام الكمية المطلوبة من المواد فقط، مع إمكانية تطوير خلطات خرسانية صديقة للبيئة".
لكنه رأى أن نجاح التجربة يتطلب المزيد من الأبحاث لإثبات كفاءة هذه المنازل على المدى الطويل.
وقرن مرتضى مستقبل هذه التقنية بتجارب دولية مثل المكسيك وأوروبا، حيث بدأت محاولات لبناء مجمعات كاملة بالطباعة، مضيفا أن "أستراليا قد تشهد أول ضاحية مطبوعة بالكامل خلال عقد إذا توافرت اللوائح والدعم الحكومي".
وخلص إلى القول إن هذه الحلول لا تمثل مجرد تجارب تقنية، بل أدوات واقعية يمكن أن تغيّر قواعد لعبة السكن في أستراليا، شريطة التعامل معها بذكاء مالي، وتجاوز العوائق التنظيمية والتمويلية.
يمكنكم الاستماع للتقرير في التدوين الصوتي أعلاه.