قال الدكتور مصطفى علم الدين طبيب الصحة العامة في ولاية نيو ساوث في حديثه لإذاعة أس بي أس عربي، ضمن بودكاست" تحت المجهر" إن الأرقام الصادرة حديثًا من تحالف التطعيم لدى منظمة الصحة العالمية، عن حال التطعيم في أستراليا بأنها "مقلقة للغاية"، خاصة مع الانخفاض الملحوظ في تغطية تطعيمات الأطفال في مراحل عمرية مختلفة مثل تراجع معدل التطعيم في عمر 12 شهرًا من 94.8% إلى 91.6%. وفي عمر السنتين، انخفض المعدل من 92.1% إلى 89.4%. أما في عمر خمس سنوات، فقد تراجع من 94.8% إلى 92.7%.
وتغطي هذه الإحصاءات لقاحات أساسية مثل السعال الديكي، التيتانوس، الفيروس العجلي، أربعة أنواع من المكورات السحائية، بالإضافة إلى الحصبة والنكاف.
هل أصبحنا متعبين من التطعيم؟
بالتوازي مع استمرار الحديث عن متحوّرات كورونا، خصوصًا أوميكرون وسلالاته، بدأت ظاهرة جديدة تفرض نفسها على أجندة الصحة العامة: تسمى بحالة "الإرهاق من اللقاحات" (Vaccine Fatigue).
وقال طبيب الصحة العامة الدكتور مصطفى علم الدين، إنه ورغم أن اللقاحات قد ساهمت بشكل محوري في تقليل الإصابات والوفيات خلال ذروة الجائحة، فإن الاستجابة المجتمعية لحملات التطعيم بدأت تَفتر. وفي دراسة علمية حديثة، راجعت عشرات الأبحاث حتى نهاية عام 2021، خلصت إلى أن "الإرهاق من اللقاحات" بات ظاهرة حقيقية.

Source: AAP, AP / AAP Image/Josh Andersen/OHSU via AP
تعرف الدراسة هذه الظاهرة بأنها حالة من اللامبالاة أو التراجع عن التفاعل مع المعلومات أو الالتزام بالتوصيات الصحية المتعلقة بالتطعيم، نتيجة شعور نفسي بالضغط أو الإنهاك. والمفارقة أن هذه الظاهرة لا تقتصر على العامة، بل تشمل أيضًا الآباء.
لماذا نشعر بهذا الإرهاق؟
الدراسة حددت عدة أسباب متشابكة وراء هذه الظاهرة، من بينها:
- التكرار المفرط للرسائل والدعوات للتطعيم، ما يولّد شعورًا بالإجبار بدلًا من القناعة.
- القلق من الآثار الجانبية حتى وإن كانت طفيفة، ما يدفع البعض للتردد.
- سوء الفهم أو التضليل الإعلامي بشأن خطورة الأمراض أو فعالية اللقاحات.
- تناقض التصريحات الرسمية، كما حصل مع تعريف "التطعيم الكامل" في بعض الدول.
- تراجع الثقة في المؤسسات الصحية والإعلامية بسبب غياب الشفافية أحيانًا.
الإعلام بين التوعية والإنهاك
في عام 2021 وحده، قضى المستخدمون حول العالم نحو 43 مليون ساعة في قراءة محتوى متعلق باللقاحات، من أصل 275 مليون ساعة خصصت للأخبار الصحية. هذا الكم الهائل من المعلومات، رغم أهميته، قد يتحول إلى عبء نفسي إذا لم يكن منسقًا ومبنيًا على أساس علمي موثوق. وتؤكد الدراسة، أن بعض أسباب إرهاق اللقاحات متجذرة في طبيعة الأزمة الصحية ذاتها، مثل الحاجة إلى الجرعات المعززة أو التغيرات في بروتوكولات الحماية. لكن يمكن الحد من تأثيرها عبر خطوات عملية، أهمها:
- تقديم معلومات صحية دقيقة وواضحة وغير متضاربة.
- تبني لغة تواصل إنسانية ومتفهمة تراعي مخاوف الجمهور وتقدّر شعورهم بالإنهاك.
- العمل على استعادة الثقة من خلال الشفافية والوضوح في الرسائل الصحية.
إن الإرهاق من أخذ اللقاحات ليس مجرد ظاهرة عابرة أو مصطلح نظري؛ بل هو تحدٍ حقيقي قد يعرقل جهود الصحة العامة، خاصة مع احتمال ظهور موجات وبائية جديدة، والتعامل معه بجدية وبحس إنساني قد يشكل الفرق بين نجاح حملات التطعيم أو انتكاستها.
تنبيه: هذه المعلومات ذات صبغة إرشادية و ليست تشخيصًا لحالة بعينها، وفي حالة طلب استشارة خاصة، يرجى مراجعة طبيبكم الخاص.
استمعوا لتفاصيل أكثر عن هذا الموضوع بصوت طبيب الصحة العامة الدكتور مصطفى علم الدين بالضغط على التدوين الصوتي في الأعلى.