للاستماع إلى أحدث التقارير الصوتية والبودكاست، اضغطوا على الرابط التالي. لم يعد Cyber Monday أو ما يُسمّى "الاثنين السيبراني" مجرد امتداد رقمي للجمعة السوداء، بل تحوّل خلال السنوات الأخيرة إلى أكبر حدث للتسوق الإلكتروني على مستوى العالم، متفوّقًا في الولايات المتحدة ودول أخرى على Black Friday نفسه.
ويشهد هذا اليوم، الذي تحلّ تخفيضات عام 2025 فيه في 2 ديسمبر/كانون الأول، موجة عروض إلكترونية تشمل الملابس والأحذية والإلكترونيات والألعاب والخدمات الرقمية، وتمتد في كثير من المواقع حتى منتصف الليل.
ومثلما تطوّر البلاك فرايداي تاريخيا من انهيار في سوق الذهب إلى موسم خصومات، تطوّر Cyber Monday ليصبح "النسخة الذكية" من سباق التسوّق، حيث تنتقل المنافسة من ممرّات المتاجر التقليدية إلى خوارزميات المنصّات الإلكترونية. وكأن سايبر مونداي هو ردّ السوق الرقمي على الجمعة السوداء برسالة مفادها: "الآن حان دوري".
من أين جاءت فكرة "الاثنين السيبراني"؟
بدأ مصطلح Cyber Monday عام 2005 عندما لاحظ تجّار التجزئة في الولايات المتحدة ارتفاعًا لافتًا في المبيعات الإلكترونية يوم الاثنين الذي يلي البلاك فرايداي.
وتوسّعت الفكرة مع ازدهار التجارة الإلكترونية ، لتتحوّل إلى مناسبة عالمية لا تعتمد على الطوابير أمام الأبواب، بل على ضغطة زر على الحاسوب أو الهاتف.
ومع انتقال شريحة واسعة من المستهلكين إلى التسوّق عبر الإنترنت خلال جائحة كوفيد-19، ترسّخ "الاثنين السيبراني" كبديل فعلي للحشود التي ترافق الجمعة السوداء، ليُصنَّف اليوم كأكبر يوم في السنة للتسوّق عبر الإنترنت، خصوصًا في فئات الأزياء والمجوهرات والإلكترونيات الصغيرة، إضافة إلى الدورات التعليمية والبرمجيات وخدمات حجز الدومين والاستضافة.
الذكاء الاصطناعي لاعب جديد في صفقات التسوّق
قبل أيام من انطلاق الموسم الشرائي بين بلاك فرايدي وسايبر ماندي ، أعلنت شركة OpenAI عن إطلاق أداة جديدة باسم "بحث التسوّق" ضمن "ChatGPT". وتسمح الأداة للمستخدمين بتصفح الإنترنت والحصول على دليل شراء مخصص بناءً على احتياجاتهم، ما يضيف بُعدا جديدا لعملية اتخاذ القرار.
يقول المهندس صلاح الربيعي، خبير تقنية المعلومات والذكاء الاصطناعي، إن سايبر مونداي 2025 "يمثّل مرحلة انتقالية في طريقة التسوق عبر الإنترنت"، موضحا أن "الخوارزميات لم تعد فقط أداة لعرض المنتجات، بل أصبحت شريكا في قرار الشراء ذاته".
ويضيف الربيعي أن أنظمة التتبع الرقمية "ترصد سلوك المستخدم، وتبني ملفًا رقميا لاهتماماته، ثم تبدأ في اقتراح المنتجات ومقارنة الأسعار وإرسال تنبيهات بعروض تبدو مصمّمة خصيصا له"، ما يجعل قرار الشراء "نتيجة تفاعل بين رغبة المستهلك وما تفرضه عليه المنصّات خلف الكواليس".
ومع تطور الذكاء الاصطناعي، تغيّرت طريقة التصفح نفسها يوضح صلاح الربيعي أن "المتسوق ما يدخل المواقع عشوائيا، الخوارزميات تتبع سلوكك، تقترح المنتجات، وتقارن الأسعار، وتقدم توصيات لحظية. يصير عندك توأم إلكتروني يعرف تحركاتك واهتماماتك."
ويشير إلى أن بيانات المستخدم اليومية من خرائط Google إلى Facebook تستخدم لصناعة شخصية رقمية يمكن التنبؤ بخياراتها، ما يزيد من تأثير الإعلانات الموجهة.
خطوات عملية قبل الضغط على زر "اشترِ الآن"
ويقول المهندس صلاح الربيعي "أول شيء لازم الواحد يتأكد من أن الشركة حقيقية… يتأكد من موقعها، ومن فترة وجودها. بعدين يفحص هل التخفيض حقيقي أم لعبة سعر، مرات تشوف خصم 70 أو 80 بالمئة، وهو مجرد خدعة."
ويشدّد الربيعي على أهمية مقارنة الأسعار عبر أكثر من موقع، والتأكد من أن المنتج موجود لدى شركات متعددة.
ويدعو المتسوقين إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لصالحهم لا العكس، عبر اتباع خطوات عملية قبل الشراء في سايبر مونداي، من بينها:
- إعداد قائمة واضحة بالاحتياجات بدل التصفّح العشوائي.
- استخدام أدوات المقارنة الموثوقة بين المواقع والأسعار.
- التحقق من تقييمات المتاجر الإلكترونية ومصداقيتها قبل إدخال بيانات البطاقة البنكية.
- التأكد من أن الخصم حقيقي عبر مقارنة السعر الحالي بسعر المنتج قبل الموسم.
ويشدّد على أن "أخطر ما في السايبر مونداي هو الشراء العفوي"، لأن الإعلانات الموجّهة قد تدفع المستهلك إلى اقتناء منتجات لم يكن يفكّر بها أصلا.
فاطمة حبلص : عروض مغرية.. ومخاطر سيبرانية موازية
من جانبها، تحذّر المهندسة فاطمة حبلص، المختصة بالذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، من أن السباق على العروض قد يفتح الباب أمام سباق آخر بين المتسللين على بيانات المستهلكين.
وتوضح حبلص "يجب ان نفرّق بين المتجر الحقيقي والمتجر الوهمي ، المتجر الوهمي يظهر فجأة في موسم التخفيضات ويختفي بسرعة".
وتقول إن أول خطوة للحماية تبدأ من "تحميل تطبيقات التسوق من المتاجر الرسمية فقط، وعدم الضغط على الروابط التي تصل عبر رسائل مشبوهة أو عروض تبدو خيالية"، مبينة ان "أهم خطوة هي تحميل التطبيقات فقط من متاجر رسمية ".
وتضيف حبلص أن استخدام شبكات "واي فاي" عامة لإجراء عمليات الدفع "يرفع مؤشر الخطر"، وتنصح بعدم إدخال بيانات البطاقات في هذه الشبكات، والاعتماد على وسائل دفع آمنة قدر الإمكان.
وتضيف فاطمة حبلص "الإعلانات على فيسبوك وإنستغرام أصبحت قناة رئيسية للمتاجر الوهمية" ومضت الى القول "إذا حسيت أن الإعلان يضغط على أعصابك بالوقت أو بالخوف خذ وقتك وقارن".
فاديا جابر: المتاجر تعرفك أكثر مما تظن
ترى استشارية التسويق فاديا جابر أن Cyber Monday "لم يعد مجرد يوم تخفيضات، بل تجربة سلوكية كاملة تُبنى على فهم عميق لعادات المستهلك".
وتقول استشارية التسويق فاديا جابر إن سايبر مونداي أصبح تجربة تسويقية مبنية على علم النفس أكثر من مجرد عروض.
وتشرح مبينة ان "المواقع تعرفك أكثر مما تتوقع ، تخاطب اللاوعي عندك. تشوف إعلان على فيسبوك، بعده على يوتيوب، بعده على إنستغرام بدون ما تنتبه، القرار يتكوّن تدريجيا لحد ما تحس إنه الوقت المناسب."
وتصف جابر ما يحدث بأنه "شبكة إلكترونية" من العروض والإعلانات تُصمَّم لخلق شعور بأن اليوم هو الفرصة الأخيرة.
وتشير إلى أن المواقع الإلكترونية "تخاطب اللاوعي لدى المشتري"، من خلال الإعلانات التي تلاحقه بين المنصات المختلفة، والعناوين التي تحمل عبارات مثل "آخر فرصة" و"بقيت قطعتان فقط".
وتقول جابر إن "عملية المحاصرة الرقمية خلال السايبر مونداي تشبه نسج شبكة من العروض والإشعارات ترفع مستوى الاندفاع، وتُشعر المستهلك بأن عليه أن يقرّر بسرعة قبل أن تضيع الفرصة"، مؤكدة أن "كل إعلان يظهر على الشاشة مبني على خوارزمية، وكل منتج معروض يبدو الخيار المثالي لأنه صُمّم ليبدو كذلك".
وتضيف أن هذا اليوم يستهدف بشكل خاص "من يرغبون في تجنّب الحشود أو لا يملكون وقتًا للذهاب إلى مراكز التسوّق"، ما يجعله "بيئة مثالية لتمرير خصومات حقيقية أحيانًا، ووهمية أحيانًا أخرى".
كيف يستعد المستهلك لذروة الإغراء الرقمي؟
يتفق الخبراء على أن Cyber Monday يحمل فرصا فعلية للحصول على أسعار مخفّضة، لكنه يحمل في الوقت نفسه مخاطر مالية ورقمية إذا غاب التخطيط، ويتفق الربيعي وحبلص على أن "أي خصم لا يستحق التضحية بالبيانات الشخصية أو المالية"، لذلك ينصحون المتسوقين بأن :
- يحددوا مسبقا ما يحتاجونه، لا ما تمليه عليهم الإعلانات.
- يضبطوا ميزانية واضحة، ويبتعدوا عن الشراء بدافع "التجربة فقط".
- يراجعوا سياسات الإرجاع والاستبدال قبل الدفع.
- يتأكدوا من موثوقية المواقع ووجود بروتوكولات حماية (https) في صفحات الدفع.
ويرى الخبراء أن السايبر مونداي ليس مجرد موسم عروض، بل اختبار آخر لوعي المستهلك أمام ذروة الإغراء الرقمي والمخاوف من ان يتحول فيه جهاز اللابتوب إلى شريك في جريمة حرق الرصيد