في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 شنّت حركة حماس هجمات دامية على إسرائيل أسفرت عن مقتل نحو 1200 إسرائيلي وأسر حوالى 250 شخصا.
تلك اللحظة كانت الشرارة التي فجّرت واحدة من أعنف جولات الصراع الطويل بين إسرائيل والفلسطينيين. منذ ذلك اليوم، دخلت غزة في دائرة قصف مستمر خلّف حتى أواخر سبتمبر/أيلول 2025 نحو 66 ألفا و416 قتيلا فلسطينيا بحسب وزارة الصحة في غزة، فيما تشير وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى مقتل 1,983 إسرائيليا خلال الحرب.
الحرب الأخيرة .. تصعيد في نزاع طويل الأمد.
في كل أزمة رهائن تتكرر الصورة: وجوه مفقودة، ومفاوضات تدور خلف الأبواب المغلقة وعائلات مشدودة إلى نشرات الأخبار، تنتظر الإجابات وتدفع ثمن نزاع ممتد لعقود
ما يجري اليوم في غزة يذكّر العالم بأن ملف الرهائن ليس جديداً، بل هو ظاهرة تتكرر في الصراعات الحديثة إما تفجر العلاقات او انها نتاج علاقات متفجرة، من طهران عام 1979 إلى بغداد واشباح ما بعد 2003، وصولا إلى مشاهد داعش في سوريا والعراق.
هذا التحقيق يفتح نافذة على المشهد الراهن، قبل أن يعود إلى أبرز المحطات التاريخية التي شكّلت ذاكرة العالم حول "أزمات الرهائن".

غزة ساحة لأعنف جولات الصراع الطويل بين إسرائيل والفلسطينيين Source: AAP
وفق الاتفاقية الدولية لمناهضة أخذ الرهائن عام 1979 التابعة للأمم المتحدة، يُعرَّف "أخذ الرهائن" بأنَّه أي شخص يختطف أو يحتجز شخصا آخر (الرهينة) (Hostages)، ويهدد بقتله أو بإيذائه، أو بمواصلة احتجازه، بهدف إجبار طرف ثالث ، مثل دولة، أو منظمة، أو شخص أو مجموعة ، على أن يفعل أو يتوقف عن فعل شيء كشرط صريح أو ضمني لإطلاق سراح الرهينة.
أيضا، يعد هذا الفعل جريمة دولية يجب على الدول الأطراف فيه أن تُعاقب مرتكبيه أو تُسلّمهم للعدالة بحسب الاتفاقية.
أما الاختطاف (kidnapping / abduction) في المفهوم الأوسع في إطار الأمم المتحدة فغالبا يُستخدم لوصف احتجاز شخص بالقوة أو الخداع أو التهديد، والاحتفاظ به ضد إرادته، لأغراض مادية أو سياسية مثل طلب فدية أو إجبار سلطة على إجراء معين.
من الناحية القانونية الدولية، يُنظر إلى أخذ الرهائن على أنه شكل خاص من الاختطاف مع عنصر التهديد والإكراه للحصول على مكاسب من طرف ثالث، ويُعد انتهاكا للقانون الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
بهذا التعريف، كل حالة رهائن سنستعرضها تندرج تحت هذا الإطار: احتجاز ، تهديد ، مطلب لإطلاق سراح.

متظاهرون يغلقون طريقا سريعا في تل أبيب، يوم السبت 10 فبراير/شباط 2024، خلال احتجاج للمطالبة بالإفراج عن الرهائن الذين احتجزهم مسلحو حركة حماس في قطاع غزة أثناء هجوم السابع من أكتوبر. Source: AP / Ariel Schalit/AP/AAP Image
في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، خُطف 251 شخصاً من داخل إسرائيل أثناء هجوم لحماس ، أشعل حريقا لم يتوقف. ومنذ ذلك اليوم، صار الرقم مادة للتقارير اليومية، يتغير مع كل صفقة تبادل أو عملية عسكرية.
وأحدثها :
في يونيو/حزيران 2025: أعلنت الحكومة الإسرائيلية أن 199 رهينة عادوا (منهم 148 أحياء و51 جثماناً) .
مايو/أيار 2025: منسق ملف الرهائن أكد أن 59 رهينة بقوا في غزة (24 أحياء و35 جثامين) .
يوليو/تموز 2025: التقديرات الإسرائيلية خفّضت الرقم إلى 20 أحياء فقط، بينما تؤكد منظمات أسر الرهائن أن العدد الإجمالي في غزة (أحياء + جثامين) وتقول الحكومة الإسرائيلية إن 47 شخصا ما زالوا في غزة حتى سبتمبر/أيلول 2025.
- من يُفترض أنهم على قيد الحياة: 20
- من يُفترض أنهم ليسوا على قيد الحياة: 27
عدد الرهائن الذين تمت إعادتهم: 204
- عدد الذين أُطلق سراحهم: 138
- عدد الذين أنقذهم الجيش الإسرائيلي: ثمانية رهائن
- عدد الذين تم العثور عليهم وتأكدوا أنهم ليسوا على قيد الحياة: 55 رهينة
- عدد من هربوا وقُتلوا بالخطأ على يد الجيش الإسرائيلي: ثلاثة رهائن
هذه الارقام اوردها مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو
اللافت أن الأرقام لا تُقرأ بمعزل عن السياسة: الحكومة تركز على الأحياء، فيما تواصل منظمات الأُسر الضغط للإبقاء على ذكر كل من ما زال محتجزاً أو مفقوداً ، ومنتدى عائلات الرهائن يضغط على نتنياهو عبر ترامب لإنهاء الحرب.
فيما اعلنت حركة "حماس"، مساء الجمعة، موافقتها على الإفراج عن كل الرهائن الإسرائيليين الأحياء وتسليم جثث الأموات بناء على مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وأكدت الحركة التي صنفتها استراليا ودول عديدة "منظمة إرهابية" في بيان "استعدادها للانخراط على الفور في مفاوضات عبر الوسطاء لبحث تفاصيل خطة ترامب" فيما حذرها ترامب من أنه "لن يتهاون مع أي تأخير"

الأكاديمية الإسرائيلية الروسية إليزابيث تسوركوف في إسطنبول مايو 2017 AFP
كان العراق مسرحا لعدة حملات اختطاف وأخذ رهائن بعد 2003، اُستهدف فيها صحافيون، باحثون، وعاملون إنسانيون. ...
واحدث الشواهد كانت في سبتمبر/أيلول 2025 :
الباحثة إليزابيث تسوركوف تظهر في اسرائيل عقب محطة استراحة في السفارة الاميركية ببغداد وذلك بعد اكثر من 900 يوم من الاختطاف
ترامب اكد اطلاق سراحها نتيجة ضغوط دبلوماسية مستمرة وبغداد تقول انها حررت بعد جهود استخباراتية
والمحصلة انها نُقلت إلى تل أبيب عبر قبرص بوساطة آيسلندية ، لتُظهر حالتها كيف أن حياة باحثة أكاديمية عابرة الجنسيات يمكن أن تُستثمر في صراع سياسي، وكيف أن أقصى الحدود لحماية العمل الأكاديمي قد تُقهر في وجه جماعات مسلحة ترى في الاختطاف منصة قوية.
وتذكر بمسلسل طويل من الاختطاف كان عنوانه العراق بعد 2003.. رهائن الفوضى
فمع الغزو الأميركي للعراق وسقوط الدولة، تحولت الجماعات المسلحة إلى قوى صاعدة استخدمت الخطف كورقة تفاوض ودعاية.
الضربة الأشد كانت حادثة كنيسة سيدة النجاة بالعراق ... حيث تحولت الصلاة الى مأساة، انتهت باقتحام القوات الأمريكية والعراقية الكنيسة بوسط بغداد لتحرير 40 من المصلين الذين احتجزوا من قبل مسلحين مجهولين طالبوا باطلاق سراح ارهابيين معتقلين في العراق ومصر.
قتل في الحادثة سبعة رهائن وأصيب 13 اخرون بجروح وتم قتل ثمانية من الخاطفين وفجر التاسع نفسه قبل اقتحام الكنيسة
العراق بعد 2003 قدّم نموذجاً مأساوياً لتقاطع الحرب مع الصحافة والعمل الإنساني، حيث صار الأجانب هدفاً ثميناً ورسائل بشرية تُبث عبر شريط فيديو.
وجوهٌ ضاعت في فوضى أشد فتكاً من الحرب :
- مارغريت حسن مديرة منظمة CARE في العراق : خُطفت ببغداد في أكتوبر 2004، وأُعلن بعد سنوات عن مقتلها ، دون العثور على رفاتها .
- كينيث بيغلي (مهندس بريطاني): خُطف مع أميركيَّين، وقُتل في أكتوبر 2004 على يد تنظيم "التوحيد والجهاد" بقيادة الارهابي أبو مصعب الزرقاوي .
- جيل كارول (صحافية أميركية): خُطفت ببغداد يناير 2006، وأُفرج عنها بعد 82 يوماً، لتروي كيف استُخدمت كأداة ضغط إعلامي .
- جوليانا سغرينا (صحافية إيطالية): أُفرج عنها في آذار مارس 2005، بعد اشهر من اختطافها لكن عملية تحريرها انتهت بمقتل الضابط الإيطالي نيكولا كاليباري برصاص أميركي، ما فجّر أزمة دبلوماسية .
رهائن لبنان .. وجوه عالقة في متاهة الحرب
أزمة الرهائن في لبنان تشير إلى اختطاف 104 رهينة أجنبية في لبنان بين عامي 1982 و1992 عندما كانت الحرب الأهلية اللبنانية "في ذروتها"، معظم الرهائن كانوا من الأميركيين والأوروبيين الغربيين ويمثلون يمثلون 21 بلدا.
توفي ما لا يقل عن ثمانية رهائن في الأسر وقتل بعضهم بينما توفي آخرون بسبب نقص الرعاية الطبية الكافية للأمراض.
ونتوقف عند ابرزهم :
- ديفيد دودج David Dodge رئيس الجامعة الأميركية في بيروت ، هو أول غربي يُختطف في لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 واختطافه كان حدثا تأسيسيا فتح باب موجة اختطافات الغربيين في بيروت.
- ويليام باكلي William Buckley عام 1984، دبلوماسي أميركي، في الواقع كان قائد محطة الـ CIA في بيروت ، اختطافه ثم مقتله أصبح رمزا لمأساة الرهائن الأميركيين، وكشف خطورة تورط الاستخبارات في المشهد اللبناني.
- تيري أندرسون Terry Anderson 1985 وهو كبير مراسلي وكالة أسوشيتد برس في الشرق الأوسط. أمضى ست سنوات و تسعة أشهر رهينة، وهو صاحب أطول مدة احتجاز لرهينة أميركي في لبنان أصبح وجها إعلاميا عالميا لملف الرهائن.
- بريان كينان (Brian Keenan) – 1986 وهو معلم إيرلندي للغة الإنجليزية في الجامعة الأميركية ببيروت واحتجز أربع سنوات ونصف تقريبا، وأصبح لاحقا أحد أبرز الأصوات التي وثّقت تجربة الرهائن بكتاب "An Evil Cradling" .
- جون مكارثي (John McCarthy) – 1986 وهو صحفي بريطاني اختطف في أبريل 1986، ظل رهينة لأكثر من خمس سنوات، وكان آخر رهينة بريطاني يُفرج عنه في لبنان عام 1991 وأثارت قصته تعاطفا واسعا في بريطانيا وأوروبا.كبير مراسلي وكالة أسوشيتد برس في الشرق الأوسط تيري أندرسون صاحب أطول مدة احتجاز لرهينة أميركي في لبنان مع عائلته في فرجينيا Source: AP / Greg Gibson/AP
رهائن عصر الفيديو
في عامي 2014–2015، أخذ تنظيم داعش ظاهرة الرهائن إلى مستوى جديد، جمع بين العنف المفرط وتقنيات الدعاية.
- جيمس فولي (صحافي أميركي): كان فيديو إعدامه في أغسطس 2014 صدمة عالمية .
- ستيفن سوتلوف (صحافي أميركي): أُعدم في سبتمبر 2014 .
- كايلا مولر (عاملة إغاثة أميركية): أُعلن مقتلها في فبراير 2015 .
- معاذ الكساسبة طيار اردني سقطت طائرته في الرقة وأثارت الجريمة الوحشية لإعدامه حرقا تعاطفا وغضبا كبيرين في الأردن والعالم
- الصحفي الأميركي بيتر ثيو كورتيس، خطفته "جبهة النصرة" في سوريا عام 2012 واحتُجز 22 شهراً، عاد إلى الولايات المتحدة بعد إطلاق سراحه في أغسطس 2014.
- الصحفي الأميركي أوستن تايس اختفى قرب دمشق في 2012 أثناء تغطيته الثورة السورية.ورغم 13 عاما من الجهود، ظل مصيره غامضا بين إنكار النظام السوري وفبركة روايات متضاربة، ليبقى اختفاؤه من أعقد ملفات الرهائن الأميركية.
وهذه المرحلة أبرزت كيف صار "الفيديو" جزءاً من عملية الخطف، حيث يُنتج ويُوزع كرسالة دعائية، في مشهد لا ينسى من الحرب الإعلامية.

رهائن سابقون يصلون إلى الولايات المتحدة في 25 يناير/كانون الثاني 1981، بعد إطلاق سراحهم من قبل محتجزيهم في إيران. المصدر: MSGT Deal Toney / وزارة الدفاع الأميركية
في الرابع من نوفمبر تشرين الثاني 1979 اقتحم طلاب إيرانيون السفارة الأميركية في طهران واحتجزوا ستة وستون دبلوماسيا وموظفا.
أُفرج عن بعضهم مبكرا، لكن اثنين وخمسن رهينة بقوا محتجزين طوال 444 يوما، حتى يوم تنصيب رونالد ريغان في يناير 1981.
تلك الأزمة غيّرت وجه العلاقات الأميركية الإيرانية، ورسّخت فكرة أن الرهائن يمكن أن يتحوّلوا إلى سلاح سياسي يعيد رسم موازين القوة.
بومباي 2008.. المدينة تحت الحصار
في 26 من نوفمبر /تشرين الثاني 2008 شنّ مسلحون هجمات منسقة على فنادق ومواقع حيوية في بومباي، بينها فندق تاج محل و أوبري ، واحتجزوا العشرات رهائن.
انتهت العملية بعد ثلاثة أيام، بتحرير 93 رهينة والعثور على 24 جثة، في واحدة من أكثر الهجمات دموية التي شهدتها الهند.
بيسلان 2004.. مأساة المدرسة
في الأول من سبتمبر / أيلول 2004، اقتحمت مجموعة انفصالية مسلحة مدرسة في مدينة بيسلان الروسية واحتجزت أكثر من 1100 شخص، معظمهم أطفال.
بعد ثلاثة أيام من الحصار، اقتحمت القوات الروسية المبنى بالدبابات، وانتهت الكارثة بمقتل 320 رهينة، بينهم 186 طفلًا، لتبقى واحدة من أفظع مشاهد الرهائن في التاريخ الحديث.
مسرح موسكو 2002.. رهائن في صالة العرض
في 23 أكتوبر / تشرين الاول 2002، احتجز مقاتلون شيشانيون نحو 850 شخصا داخل مسرح موسكو مطالبين بإنهاء الحرب في الشيشان.
ردّت القوات الروسية بضخّ غاز في نظام التهوية قبل الاقتحام، فقتل 129 رهينة و39 من المسلحين، معظمهم اختناقا بالمادة السامة ، مشهدٌ يجسد كيف يمكن لإنقاذٍ متسرّع أن يتحوّل إلى فاجعة.
هبوط اضطراري .. مسار الرحلة قد تغير
- ولم تقتصر حوادث الاختطاف واخذ الرهائن على البر ، فالسماء كانت مسرحها ابرز خمسة مشاهد طبعت ذاكرة خطف الطائرات بين السياسة والرعب والابتزاز كانت :
- 11 سبتمبر 2001 (الولايات المتحدة): أربع طائرات خُطفت وانتهت بهجمات نيويورك وواشنطن؛ والتي غيّرت أمن الطيران والعالم.
- عنتيبي 1976 (أوغندا): عملية إنقاذ إسرائيلية جريئة أنهت احتجاز طائرة فرنسية خُطفت إلى عنتيبي، وأسفرت عن تحرير أكثر من مئة رهينة
- يوم خطف الطائرات 1970 (داوسن فيلد–الأردن): الجبهة الشعبية تختطف ثلاث طائرات دفعةً واحدة وتُفجّرها بعد إخلاء الركاب.
- الرحلة 181 لوفتهانزا 1977 (من أوروبا إلى مقديشو): تنقلت الطائرة بين خمس دول قبل اقتحامها في مقديشو، حيث قُتل القبطان وحرِّر الركاب في عملية خاطفة أنهت أسبوعًا من الرعب
- الرحلة 648 مصر للطيران عام 1985 (مالطا): اقتحام فاشل يُسقط عشرات القتلى؛ في مثال دامٍ على كلفة "إنقاذٍ متعجّل"
- الطائرة العراقية 1986 والطائرة الكويتية "الجابرية" 1988: حادثتان عربيتان ما زالتا تثيران الغموض؛ الأولى تحطمت بين السعودية والأردن بعد انفجار قنبلة ألقاها الخاطفون، والثانية دارت بين مشهد ولارِنكا والجزائر لأكثر من أسبوعين، وانتهت بمقتل رهينتين ونجاة الباقين.
ما وراء الأرقام: لماذا الرهائن؟
الرهائن يقدّمون أوراقاً سياسية ودعائية في آن واحد ، لكنهم ليسوا مجرد أرقام، بل وجوه وقصص. وتبقى أزمات الرهائن مرآة لزمن مضطرب