الشاعر والمحامي الأستاذ ماروان كساب، ابن الثمانين عاما، أخذ موهبة الزجل المرتجل عن والده وما زال يؤمن برسالة الفن اللبناني التراثي ويرى ان الشعر روح سلام ورباط أخوة.
أتى الأستاذ كساب منذ قرابة العشرين سنة بعد ان مارس المحامة في لبنان لما يزيد على خمسة وثلاثين عامل وهو الآن وبالرغم من أنه في الثمانينات من العمر ما زال ناشطا في الجالية العربية واللبنانية في أستراليا وله كلمته على الساحة الأدبية ولا يبخل على أحد ببيوت الشعر الزجلية التراثية والسهرات البيتية المفعمة بروح البساطة والأخوة.
وفي حديث له مع اس بي اس عربي 24 قال الأستاذ كساب أن شاعر الزجل يتحلى بصوت قوي وشخصية مقربة من الناس ويتميز وبسرعة البديهة.
الأستاذ كساب شخصية محببة متواضعة وعميقة، شاعر ورجل قانون، جبل المواد الجامدة والعملية بنفحة الكلمة الحلوة والشعور والإحساس بالآخر.
ووجد بين الزجل والمحاماة أرضية مشتركة، قائمة على معرفة القوانين والعلم من جهة وعلى الروح الإنسانية والروحانية التي تتحلى بها القلوب الطيبة من جهة أخرى.
وبعد عقدين ونيف من الأغتراب عن الوطن، يشعر الأستاذ كساب بحنين للوطن الذي طالما آمن به وبوجوب اتحاد أبنائه على مختلف الطوائف والأطياف "لبناني الأصل ولي الشرف، عشت منذ طفولتي في عالم الشعر والزجل ودرست المحاماة، شجعني زملاء الدراسة على امتهان الحقوق اذ رؤوا بي جهوزيتي للدفاع عن الحق".
ترعرع الأستاذ كساب في عائلة مزجت بين الحقوق والفنون، وأخذ هو واخوانه موهبة إرتجال الشعر الزجلي عن والدهم، الذي كان معروفا في أوساط الفن التراثي في لبنان.
وأضاف أستاذ كساب ان عالمي الشعر والمحاماة ليسا بنقيضين، بل هناك قواسم مشتركة بين المجالين، يزيد كل منها جمالا وبراعة على الآخر، "المحاماة تجمع العلم والفن معا، فالعلم يشمل القواعد والمواد القانونية التي ينبغي على كل رجل حقوقي معرفتها والألمام بها لمتابعة رسالته المهنية، فالمحاماة تتضمن اجراءات قانونية على الإنسان أن يتعاطى معها بشكل واقعي وعملي، وفي الوقت نفسه يرافق الشعر كل مهنة في الحياة وكل رسالة لأن الشعر هو نبع الشعور والأخلاق والإحساس مع الآخرين."
وأشار الأستاذ كساب الى ان "المحامي الناجح(..) هو من لا يتعامل مع النصوص الجامدة وحسب بل من يتميز بمهنته بحركة روحانية ووجدانية".
وعن دوافع الهجرة قال الأستاذ كساب ان الإنسان لا يتحكم بظروف حياته بشكل كليّ، وانه وعن طريق الصدفة النتقى بمهاجرين أحبوا شعره ودعوه الى أن يزور أستراليا حيث لاقى المزيد من الترحاب والإقبال، وكان هذا تزامنا مع تردّي الأوضاع السياسية في لبنان "في لبنان تدهور العمل الحقوقي في تلك الآونة لأسباب سياسية، وأنا مارؤست المحاماة لسنين طويلة وعملت كمحامي للحكومة اللبنانية لخمس سنوات كما حاضرت في الجامعات ودرّست في جامعة الحكمة لأكثر من سنة".
وعن تفانيه في عمله قال "مارست المهنة من قلبي وضحّيت كثيرا وعالم الحقوق والمحاماة عالم صعب ومعقد اذ يتوجب عليك التعامل مع ظروف الإنسان ومشاكله".
ومن الممكن أن يتساءل المرء ما الذي يدفع الى هجرة الأدمغة والمثقفين والأساتذة، هذا قد يكون واحد منها: "وجدت أني سأكون غريبا في وطني مع تأزم الأوضاع السياسية في لبنان آنذاك، شعرت أني وصلت لمكان مسدود الآفاق".
ويشجع الأستاذ كساب على الوحدة والإخاء لينهض الوطن "عشت الحرب البنانية وراقبتها وحاولت أن أكون رسول سلام بين كل الجهات، نحن نؤمن بالوحدة بين جميع الطوائف، عندما كنت أدرس في الجامعة لم نكن نشعر بأي تفرقة لا بل عشنا كأخوة لبعضنا "كان لبنان نموّذج للشرق والغرب التعايش الروحي والسلمي والأمان والإطمئنان".
وقال الأستاذ كساب ان الزجل هو كالسهل الممتنع، فبالرغم من بساطته يحمل معان عميقة ورسالة انسانية وغالبا ما يكون الشاعر لسان حال الشعب "الزجل هو لغة الشعب، والشعر وسيلة تواصل قائمة على الكلمات التي تنطلق من القلب".
ويعتبر الزجل من الشعر التراثي الذي يتميز بالعفوية، مع احترام الأوزان والقوافي وبالرغم من ان الزجل الإرتجالي كان سائدا الى ان التحضير المسبق متعارف عليه خاصة في مواجهة أو مناورة الشعراء عبرالمنابر في حوار شعري قائم على "الردة" حيث يتنافس الشعراء بجو ثقافي راق وبحماس غير اعتيادي وروح رياضية وأخوية، يقدم الشاعر ما حضره ولكن بشكل مرتجل فيبرز الشاعر المتمرس".
وأضاف الأستاذ كساب " انا أؤمن ان الشاعر الزجل هو ركيزة لبنانية وإنسانية أبعد من حدود لبنان بصوته وشعره وأخلاقه ، الجوقات الزجلية تتنافس بهدف اضافة الجمال والرقي وتكون القلوب ملتقية بالمحبة، هم يتنافسون وديا."
وتطرأ الأستاذ كساب الى الوقاع السياسي متمنيا الإتفاق بين الفرقاء لمصلحة الوطن ومنددا بالتفراقاتن الأجتمكاعية والسياسية والطائفية "حبذا لو اقتدى القادة السياسيون اللبنانيون بروح الزجل المفعمة بالتقاليد وبروح لبنان".
وعن هذا الموضوع ضرب الأستاذ كساب مثلا في التآخي وعيش الوحدة "دائما هناك جوقتين للتنافس الزجلي وفي السياسة هناك موالاة ومعارضة، الجزل هو من التراث الأصيل وحبذا لو اقتدى الجميع بروحه الطيبة"
وعن الأدب والشعر قال الأستاذ كساب "الشعر مرآة صافية تعكس مشاعر وأحاسيس الناس في كل زمان ومكان".
وبدا التأثر واضحا في صوت الشاعر الأستاذ مروان كساب حين ألقى بقصيدة للبنان تتحدث عن هجرته وسفره الى أستراليا.
وختم الأستاذ كساب عبارة علّمتني الحياة قائلا "إن الغرور عدو الإنسان، أما المحبة فهي السلاح الأقوى، كل شيء على هذه الأرض باطل، الحقد لا يؤدي الا للدمار ويؤذي صاحبه كما يؤذي الآخرين".
وقدم الأستاذ كساب تحية سلام وأخوة لكل إنسان "نحن كلنا أخوة على هذه الأرض".




