أشعل تسريب وثيقة سرية من وزارة الخزانة الأسترالية جدلا واسعا حول مستقبل الاقتصاد وسوق العقارات، بعدما كشفت ملامح خطة إصلاحية قاسية تشمل رفع الضرائب وتقليص الإنفاق، مع اعتراف رسمي بفشل الحكومة في تحقيق هدفها ببناء 1.2 مليون منزل خلال خمس سنوات.
وأقرّت الوثيقة، التي تداولتها وسائل الإعلام، بأن النظام الضريبي الحالي لم يعد قادرا على تمويل الاحتياجات المتزايدة، ما يستدعي "إصلاحات صعبة" قد تشمل ضرائب جديدة وتقليص الامتيازات وأن "التحسينات في الميزانية يجب أن تأتي من النمو الاقتصادي والإيرادات الإضافية وخفض الإنفاق"، وسط توقعات بأن تطال هذه الإجراءات سوق العقار.
يوسف مرتضى : ما ورد في الوثيقة المسربة يشير الى أزمة مالية هيكلية
وكشف الخبير العقاري يوسف مرتضى في حديثه لـ"أس بي أس عربي" أن ما ورد في الوثيقة لا يُمثل رأيا فرديا، بل توجيها استراتيجيا و" توصيات رسمية من وزارة الخزانة تشير الى أزمة مالية هيكلية" تواجهها الحكومة، مشيرا إلى أن التسريب يحمل أبعادا تتجاوز الأرقام، لأنه يقر ضمنيا بأن أهم وعود الحكومة، وهو بناء مليون و200 ألف منزل، لن يتحقق.
وقال مرتضى إن "هدف مليون و200 الف منزل كان يشكّل حجر الزاوية لحل أزمة العرض في السوق العقاري" مبينا أن "وتيرة البناء الحالية لا تتجاوز 42 ألف منزل كل ثلاثة اشهر، ما يعني أننا نسير أبطأ بنحو 30 بالمائة من المطلوب".
واعتبر أن الأزمة "ستشتد مع استمرار تدفق الهجرة، وارتفاع الطلب، وعجز المعروض، مما قد يدفع الإيجارات لمستويات قياسية، ويزيد صعوبة التملك لدى العائلات".
ورصد مرتضى في الوثيقة إشارات واضحة لاحتمال مراجعة بعض الامتيازات الضريبية المعتمدة في السوق العقاري، مثل نظام "النيغاتيف غيرينج" والإعفاءات من ضريبة الأرباح الرأسمالية CGT، رغم عدم ذكرها صراحة على حد تعبيره . وأوضح أن "أي تعديل في هذه الأنظمة سيغير سلوك المستثمرين ويؤدي إلى تريث في قرارات الشراء، وربما انسحاب مؤقت من السوق".
يوسف مرتضى : الأشهر المقبلة ستشهد تباطؤاً في البناء والنمو العقاري
ورجّح مرتضى أن "تشهد الأشهر المقبلة تباطؤاً في البناء والنمو العقاري" لافتا الى ان "عدد القروض السكنية الجديدة انخفض، وان المطورين يعانون من تضخم في كلفة البناء خاصة في ضواحي مدن مثل سيدني وملبورن، حيث الأسعار ارتفعت بسرعة في العامين الماضيين".
ومضى الى القول بان العديد "من المطورين بدأوا يعيدون تقييم مشاريعهم بسبب ارتفاع تكاليف البناء ونقص العمالة، ما قد يُفاقم العجز في المعروض".
واكد مرتضى أن "الإشارات المتضاربة من الحكومة تجعل المستثمرين أكثر حذرا"، لافتا إلى أن بعضهم "بدأ يوجّه اهتمامه إلى ضواحي أرخص أو أنماط عقارية مثل الـ(تاون هاوس)، بحثا عن استقرار نسبي في العائدات وتكاليف أقل".
مرتضى: سوق العقار غير مستقر لكنه لم يدخل في مرحلة انهيار
ووصف مرتضى السوق الحالي بأنه "سوق غير مستقر لكنه لم يدخل في مرحلة انهيار"، مشيرا إلى أن "الطلب لا يزال قائما بفعل الهجرة والطلاب الدوليين، لكن غياب اليقين الضريبي والاقتصادي يفرض مزيدًا من الحذر على المستثمرين والأسر على حد سواء".
ودعا مرتضى المشترين الجدد إلى "عدم اتخاذ قرارات بدافع الخوف أو اللحظة"، مؤكدا أن من "يشتري للسكن يمكنه الاستمرار في خطته، بشرط تقييم الالتزامات بعناية واستشارة مختصين"، بينما نصح المستثمرين بالانتظار حتى تتضح ملامح الإصلاحات المقترحة في نهاية 2025 .
وأشار مرتضى إلى أن "الأسر العربية ستكون من بين الأكثر تأثرا، لأنها غالبا ما تضع كامل مدخراتها في مشروع شراء منزل واحد، وتعتبر العقار رمزا ووسيلة للاستقرار والأمان".
وأضاف أن "التغيرات المقترحة قد تهزّ ثقة هذه العائلات بالسوق، إن لم تقترن بسياسات دعم واضحة ومباشرة تُعيد التوازن وتمنح الأسر فرصة للاندماج العقاري بشكل آمن".
أكد مرتضى أن ارتفاع الإيجارات بنسبة وصلت إلى 14% في بعض المناطق خلال العام الماضي "زاد من الضغط على العائلات ذات الدخل المتوسط، خصوصا لدى الأسر الجديدة".
واعتبر أن "أزمة التملك لم تعد مسألة توقيت، بل مسألة قدرة حقيقية على مجاراة المتغيرات، خصوصا حين تغيب الرؤية الحكومية الشاملة".
وختم مرتضى حديثه بالقول إن السوق الأسترالي ليس مغلقا أمام الفرص، لكنه لم يعد يحتمل القرارات الارتجالية، مضيفا أن ذلك مرهونا بـ"فهم التحولات القادمة، والتخطيط المالي الذكي وتجنب التسرع والاستفادة من الدعم الحكومي إن وجد".
وخلص الى القول " باختصار .. من يشتري للسكن لا يجب أن ينتظر كثيرا، أما من يشتري للربح فيجب أن يتحلى بالصبر والمرونة" مؤكدا انه اذا "كان الهدف استثماري بحت، فقد يكون من الحكمة الانتظار حتى نهاية 2025 حين تتضح تفاصيل التعديلات الضريبية والمالية".
ونصحت وزارة الخزانة بحسب تسريب كشفت عنه قناة ABC NEWS بأنه "يجب رفع الضرائب كجزء من الإصلاح الضريبي الأوسع" وأن "التحسينات في الميزانية يجب أن تأتي من النمو الاقتصادي والإيرادات الإضافية وخفض الإنفاق" اذ اظهرت بان الحكومة ستفشل في تحقيق أهدافها في مجال الاسكان.
ووفقا للوثيقة ، اعترفت وزارة الخزانة بأن الهدف الطموح المتمثل في بناء مليون و200 الف منزل جديد بحلول عام 2029 "لن يتحقق" ، كما أشارت الى أن الهدف المنقح سيسمح بأجندة إسكان "متماسكة وذات أولوية جيدة".
يمكنكم الاستماع للمقابلة في التدوين الصوتي أعلاه.