مرحبًا بكم في حلقة جديدة من بودكاست مشوار من أستراليا، حيث نأخذكم كل مرة إلى مكان فريد من نوعه، يجمع بين الطبيعة الخلابة، والتاريخ العريق، والتجربة الإنسانية الاستثنائية.
وجهتنا اليوم إلى موقع ساحر يقع في أقصى الغرب الأسترالي، على سواحل المحيط الهندي… إلى مونكي مايا.
ربما يوحي الاسم بأننا ذاهبون لمقابلة قردة، لكن المفاجأة أن أشهر من يسكن هذا المكان ليسوا سوى… الدلافين!
مونكي مايا تقع في منطقة شَارك باي، التي أدرجتها منظمة اليونسكو كموقع تراث عالمي لما تحتويه من تنوّع بيئي غني، ومظاهر جيولوجية نادرة.
من أين جاء اسم مونكي مايا؟
تبعد مونكي مايا حوالي 850 كيلومترًا شمال بيرث، عاصمة أستراليا الغربية، وتُعدّ واحدة من أشهر الوجهات السياحية في البلاد لعشاق الحياة البحرية والطبيعة الهادئة.
لكن لعلّكم تتساءلون: لماذا سُمّيت مونكي مايا بهذا الاسم؟ رغم ما قد يوحي به الاسم، لا توجد قردة في هذا المكان.
الاسم "مونكي" يُعتقد أنه جاء من اسم قارب صيد قديم كان راسيًا في المنطقة في بدايات القرن العشرين، بينما "مايا" هي كلمة من لغة السكان الأصليين وتعني "مكان" أو "بيت".
وهكذا، اجتمع الاسم الأوروبي مع كلمة محلية ليعكس التنوع الثقافي واللغوي الذي يميّز هذه المنطقة منذ قرون.
لكن ما الذي يجعل مونكي مايا مميزة إلى هذا الحد؟ الجواب بسيط: الدلافين البرية.
لأكثر من 50 عامًا، تأتي مجموعات من الدلافين من نوع بوتلنوز إلى شواطئ مونكي مايا الضحلة، وتتفاعل بشكل طوعي مع البشر. إنها ليست دلافين مروّضة أو محتجزة، بل دلافين حرة، تعيش في بيئتها الطبيعية، وتزور المكان يوميًا تقريبًا. وقد بدأت هذه الظاهرة في الستينيات، حين لاحظ الصيادون المحليون أن بعض الدلافين تقترب من القوارب طلبًا للطعام.
قصة السكان الأصليين في مونكي مايا
إلا أن قصة مونكي مايا لا تبدأ مع السياح أو الباحثين، بل تعود إلى آلاف السنين مع الشعوب الأصلية في المنطقة. يُعرف السكان الأصليون لهذه الأرض باسم مالغا ونغالا، وهم قبائل عاشت على هذه السواحل منذ أكثر من 30 ألف عام.
بالنسبة لهم، البحر لم يكن فقط مصدرًا للطعام، بل كان أيضًا موطنًا للأرواح، وقصص الخلق، والتقاليد المقدسة. كانوا يراقبون سلوك الدلافين، ويعتقدون أن لها علاقة بالكون الروحي، وأن تفاعلها مع البشر ليس مجرد صدفة.
ولا تزال هذه الرؤية حاضرة اليوم، حيث يُشرك المجتمع الأصلي في برامج الحماية والبحث، ويُحتفى بثقافتهم من خلال الجولات السياحية والمعارض الفنية في المنطقة.

Monkey Mia is a popular tourist destination located about 900 km north of Perth, Western Australia. Tourists flock to this beach to see wild dolphins that visit on a regular basis for a fish snack. Source: Moment RF / Lea Scaddan/Getty Images
وإن كنتم من محبي الطبيعة، فحديقة فرانكويس بيرون الوطنية القريبة ستدهشكم بتنوعها، من الكثبان الرملية الحمراء إلى الخلجان المخفية والمنحدرات الصخرية المطلّة على المحيط.
أما عشاق العلم والبحث، فسيجدون في مونكي مايا أحد أهم مراكز دراسة سلوك الدلافين في العالم.
مركز أبحاث الدلافين
يقع في المنطقة مركز أبحاث الدلافين الذي يديره علماء من جامعات أسترالية ودولية.
يُجري الباحثون هناك دراسات طويلة الأمد عن التواصل بين الدلافين، والروابط الاجتماعية، وأساليب الصيد، وحتى ما إذا كانت بعض الدلافين "تورّث" ثقافتها وسلوكها لأجيالها القادمة.
تُعدّ مونكي مايا من الأماكن النادرة التي يُمكن فيها للعلماء دراسة الدلافين البرية في بيئتها الطبيعية، دون تدخل بشري مباشر. وقد ساهمت هذه الأبحاث في فهم أعمق لسلوك الكائنات الذكية، وربما حتى في إعادة التفكير بعلاقتنا نحن البشر بالعالم الطبيعي.
ولأن السياحة عنصر أساسي في حياة مونكي مايا، فقد تم تنظيمها بعناية.
هناك قوانين صارمة تمنع إطعام الدلافين إلا في أوقات محددة وتحت إشراف، وذلك لحماية التوازن الطبيعي وتشجيع السلوك البري. الفنادق والمخيمات البيئية في المنطقة تلتزم بمبادئ السياحة المستدامة، وتوفّر للزوار تجربة تعليمية ممتعة وآمنة في آنٍ معًا.
مونكي مايا ليست مجرد شاطئ جميل، ولا مجرد مكان ترى فيه دلافين من مسافة قريبة.
إنها مساحة تلتقي فيها الطبيعة بالعلم، والتقاليد بالحداثة، والبشر بالكائنات البحرية في علاقة احترام متبادل.
فإذا كنتم تبحثون عن مكانٍ يُلهمكم، يُهدئ أرواحكم، ويقرّبكم من عوالم أخرى… فمونكي مايا بانتظاركم.