يحتفل أبناء الطائفة المندائية في أستراليا هذه الأيام بعيدهم الأكبر "دهوا ربا"، وسط طقوس دينية وروحية عميقة تمتد جذورها إلى بلاد ما بين النهرين، حيث كانت مياه دجلة والفرات شاهدة على ولادة ديانة الماء والنور.
في حديثه لـ"أس بي أس عربي"، أوضح الكاتب بشار عزيز، أحد ابناء الجالية المندائية وأصواتها في أستراليا، أن "دهوا ربا" هو رأس السنة المندائية، ويتميّز بطقس "الكرصة" الذي يمتد 36 ساعة من العزلة الروحية، تبدأ بنهاية السنة القديمة وتنتهي مع بداية العام الجديد، في تقليد يرمز إلى التطهّر والتجدّد.
الكاتب بشار عزيز : الكرصة تمنحنا الامان لعام مقبل
واضاف " نقضي الكرصة في بيوتنا، نعتكف، نجتمع كعوائل في بيت واحد، وتمثل الساعات الـ 12 الاولى نهاية العام المنصرم، اما الساعات الـ 24 التالية فهي من العام الجديد" ، ماضيا الى القول "نستقبل العام الجديد بنية إيجابية ونحاول نترك السلبيات وراء ظهورنا، فالكرصة تمنحنا الأمان للعام المقبل".
وتشتمل الطقوس على ايقاف اي شكل من اشكال التعامل خارج المنزل، مع غلق الابواب والنوافذ، وعدم استقبال الزوار، بالاضافة الى عدم استخدام مياه الصنبور، حيث يعمدون الى ملئ الاواني بالماء وتجهيزه قبل مغيب الشمس لاستخدامه في الـ36 ساعة.
في صبيحة اليوم، وقبل غلق الابواب، يمارس الصابئة طقوس التعميد ونحر الذبائح لصنع الطعام وتقديمه للناس، حيث تتم هذه الطقوس بملابس خاصة تسمى "الرستة" وهي ملابس بيضاء بالكامل للرجال والنساء.
في عيد دهوا ربا طقوس الصباغة تعمد الغياب بالطمأنينة
ويحتل الماء موقعا مركزيا في هذا العيد، حيث تُقام طقوس "الصباغة" او التعميد في المياه الجارية عند الفجر، باعتباره فعلا روحيا يرمز للنقاء، وعنه يقول بشار عزيز ان "الصباغة هي تطهير للنفس والجسد وغسل الذنوب والاثام التي يقوم بها الانسان ففي الصباغة نعاهد الخالق على نقاء الروح ".
واضاف "الماء الجاري ليس مجرد طقس بل هو الحياة ذاتها ولها قدسية كبيرة وعظيمة في حياة، ويُسمى النهر الجاري عندنا (يردنا)".

طقس الصباغة والذي يرمز إلى التطهر عن طريق الغطس في الماء لغسل الخطايا
عيد النور والماء يجد مجراه في استراليا
ومع الغربة عن الوطن الأم العراق ابتعد المندائيون عن دجلة والفرات، إلا أنهم وجدوا في أنهار أستراليا، مثل نهر نبين في بينريث ونهر جورج ريفر في ليفربول في سيدني ، بدائل تحفظ طقوسهم وهويتهم، رغم الطابع الرمزي للماء هنا.
اقرأ المزيد

من هم الموحدون الدروز ولماذا يؤمنون بالتقمص؟
وأوضح بشار عزيز بان عدد أبناء الطائفة المندائية في أستراليا يقدر بــ"نحو 15 ألف شخص، موزعين بين سيدني وملبورن حيث توجد معابدهم (المندي)، ومدارس لتعليم اللغة والمعتقدات، أبرزها (مندي وليشيا) و(مندي هيهانا)، بدعم من الدولة". وتُقام في هذه المراكز الصلوات، المحاضرات، وتعاليم من الكتاب المقدس "الكنزا ربا".

الكاتب بشار عزيز أحد اصوات الصابئة المندائية في استراليا
ورغم اتساع الفجوة الثقافية بين الأجيال، يؤكد الدكتور بشار أن الطقوس ما تزال حاضرة بقوة، وأن الأهل يحرصون على نقلها إلى أبنائهم في المهجر.
ولفت الى أن لحظة "الصباغة" والاعتكاف العائلي تظل الأشد تأثيرا في وجدانه، لما تحمله من سكينة ودفء روحي.
وحول الكلمات الخاصة بالمندائية، قال بشار إن "الرستة وهي ملابس بيضاء بالكامل وتعد اللباس الديني الذي يتكوّن من خمسة أجزاء هي (الثوب، العمامة، النصيفة، السروال، والهميانة)".

كتاب "كنزا ربا" (الكنز العظيم) أقدس الكتب والمخطوطات عند الصابئة المندائيين ومصدر التشريع والوصايا والتعاليم Source: Facebook
ورغم أن الديانة المندائية ليست تبشيرية، إلا أنها ترحّب بالضيوف من مختلف الخلفيات، وغالبا ما يحضر مسؤولون أستراليون احتفالاتهم.
وختم عزيز حديثه بصورة تختزل المعنى "حين أسمع (دهوا ربا)، أتذكّر دجلة، شط العرب، الكارون .. وأدعو للسلام والأمان لكل الشعوب".
وفي هذا العيد، واغلب المناسبات الدينية الاخرى للطائفة المندائية، يكون التوجه لتطهير الروح من الخطايا، عبر قراءة الكتاب المقدس (كنزا ربا) والتوجه للخالق بطلب المغفرة، لمحو الخطايا والذنوب، والتضرع لله ان يرحم الموتى، ويبعد الشر عن البلاد وان يعم السلام والاستقرار .
ويعد كتاب "كنزا ربا" (الكنز العظيم) أقدس الكتب والمخطوطات عند الصابئة المندائيين ومصدر التشريع والوصايا والتعاليم.
كما يقوم أتباع الديانة المندائية بأداء الصلاة والصوم الخاص بهم بالإضافة إلى التعميد والأعياد الدينية.
وبالإضافة الى العربية، يتحدث ابناء الطائفة اللغة الارامية، وفي عام 2000 قام الشاعر العراقي الراحل عبدالرزاق عبدالواحد بترجمة الكتاب المقدس "كنزا ربا" من اللغة الارامية الى اللغة العربية، وتم تطبعه وتوزيعه.
وتعد الديانة الصابئية من أقدم الديانات التوحيدية، ونشأت في مدينة العمارة مركز محافظة ميسان جنوبي العراق، وتبلورت تعاليمها على يد النبي يحيى بن زكريا.
يمكنكم الاستماع للتقرير في التدوين الصوتي أعلاه.
هل أعجبكم المقال؟ استمعوا لبرنامج "أستراليا اليوم" من الاثنين إلى الجمعة من الساعة الثالثة بعد الظهر إلى السادسة مساءً بتوقيت الساحل الشرقي لأستراليا عبر الراديو الرقمي وتطبيق Radio SBS المتاح مجاناً على أبل وأندرويد.