قصتي : من تكنولوجيا المعلومات الى فن الخزف .. مهندس عراقي يختار العيش في ريف ملبورن بحثا عن التوازن

80280986-ac6f-4f09-ac77-0e5707fcd79d.jpg

صلاح الربيعي يحمل اناء من الفخار بعد الانتهاء من تشكيله في مشغله بمزرعته في شمال ملبورن

أكد المهندس العراقي الأسترالي صلاح الربيعي إنه يعيش حياة تبدو متناقضة للوهلة الأولى لكن التناقض الظاهري هذا هو في الحقيقة توازنٌ يمنحه المعنى والسكينة. أوضح أنه بعد عقود من العمل في التكنلوجيا والذكاء الاصطناعي، اختار العيش في الريف مع زوجته الأسترالية القادمة من بيئة ريفية أيضا، مبينا ان تشكيل الطين يذكّره ببابل، أرض الفخار الأولى، وأن فن الخزف بالنسبة له هو امتداد للإبداع التقني، كلاهما يحتاج إلى صبر ودقة وصدق.


للاستماع إلى أحدث التقارير الصوتية والبودكاست، اضغطوا على الرابط التالي

قال المهندس العراقي الأسترالي صلاح الربيعي إن حياته اليوم تجمع بين عالمين متناقضين في الظاهر، الأول تقني معقّد يعمل فيه مديراً لتصميم الأنظمة في مؤسسة حكومية بولاية فكتوريا، والثاني بسيط وطبيعي يعيشه بين الطين والحطب والدجاج في منزله الريفي.

وأوضح أن هذا التناقض ليس تعارضاً، بل توازناً يمنحه صفاء الذهن ومعنى الوجود، مشيراً إلى أن "الإنسان لا يحتاج إلى ضجيج كي يشعر أنه حيّ، بل إلى انسجام مع الطبيعة من حوله".

واستعاد الربيعي في حديثه مع أس بي أس عربي بدايات رحلته الى أستراليا قائلاً إنه غادر العراق عام 1994 متنقلاً بين الأردن والإمارات، قبل أن ينتقل إلى نيوزيلندا ضمن برنامج هجرة الكفاءات الهندسية ويقيم فيها حتى عام 2000، ثم يستقر في أستراليا بحثاً عن فرص أوسع في المؤسسات التقنية والعلمية.

وأشار إلى أن التحديات الأولى في أستراليا كانت شبيهة بتجارب معظم المهاجرين، من صعوبة اللغة إلى إيجاد الإحساس بالانتماء، لافتاً إلى أن العمل لم يكن عائقاً بفضل خبرته الطويلة، لكن التكيّف الثقافي احتاج إلى وقت وصبر.
Salah Alrubaei.jpg
صلاح الربيعي خلال مشاركته في Gartner IT Symposium/Xpo في غولد كوست لبحث مستقبل التقنية والسحابة السيادية
وأوضح أنه دخل مجال الكمبيوتر والبرمجة في العراق منذ عام 1985، في زمنٍ كانت فيه الأجهزة نادرة، ثم طوّر خبرته في الأردن والإمارات ونيوزيلندا حتى تولّى إدارة تصميم الأنظمة في مؤسسات كبرى بأستراليا، موضحاً أن رحلته المهنية كانت "من زمن الخوارزميات الأولى إلى تصميم الأنظمة الذكية المعقّدة".

وأوضح الربيعي أنه رغم هذا الانخراط في عالم التكنولوجيا، كان داخله حنين إلى البساطة، فاختار منذ نحو 15 عاماً العيش في الريف على أطراف المدينة، "في مكان لا يبعد أكثر من ساعة ونصف عن ملبورن، يمنحني القدرة على العمل في المدينة إذا أردت، والعيش في سكون الطبيعة حين أعود".
كل شيء في حياة الريف يأتي بجهد، لكن هذا الجهد هو ما يمنحك الإحساس الحقيقي بالوقت والقيمة والصبر
صلاح الربيعي
ولفت إلى أن حياته الريفية تقوم على الجهد اليدوي والدورة الطبيعية، مبيناً أنه يعتمد في التدفئة على الحطب الذي يقطعه بنفسه من الأشجار الساقطة، ويتركه بين الشمس والمطر لمدة عام ونصف أو عامين حتى يجفّ ويصبح صالحاً للاستخدام. ومضى الى القول "كل شيء في الحياة هنا يأتي بجهد، لكن هذا الجهد هو ما يمنحك الإحساس الحقيقي بالوقت والقيمة".
دعم زوجتي لي وهي أسترالية ومن الريف أيضاً جعل حياتنا معاً أسهل
صلاح الربيعي
وأشار إلى أن زوجته الأسترالية تنتمي هي الأخرى إلى بيئة ريفية، ما جعل التفاهم بينهما سهلاً، قائلاً إنهما يشتركان في حب الطبيعة والعمل اليدوي.

وأوضح أن العيش في الريف علّمهما التفكير "خارج الصندوق"، من مراقبة كمية المياه التي يجمعانها من المطر، إلى حساب ما يكفي من الطاقة الشمسية والوقود الشتوي، مروراً بمتابعة مواسم الزراعة وتوازن الطبيعة بين الحشرات والطيور.
SALAH ALRUBAIE 6.jpg
مزرعة بابل .. لافتة وضعها صلاح الربيعي عند مدخل منزله الريفي في شمال ملبورن
وبيّن أن منزلهما الريفي يضم حظيرة دجاج تنتج البيض يومياً، وأنهما لا يهدران أي طعام، فكل ما يتبقى يعود إلى دورة الطبيعة؛ فإما غذاء للحيوانات أو سماد للأرض. وأضاف أن لديهما خيولاً وخرافاً تساعد في السيطرة على الحشائش ووضعت تحت السيطرة دوما، مؤكداً أن الحياة الريفية تقوم على إعادة التدوير والانتماء البيئي.

وأشار الربيعي إلى أنه يرى الإنسان جزءاً من النظام الطبيعي لا سيداً عليه، قائلاً "يجب ألا يأخذ الإنسان أكثر مما يحتاج، وأن يعيش في انسجام مع الأرض وما تمنحه".

ثم انتقل للحديث عن وجهه الآخر، الفنان صلاح الربيعي، موضحاً أن ورشة الخزف الصغيرة بجانب منزله هي مساحته الخاصة للتعبير والراحة. وقال "حين ألمس الطين وأبلّله بالماء وأبدأ بتدوير العجلة، أشعر أني أقترب من أصل الأشياء... هنا لا أوامر ولا ضغط، فقط أنا والمادة الأولى".
SALAH ALRUBAIE 1.jpg
بين الطين والمرآة .. صلاح الربيعي في مشغله الفني حيث يبدأ شكل الفخار وينتهي الصخب
وبيّن أن الفخار بالنسبة له "حرية ومتعة وتأمل"، حيث يتركز كل انتباهه على تشكيل قطعة جديدة، "تماماً كما يركّز المهندس عند بناء نظام رقمي".

وأشار إلى أن هذا العمل الفني يمزج بين الماضي والحاضر، فهو من بابل المدينة العراقية التي فيها آثار واحدة من اقدم الحضارات في التاريخ وقال "من أرض بابل خرج أول فخار في التاريخ".

واستعاد بفخر ما قيل له أثناء دراسته دورة في الخزف بجامعة ملبورن "أنتم من العراق؟ أنتم من مدينة علمت الإنسانية كيف تصنع الفخار منذ سبعة آلاف سنة".
SALAH ALRUBAIE 4.jpg
حين يتحول الطين الى ذاكرة .. نماذج من أعمال صلاح الربيعي في ورشته الريفية
تشكيل الفخار وتصميم أنظمة المعلومات يشبهان بعضهما، وكلاهما يحتاج إلى خيال وصبر ودقة وجودة وأبداع
صلاح الربيعي
وأوضح أن هذا الربط بين الماضي العريق والحاضر التقني منحه شعوراً بالاستمرارية والانتماء.

وقرن الربيعي بين عالم الفخار وعالم الأنظمة الرقمية قائلاً إن كليهما يقوم على التصميم والإبداع والدقة. وبيّن أن الفنان يصمم الأشكال كما يصمم المهندس الأنظمة، وأن العملين يحتاجان إلى خيال وصبر واهتمام بالتفاصيل، مؤكداً أن "الإبداع واحد، سواء في الطين أو في الكود".
النجاح الحقيقي هو التوازن والانسجام هو كلمة السر في الحياة
صلاح الربيعي
وأوضح أن العيش في الريف لا يتعارض مع العمل في التكنولوجيا، بل يكمّله، لأنه يمنحه التوازن المطلوب لمواصلة الابتكار.

وقال إن الطبيعة تمنحه صفاء الذهن الذي ينعكس على جودة العمل، مضيفاً أن "النجاح في المهنة يعزز النجاح في الحياة، والعكس صحيح".

وأشار إلى أن كل قطعة فخار يبدأها لا تكون واضحة المعالم، لكنها تتشكّل شيئاً فشيئاً بالصبر والإيمان بالفكرة، "وهذا يشبه الحياة تماماً، لا ترى ملامحها أولاً، لكنها تكتمل مع الوقت".

وخلص الربيعي إلى رسالة مفادها أن "النجاح الحقيقي هو التوازن"، موضحاً أن الإنسان يحتاج إلى توزيع عادل لوقته بين العمل والعائلة والفن والطبيعة والروح، "فحين يختلّ واحد منها يختلّ كل شيء".

وختم بالقول إن "الانسجام هو كلمة السر في الحياة، فمن يفقد الانسجام يفقد نفسه".
SALAH ALRUBAIE 5.jpg
الطبيعة لا تحتاج الى زخارف.. واحدة من البرك المائية في مزرعة صلاح الربيعي بولاية فكتوريا
استمعوا لتفاصيل أكثر بصوت المهندس والفنان صلاح الربيعي وحديث عن قصته مع الفن والخزف والتكنلوجيا والعيش في الريف مع بالضغط على الزر الصوتي في الأعلى.
أكملوا الحوارات على حساباتنا على فيسبوك وانستغرام.
للاستماع إلى أحدث التقارير الصوتية والبودكاست، اضغطوا على الرابط التالي.

spk_0

خبير في تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي يعمل مديرًا لتصميم الأنظمة في مؤسسة حكومية بولاية فكتوريا. لكن خلف شاشة الحاسوب وجهٌ آخر له: وجهُ الفنان الذي اختار الطين والحطب والهدوء بديلًا عن لغة الكود والأرقام والمؤشرات، والعيشَ في منزل ريفي بعيدًا عن صخب المدينة؛ لا هروبًا من التكنولوجيا التي يفهمها جيدًا، بل بحثًا عن المعنى في الريف. أنا محمد الغزي.

spk_0

وهذه قصة المهندس والفنان صلاح الربيعي.

spk_1

حياتي قد تبدو وكأن فيها بعض التناقضات؛ فمن جهة أعمل في آخر ما توصّل إليه علمُ المعلومات وتصميمُ الأنظمة للمؤسسات الكبيرة، ومن جهة أخرى أعيش حياةً بسيطة. بعض الناس قد يرونها اختلافًا في الدرجة، لكنها بالنسبة إليّ توازنٌ مطلوب.

spk_0

لنبدأ من البداية: كيف كانت رحلتك إلى أستراليا؟ وما الذي كنت تبحث عنه حين وصلت؟

spk_1

غادرت العراق

spk_1

عام 1994، وبعد فترة قصيرة في الأردن ونحو سنةٍ ونصف في الإمارات، ذهبتُ إلى نيوزيلندا من خلال هجرة الكفاءات الهندسية. عشت في نيوزيلندا حتى عام 2000 تقريبًا، ثم قررت المجيء إلى أستراليا واستقررت فيها منذ ذلك الحين. كان الهدفُ العملَ في مجال تخصصي؛ فأستراليا بلدٌ أكبر من ناحية التكنولوجيا والمؤسسات.

spk_1

فالهدف هو العمل في بيئاتٍ أوسع وأكثر تأثيرًا.

spk_0

ما التحدي الأكبر الذي واجهته في سنواتك الأولى في

spk_1

أستراليا؟ نعم، التحدي الأكبر يكاد يكون تقليديًا لمعظم المهاجرين: اللغة، والإحساس بالانتماء، وإيجاد المساحة المتوازنة بين المجتمع والثقافة الأسترالية من جهة، والمجتمع والثقافة التي جئتُ منها من جهة أخرى. هذه كانت بعض الصعوبات في البداية. أمّا العمل فلم تكن هناك مشكلة بفضل الخبرة.

spk_1

كانت لديّ خبرة جيدة.

spk_0

أستاذ صلاح، حدّثنا كيف بدأت العمل في مجال التكنولوجيا، وخاصة تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي؟ ما الذي جذبك إلى هذا المجال؟

spk_1

في الحقيقة دخلتُ مجالَ تكنولوجيا المعلومات والكمبيوتر منذ زمنٍ طويل جدًا؛ في العراق تحديدًا عام 1985 تقريبًا، في وقت كانت فيه الأجهزة نادرة، ومع ذلك بدأتُ مبكرًا.

spk_1

ثم واصلتُ العمل في هذا المجال، وخصوصًا رسومَ وتصاميمَ الكمبيوتر (Computer Graphics & Design) في مؤسساتٍ بالعراق من خلال التلفزيون العراقي، وهذه أعطتني خلفية ممتازة. بعد ذلك استمررت في الأردن والإمارات في مجالات التصميم، وفي نيوزيلندا وأستراليا تحوّلتُ إلى تصميم وبناء الأنظمة.

spk_1

انتقلتُ من منصبٍ إلى آخر حتى وصلتُ إلى المنصب الحالي: مدير تصميم الأنظمة في مؤسسة حكومية. عملتُ في أكثر من مؤسسة حكومية، لكنني حاليًا مديرٌ للتصاميم والأنظمة.

spk_0

بعد هذه السنوات، ما الذي غيّر نظرتك إلى الحياة ودفعك لاختيار العيش في الريف بعيدًا عن صخب المدينة وأنت ابنُ التكنولوجيا؟

spk_1

أنا في الحقيقة أعيش في الريف أو على أطراف المدن منذ خمسةَ عشرَ عامًا، وكنت دائمًا أحب أن أوازن بين صخب العمل والمدينة وبين العيش الريفي. كان هدفي الدائم إيجادُ مكانٍ يبعد ساعةً إلى ساعةٍ ونصف عن المدينة؛ يمنحني حريةَ العمل في المدينة إذا احتجتُ، والعيشَ الريفيَّ حين أعود. أعتقد أن الإنسان، خاصةً اليوم،

spk_1

يعيش في دائرةٍ مستمرة؛ وكأن حياةَ المدينة لا تمنح طبائعَ الحياة حقَّها. لذلك ينبغي ألّا نفوّت خياراتِ وجمالَ الطبيعة والعودةَ إلى البساطة. العيشُ في الريف يحتاج جهدًا وصبرًا؛ مثل الوقت الذي نأخذه لتجفيف الحطب. عادةً نقطّع الأشجارَ الساقطة إلى قطع، وهذا يحتاج جهدًا، ثم نتركها بين الشمس والمطر لمدة سنةٍ ونصف إلى سنتين حتى تصبح صالحةً للاستعمال في المدفأة داخل البيت. كلُّ شيءٍ في الحياة يأتي بجهد ويحتاج وقتًا. الذي سهّل هذا الأمر دعمُ زوجتي الأسترالية، وهي أيضًا من الريف.

spk_0

وأنا أيضًا أفهم أن الأصول التقت: ريفٌ أستراليٌّ وعراقي.

spk_0

كيف التقيتما؟ وكيف أسهم اختلاف الخلفيات في إثراء التجربة؟

spk_1

في الحقيقة لم نرَ اختلافًا يُعطّل حياتنا، وهذا سهّل الأمور. العيشُ في الأماكن الريفية يجعلك لا تأخذ الأشياء كمسلمات، ويجعلك تفكّر خارج الصندوق؛

spk_1

من مراقبة كمية المياه التي نجمعها من المطر: هل هي كافية؟ وهل الكهرباء من الخلايا الشمسية كافية؟ وهل لدينا ما يكفي من وقود التدفئة للموسم القادم؟ مرورًا بمواسم الزراعة، وحتى حركة الأشجار والحيوانات والحشرات. العيشُ في الطبيعة يضع الإنسان في انسجامٍ دائم معها، وأيُّ اختلالٍ في هذا الانسجام يُربِكُ حياةَ الإنسان. البعض يسأل: لماذا لا تعيش في المدينة؟ بينما السؤال الأصح: لماذا لا يكون الإنسان أكثر ارتباطًا بالطبيعة من حوله؟

spk_0

خارج منزله حظيرةُ دجاجٍ تسرح بحرية، وبيضٌ طازجٌ كلَّ صباح. حياةٌ "أورغانيك": يعتمد صلاح وزوجته الأسترالية على خيرات الطبيعة؛ التدفئةُ من الحطب،

spk_0

والمياهُ من المطر، والراحةُ من البساطة.

spk_1

الحياةُ مع الحيوانات، ومع الدواجن تحديدًا، مفيدةٌ جدًّا؛ فهناك أكثر من فائدة. أولًا: لا نُهدر الطعام؛ فلا شيء يُرمى. بقايا الطعام تذهب إلى الدواجن، وحتى بقايا اللحوم نتركها في المزرعة أو الغابة؛ فتأكلها الحيوانات.

spk_1

والدواجن تعطينا البيض، وتوفّر السماد الذي يعود إلى الأرض ويساعد على نمو النباتات؛ فهناك حركةٌ دائمةٌ في الدورة الطبيعية.

spk_0

حدثتني عن أنك امتلكتَ فرسًا وماشيةً أيضًا.

spk_1

نعم، عندما انتقلنا كان لدينا حصانان، أحدهما حصانٌ عربي.

spk_1

وكانا للاستخدام في البيت والمزرعة. ولوقتٍ قريب كان لدينا أيضًا مجموعةٌ من الخراف تساعد في السيطرة على الحشائش، وهذا بدوره يساعد على تقليل مخاطر الحرائق؛ لأننا نحتاج دائمًا لإبقاء الحشائش تحت السيطرة. ما يتبقّى لدينا إمّا نستخدمه علفًا للحيوانات أو للزراعة.

spk_1

وبصورة عامة نترك كميةً من المياه للحيوانات البرية الطبيعية كالكناغر وغيرها. على الإنسان أن يكون دائمًا في حالة انسجامٍ مع الطبيعة؛ ألّا يأخذ أكثرَ مما يحتاج.

spk_0

كيف تصف حياتك اليوم بين الطبيعة والعمل والفن؟ هناك وجهٌ آخر للمهندس صلاح:

spk_0

الفنانُ صلاح الذي يُشكّل الخزف في أعمالٍ فنية. هل هي هواية، أم طريقةٌ للتعبير عن نفسك بعيدًا عن لغة الكود؟

spk_1

قد تبدو حياتي متناقضةً للبعض؛ فمن جهة أعمل في آخر ما توصّل إليه علمُ المعلومات وتصميمُ الأنظمة للمؤسسات الكبيرة، ومن جهة أخرى أعيش حياةً بسيطة. بالنسبة إليّ هذه الحياة مثاليةٌ لي ولعائلتي؛ لدينا دائمًا حريةُ الهروب من ضجيج المدينة إلى أجواء نظيفة.

spk_1

أعتقد أنّ هذه الحياة هي الطبيعةُ الأصيلة للإنسان؛ فطبيعتُه أن يعيش في أماكنَ طبيعية، لا في إسمنتٍ متواصل.

spk_0

ماذا تمثّل لك ورشةُ الخزف؟ وما الرابط الذي تراه بين الطين الذي تُشكّله والبرمجياتِ التي تتعامل معها في عملك؟

spk_1

بالنسبة لي الفخارُ والرسمُ والخزفُ حريةٌ خالصة؛ تنسى معها الوقتَ وهمومَ الحياة، ويتركّز كلُّ انتباهك على تحويل هذا الطين إلى أشكالٍ جميلة. هذا شيءٌ عميقٌ في داخلي؛ قد يكون آتيًا من أرض العراق وحضاراتِ بابل. ورغم اختلاف طبيعة العملَين،

spk_1

فأنا أصمّم في الحالتين: في الأولى أصمّم أشكالًا فنيةً وخفية، وفي الثانية أصمّم أنظمةً رقميةً ذكيةً تحتاج إلى عملٍ إبداعي. الإبداع حاضرٌ في المجالين، وفي كليهما أعمل على شيءٍ جديد، ويحتاج العملُ فيهما إلى دقةٍ وتأنٍّ وجودة.

spk_0

تتحدث عن بابل وكأنك تقول: حين ألمس الطين أشعر أنني أقترب

spk_0

من أصل الأشياء؛ فقط أنت والمادة الأولى: الطين. ما الذي تقوله لنفسك حين تُبلّل الطين بالماء ويبدأ الدولاب بالدوران بين يديك لتشكّل الخزف؟

spk_1

كما قلتُ: يصبح الهدفُ الوحيد في تلك اللحظة كيفيّةُ تحويل الطين إلى جمال. وعندما التحقتُ بدروسِ الخزفِ والفخار في جامعة ملبورن، كان يُقال لنا: "أنتم من العراق؟ أنتم من مدينةٍ علّمت الإنسانيةَ صناعةَ الفخار منذ سبعة آلاف سنة". وهذا قولٌ جميل يربط الماضي بالحاضر.

spk_0

هل يُكمل صلاحُ الفنانُ صلاحَ المهندس؟ ما الذي يمنحك هذا الشعور اليوم وأنت تدير قسمًا مهمًا في مجال الأنظمة والذكاء الاصطناعي في مؤسسة كبيرة، وفي الوقت نفسه تُشكّل جانبك الفني وتختار نمط العيش؟

spk_1

أرى أن الواحدَ يُكمّل الآخر. النجاحُ في العمل مرتبطٌ بجودة الحياة؛ تعمل ستَّ أو سبعَ أو ثماني ساعات في مجالٍ معقّد مثل الأنظمة والذكاء الاصطناعي، ويحتاج ذلك إلى توازنٍ مقابل: عملٍ فنيٍّ أو وقتٍ في الطبيعة. بالنسبة إليّ، كلٌّ منهما يُنعش الآخر.

spk_1

فالنجاحُ في أحدهما يدعم النجاحَ في الثاني.

spk_0

وكأنك تقول: أردتُ أن أعيش كما يفكّر الطين؛ لا على عجل، بل على وتيرة الطبيعة. لو لخّصت رحلتك بكلمةٍ واحدة، ماذا تقول اليوم؟

spk_1

أقول إن النجاح الحقيقي للإنسان هو التوازنُ والانسجام: توازنٌ بين العمل ووقت العائلة، ووقتٍ للرياضة، ووقتٍ للهواية والبيت،

spk_1

ووقتٍ للإيمان والعبادات والعلاقات الاجتماعية. إذا اختلّ واحدٌ من هذه، اختلَّ كلُّ شيء. الكلمةُ الوحيدة: "انسجام"؛ انسجامٌ بين كلِّ ذلك.

spk_0

شكرًا لك أستاذ صلاح على مشاركتنا قصتك. كان هذا المهندسُ صلاح الربيعي متحدّثًا عن رحلته إلى أستراليا، وقصته بين عالمي التكنولوجيا والفنّ واختيار نمط العيش.

END OF TRANSCRIPT

شارك

تحديثات بالبريد الإلكتروني من أس بي أس عربي

.سجل بريدك الإلكتروني الآن لتصلك الأخبار من أس بي أس عربي باللغة العربية

باشتراكك في هذه الخدمة، أنت توافق على شروط الخدمة وسياسة الخصوصية الخاصة بـ "SBS" بما في ذلك تلقي تحديثات عبر البريد الإلكتروني من SBS

Download our apps
SBS Audio
SBS On Demand

Listen to our podcasts
Independent news and stories connecting you to life in Australia and Arabic-speaking Australians.
Personal journeys of Arab-Australian migrants.
Get the latest with our exclusive in-language podcasts on your favourite podcast apps.

Watch on SBS
Arabic Collection

Arabic Collection

Watch SBS On Demand